الأردن الرسمي يجتهد في احتواء «مخاوف الشارع»
شبح «الترامبية»: الملك بدأ مع «العمق البريطاني»
عمان ـ «القدس العربي»: قد لا تكفي مقولة وزير الاتصال الأردني الناطق الرسمي باسم الحكومة الدكتور محمد المومني، وهو بالمناسبة خبير بملف الولايات المتحدة، عن علاقات عابرة للأحزاب بين بلاده والولايات المتحدة لأكثر من السعي لاحتواء مخاوف الشارع الشعبي.
المومني تحدث يوم الجمعة، باسم الحكومة الأردنية، عن تأثير فوز الرئيس دونالد ترامب على العلاقات والمصالح الأردنية الأمريكية، معتبراً أن الانتخابات ينظر لها الأردن باعتبارها شأناً داخلياً، وأن ملك البلاد عبد الله الثاني يحظى بالاحترام في كافة عواصم القرار في العالم بسبب المصداقية الرفيعة التي تتمتع بها القيادة الأردنية وبسبب جهود المملكة الشجاعة بترسيخ الأمن والسلم الإقليمي.
ما أراد المومني تثبيته أقرب إلى رسالة لطمأنة الرأي العام الذي دخل في دائرة الارتياب والقلق بكل دلالاته ومعانيه السياسية شعبياً وشعبوياً، بمجرد الإعلان عن فوز ترامب، والسبب هو التصريح الشهير الذي نطق به ترامب خلال حملته الانتخابية والقائل بأن إسرائيل صغيرة الحجم ولا بد من صيغة لتوسيعها.
حذر من هذا التصريح قادة كبار من سياسيي المعارضة الأردنية، على رأسهم المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين الشيخ مراد العضايلة، وبينهم أيضاً وزير البلاط الأسبق أحد أبرز الخبراء بالملف الأمريكي بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري الدكتور مروان المعشر، الذي توقع مبكراً طبعاً صفقة قرن معدلة.
في كل حال، حجم التحذيرات من مرحلة ترامب سبقت كل مظاهر الانتخابات الأمريكية الرئاسية، لكن الواضح للعيان والمراقبين أن الدولة الأردنية ليست قلقة بالحجم الذي يتحدث به بعض المعارضين أو بعض قادة الرأي العام المحلي، وإن كان السفير والخبير الدكتور فارس بريزات يقترح في هوامش نقاش مع «القدس العربي» على بلاده مؤسسياً وشعبياً، الاهتمام بتصليب الكلمة والموقف بدلاً من الانشغال بمن يجلس على الكراسي في البيت الأبيض.
تحذيرات من مرحلة ترامب
بدا واضحاً في بعض الجلسات والندوات التي حضرت بعضها «القدس العربي» في عمان خلال اليومين الماضيين، أن السؤال حول «ما سيفعله بنا ترامب؟» يتصدر النقاشات.
الناشط السياسي والاجتماعي الدكتور منذر الحوارات، تحدث في إحدى الندوات عن دولة عميقة مؤسسياً في الأردن وضارية، بمعنى أنها خبيرة وتستطيع الدفاع عن مصالحها وإبعاد الشعب الأردني عن مظاهر الخطر حتى وإن كانت موجودة.
شبح «الترامبية»: الملك بدأ مع «العمق البريطاني»
عملياً، ما سعى الوزير المومني هو طمأنة الرأي العام المحلي بأن فوز ترامب لن يقود إلى إشكالات في العلاقات الأردنية الأمريكية، معتبراً أنها تتجاوز في الواقع هوية الرئيس ونتائج الانتخابات والحزبين.
وهو إيحاء مسبق، بأن ملف الأردن بالنسبة للولايات المتحدة هو ملف الدولة العميقة، مع أن الكثير من السياسيين وبينهم رئيس الديوان الملكي الأسبق الدكتور جواد العناني، يطرحون تساؤلات ظرفية حول هوية الرهان على «العمق» الأمريكي أو الإسرائيلي، كما كان في الماضي.
في تقدير نخب أردنية خبيرة، حكومة اليمين الإسرائيلي «ابتلعت» الأطر العميقة في دولة الكيان، ولا تتوفر أدلة أو قرائن مهمة تشير إلى أن اليمين الأمريكي الذي يمثله اليوم ترامب قد يكون في طريقه أيضاً لابتلاع المؤسسات الأمريكية العميقة أو السيطرة عليها، مع أن ترامب نفسه ليس جمهورياً بالمعنى التاريخي.
ما قصده المومني هو الإشارة إلى أن العلاقات الثنائية عابرة للرؤساء.
ذلك قد ينطوي على قدر كبير من الصحة والتوثق؛ لأن علاقات الأردن أصلاً دافئة مع مؤسسات الحزب الجمهوري الحاكم، وأغلب التقدير -وهذا ما أشار له الدكتور المعشر في تصريح نقلته عنه صحيفة نخبة بوست قبل يومين- هو أن بلداً مثل الأردن، في حاجة إلى التريث قليلاً لفهم الرسائل التي يمكن أن يوجهها ترامب عبر اختيار أفراد طاقم حكومته وإدارته، لأن العمل على الملفات الأساسية ومن بينها الملف الفلسطيني المؤثر بشكل كبير بالأردن ومصالحه، إنما يتم عبر هؤلاء المسؤولين، كما يقرر ويقدر المحلل السياسي عريب الرنتاوي.
أول تهنئة من العرب
الأردن في حالة ترقب، والاعتقاد سائد بأن لديه القدرة على العبور بمصالحه وتوازناته عبر إما مؤسسات الحزب الجمهوري الحاكم ولجانه في مجلسي الشيوخ والنواب، أو عبر تلك الصداقة المباشرة الشخصية التي وصفت في زاوية عميقة بأحد الاجتماعات السيادية بأنها «حيوية» بين الملك عبد الله الثاني شخصياً والرئيس ترامب.
الملك الأردني قد يكون الزعيم العربي والإسلامي الأول الذي هنأ بتغريدة خاصة الرئيس ترامب، لا بل أدان قبل ذلك بتغريدة أخرى قبل أسابيع محاولة اغتياله ووصفها بأنها بشعة وصادمة، فيما العاهل الأردني أيضاً هو المحرك الأساسي للسياسة الخارجية، وأجرى اتصالاً هاتفياً بالرئيس ترامب قبل مناورة ظرفية مهمة وسريعة، عنوانها كان قبل 24 ساعة فقط التواصل والاستكشاف والتفاعل مع «العمق البريطاني».
يمكن ملاحظة الحراك الأردني العميق في اتجاه إظهار قدر كبير من المرونة والاستجابة للتعامل مع ما يسمى في الإعلام المحلي بالمرحلة الترامبية الجديدة، مع التذكير بأن الرئيس ترامب هو الذي رفع من كمية ومستوى ومنسوب المساعدات الاقتصادية للأردن في عهده الأول.
بالتوازي، إن أبلغ إشارة في هذا الحراك هو الزيارة المهمة والخاطفة والاحترازية على الأرجح التي قام بها العاهل الملك عبد الله الثاني أمس الأول لبريطانيا، والتي تعتبر بمثابة الحديقة الخلفية للتحالف الذي يمثل الحكم أو مؤسسات القرار العميق في الولايات المتحدة.
ولوحظ هنا أن القيادة الأردنية استبقت مرحلة ترامب بإنزال استراتيجي سريع مع القيادة البريطانية، حيث عقدت مباحثات مع رئيس الوزراء البريطاني.
وبدا لافتاً للنظر لقاء ناقش التطورات في المنطقة وأعاد فيه العاهل الأردني التأكيد على ثوابته، والدعوة إلى عدم تصعيد الصراع العسكري في الإقليم مع الملك تشارلز شخصياً.
لامس الأردن وفوراً بعد نتائج الانتخابات الأمريكية، حدود الصداقة العتيقة مع المؤسسة البريطانية، حيث قنوات فاعلة يمكن عبرها الاحتراز على المصالح والاستكشاف وتسجيل وتدوين «التقدير الأردني الخبير» مبكراً.
عاهل الأردن وعبر القنوات البريطانية، يتحرك بسرعة للدفاع عن مصالح المملكة ودورها.