الأردن: الأغلبية الصامتة بلا «حافلة»
تجلس الأغلبية الصامتة من الأردنيين والمواطنين على الرصيف أو على جنبات المرآب انتظارا لغودو الذي لا يأتي
حافلتان فقط في الانتخابات العامة الأردنية وغيرها متاحتان للركاب ـ أي الشعب- دوما ومنذ رسم سيناريو رسمي حشر الدولة ومعها المواطنين في أضيق الزوايا.
الحافلة الأولى هي حافلة الإسلام السياسي. والثانية هي حافلة الهندسة البيروقراطية الرسمية بمعناها الحكومي وأحيانا الأمني.
الأولى متاحة للركاب الذين لا يرغبون بركوب الثانية باعتبارها الخيار الوحيد إما للاعتراض أو للاحتجاج أو للتعبير عن الشعور بالإقصاء.
حافلة الإسلام السياسي هنا هي مركبة من لا مكان له بالوظيفة ومن لا حصة له في عقل الدولة ومن يشعر بالتهميش وتركبها فئات في المجتمع غاضبة أو محتقنة أو لا يعجبها المسار الرسمي، فلا تجد وسيلة للتنقل إلا عبر الحافلة التي تحمل يافطة التيار الإسلامي، حيث لا يوجد ما يمنع الاستثمار في الخطاب الديني، وأيضا المضي قدما بين المطبات.
الحافلة الثانية مخصصة لبسطاء أبرياء وطنيين يصرون على أن الدولة والخط الرسمي يعبران عن هويتهم ويمتطيها عاشقون أنقياء للنظام وللعرش، لكن معهم قلة متذاكية من الانتهازيين طلاب المصالح والامتيازات والولاء المدفوع ومحبون غيرهم للتباين مع الاتجاه الإسلامي.
حافلتان فقط في الانتخابات وغيرها متاحتان لمن يريد أن يعبر عن نفسه أو يحصل على امتياز ما أو يصل إلى طريق يريد الوصول إليه، وقد أخفقت حتى اللحظة كل إجراءات ووثائق الإصلاح والتنمية السياسية والتحديث بتوفير حافلة ثالثة تنقل من لا يريد الصعود الى الحافلتين الجاثمتين على رصيف العقل الاجتماعي.
مثل هذا الاحتكار لرصيف الشعب وغياب حافلة ثالثة معتدلة أو وسطية أو ترغب بتحريك عجلة الاقتصاد بدون مزاودات أو مزاعم هو السبب المباشر لظاهرتين انتخابيتين.
تجلس الأغلبية الصامتة من الأردنيين والمواطنين على الرصيف أو على جنبات المرآب انتظارا لغودو الذي لا يأتي
الأولى تلك التي تقول بالعزوف عن الانتخابات حيث أغلبية صامتة تماما على رصيف الانتظار لا تؤمن بمصداقية المشوار ولا تذهب للصناديق ولا تلائمها لا الحافلة الأولى ولا الثانية، وتخفق الدولة ومعها المجتمع في توفير مقعد لراكب في حافلة ثالثة.
لذلك حصرا تجلس الأغلبية الصامتة من الأردنيين والمواطنين على الرصيف أو على جنبات المرآب انتظارا لغودو الذي لا يأتي أو للحافلة الثالثة التي لا تتوفر في الموقع.
ما لم تدرك دوائر القرار العميقة واقع الرصيف الشعبي الأردني وخياراته في الحافلات لن يحصل تحديث ولا تغيير. ولن نرى مستقبلا قوى حزبية حقيقية، لأن المسؤولين عن الحافلة الثانية لا يريدون الإصغاء ولا يرغبون حتى بمنح مقعد واحد لراكب له رأي بمسار الطريق أو يملك الحق بالتحدث مع السائق.
سائق الحافلة الثانية يحدد للراكب كيف وأين سيجلس وأين سينزل وكيف ينبغي أن يصمت أو لا يجتهد، فيما السائق في الحافلة الأولى يقف بالركاب بين الحين والآخر دون أن يسمح لهم ايضا بالاجتهاد خارج نصوصه.
هل ثمة من يلام في المشهد الوطني والمحلي الأردني على هندسة الرصيف؟
هل ثمة من يلام على غياب حافلة ثالثة مريحة وفيها مكيف هواء أو على الأقل متاحة لمن انتظر طويلا؟
أسئلة صعبة وأحيانا محرجة ويتجنبها الأردنيون لأنهم حساسون للغاية تجاه أي سؤال يمكن أن يمس بمعادلة قائمة لكن النتيجة في الواقع واحدة، فكل مواطن يريد ركوب حافلة نحو هدف سياسي أو انتخابي عليه الصعود إما لحافلة التيار الإسلامي أو حافلة المنظومة الرسمية المتهالكة أحيانا التي تمثل الدولة وحدها.
صعب جدا تخيل تحديث سياسي حقيقي وتعددية حزبية ونقابية في ظل مثل هذه الهندسة.
لا الدولة باتت تمثل جميع الركاب في الوطن ولا التيار الإسلامي قادر على وضع حلول تصعد بالأغلبية المتفرجة الصامتة إلى أي حافلة ثالثة.
بكل صراحة وبساطة أي عمل منتج وحقيقي يبدأ من عند الإقرار بهذا الواقع الموضوعي، وأي هندسة تحديثية تغذي رصيد الدولة والنظام وتعكس في الوقت ذاته آمال وتطلعات الأردنيين عليها أن تؤسس لحافلة ثالثة ضمن أطر التعددية بحيث تسير الحافلات الثلاثة معا، ويختار المواطن بحرية وبدون ضغوط أو تدخلات الحافلة التي تلائمه. عندها فقط يزدهر الرصيد. وعندها فقط يعود اليقين بالدولة وخياراتها وتنتعش الآمال بأن تتحرك الأغلبية الصامتة وتشارك في العملية السياسية ثم تعفي الدولة نفسها لاحقا من مسؤولية ما ينتج عن هذه المشاركة لأن المجتمع في الحالة الثالثة لا يشارك في التفكير والقرار فقط، بل يشارك في تحمل المسؤولية وإدارة عملية الركوب والوصول والرحلة.
مجددا: من أراد إعداد طبق العجة عليه أن يكسر بعض البيض ويلقي بقشره في القمامة. ومن أراد تنشيط الرصيف الشعبي وتحريك المجتمع كله ضمن خطة توافق وطني وبذات التوقيت عليه أن يبدأ ليس من هندسة رصيف بل من السماح بوجود حافلة ثالثة حتى ننتهي من قصة العزوف الانتخابي واحتكار المايكروفونات تحت قبة البرلمان وخارجها ومن المعارضة التي سرعان ما تتسبب باحتقان في دوائر القرار. المسألة ليست صعبة ولا معقدة… نريد حافلة ثالثة.