الأردن: الشغف الشعبي بـ «لمس وتصوير وملاحقة» الصواريخ يتحول إلى «تحدٍ أمني»
العراق وسوريا… و«الانزلاق الأخطر» في الحرب الجارية

عمان ـ «القدس العربي»: يحتاج المشهد إلى مزيد من التحليل بعدما توثقت السلطات الأردنية المختصة بأن «الشعب « عموماً «لا يستجيب» بالقدر الكافي للإرشادات والتعليمات الخاصة بكيفية التعاطي مع «معركة الصواريخ» الدائرة جزئياً على الأرض الأردنية بين إيران وإسرائيل.
ظهر الخميس، رصدت حادثة دراماتيكية نسبياً بعدما سقطت طائرة إيرانية مسيرة بكامل حمولتها المتفجرة في منطقة الأزرق الصحراوية شرقي البلاد، ما يعني أن الطائرة المتفجرة دخلت الأجواء الأردنية من العراق.
الحادث انتهى بانفجار الطائرة وبحفرة في الأرض وإصابة طفلتين، والأهم بتحذير شديد اللهجة من جهة بيان عسكري شرح للرأي العام عملياً بأن سقوط تلك المسيرة مؤشر حيوي قوي على الأدلة التي تظهر أسباب قواعد الاشتباك المقررة على مستوى الدفاع الجوي.
البيان المختص حدد سبب «سقوط الطائرة»، وهو «خلل في مجموعة التشغيل».
ذلك السبب في سقوط تلك الطائرة كان بين الحجج التي شرحت سابقاً للرأي العام حول أسباب الاشتباك على مستوى الدفاع المدني، حيث أبلغ الجمهور بعدة أسباب تجعل السماح بعبور أجسام طائرة متسللة في المجال الجوي الأردني ليس بين الخيارات.
بين الأسباب، التشويش على التوجيه للمقذوف وإرسال صواريخ جواله واحتمالية تحول الصاروخ إلى «هائم»، وأخيراً «خلل في حجرة التوجيه».
ما تعنيه شروحات فجر الجمعة، أن الحوادث الخطرة يمكن أن تحصل في الأردن؛ لأن مسيرة الأزرق أول طائرة تنفجر بحمولتها فوق منزل أردني، ما يعني -في حال استمرار الصراع وتبادل المقذوفات- أن كل احتمالات المخاطر متاحة أيضاً ضد الأردنيين.
ولذلك، صدرت بيانات أمنية مشددة لاحقاً توحي ضمناً بأن السلطات قد تتخذ تدابير تحت عنوان «إلزام المواطنين بالالتزام بالتعليمات» والتحذيرات بعد الآن، حيث تشتكي المؤسسات الرسمية من ظاهرتين فيهما القدر الأكبر من «العدمية والعبث»، كما وصف مسؤول مختص لـ «القدس العربي». الظاهرة الأولى تمثلت في أن الفضوليين من الأردنيين لا يظهرون أي خوف من الصواريخ، ويطاردون الشظايا والأجسام التي تسقط، ويصلون لبعضها حتى قبل الجهات المختصة، ما يشكل خطراً كبيراً على الأرواح، خصوصاً مع توفر إمكانية لكل مفاجآت الحرب والتبادل الصاروخي.
العراق وسوريا… و«الانزلاق الأخطر» في الحرب الجارية
الفضول هنا أصبح مرهقاً، والأطقم الميدانية المكلفة بالمتابعة بدأت تتضجر من رغبة وميل المواطنين لمشاهدة الشظايا، لا بل مطاردتها، وأحياناً لمسها قبل جهات الاختصاص، خلافاً لإرشادات وتعليمات مركز الأزمات الوطني، حيث تنشر يومياً الآن وبمعدل مرتين في اليوم الواحد تحذيرات أمنية.
الظاهرة الثانية هي الحرص على تصوير وبث فيديوهات عن الصواريخ بصيغة يمكن أن تثير الهلع والبلبلة، وتشغل الأجهزة الأمنية عن القيام بواجبها. وقد تطرق بيان أمني الخميس مباشرة لذلك السياق معيداً التحذير.
الإزعاج بدا ملموساً خلال اليومين الماضيين عند المؤسسات والسلطات من تعاطي وتصرفات الجمهور مع مسألة الصواريخ والتصدي للشظايا، حيث يقال في غرفة العمليات بأن نسبة الالتزام حتى بتدابير إصدار صفارات الإنذار، بسيطة جداً لا بل غير مقبولة.
وبسبب تلك التقييمات، يمكن فهم العزف الرسمي على وتر عبارة «تحت طائلة المساءلة القانونية» التي بدأت تظهر في البيانات الأمنية، حيث تتيح نصوص القوانين مساءلة المواطن غير الملتزم أو العابث أو حتى الفضولي، ومن لا يلتزم بالتوجيهات المختصة الرسمية.
لم تعرف بعد الميكانزمات القانونية التي يمكن استخدامها لإظهار صرامة أكثر في إظهار التزام المواطنين عموماً بالإجراءات المطلوبة في حالات طوارئ. ومستويات التعقيد قد تزيد؛ لأن القراءة المركزية سياسياً تتضمن توقعات سلبية تؤشر إلى أن الصراع قد يطول ويمتد.
والجزء الأساسي في التفكير الاستباقي هو ضرورة الاحتراز على مسافة «امتثال» منطقية من جهة الشعب للتعليمات حتى تتمكن المؤسسات والأجهزة من حصر الأضرار واحتواء الكلف والاشتباك مع لوجستيات ما بعد قرار «إغلاق» المجال الجوي واستراتيجية إسقاط أي جسم طائر دخيل. هنا يبدو أن السلطات لديها تصورات واقتراحات محددة لزيادة جرعة الامتثال بالتعليمات وتقليص مساحة الفضول الشعبي في ملاحقة ولمس وتصوير الصواريخ والشظايا، لا بل التصفيق لها أحياناً، بدلالة الكراهية الكبيرة لإسرائيل.
ثمة تلويح بالمساءلة القانونية على مدار يومين لزيادة نسبة الالتزام بين الوسائل والمقترحات. لكن فرصة الاستفادة من ذلك لا تبدو واسعة، وإن كانت واقعة سقوط مسيرة بحمولتها على منزل والتسبب بإيذاء طفلتين تعبر عن نقطة تحول دراماتيكية في مسألة إظهار الجدية أكثر التي تناسب تطورات الأحداث، خصوصاً أن الدولة الأردنية ترى أن المناخ العسكري عموماً في الإقليم ينزلق إلى أسوأ الاحتمالات بسبب ضعف الإدارة الأمريكية في مقابل خطط اليمين الإسرائيلي في الهيمنة والنفوذ.
ما يشغل دوائر القرار الأردنية ليس هو المعدل الشعبي الحالي في عدم الالتزام بالإرشادات، بل السطحية في التعاطي مع سقوط شظايا أو طائرات بل ارتفاع المعدل ذاته والمخاطر الناتجة عنه إذا ما توسعت الحرب الإقليمية، وشملت العراق وسوريا المجاورين، حيث الهواجس الأمنية الأردنية الأعظم، وحيث الانزلاقات الأكثر حساسية وتدحرجاً أمنياً التي تتطلب جهداً استثنائياً من جهة السلطات الأردنية، خصوصاً في جزئية أمن الحدود مع البلدين الجارين، حيث مختلف أصناف التشكيلات المسلحة القادرة على توجيه مسيرات وصواريخ، وحيث الفوضى بكل تراكماتها المنفلتة بصيغ يمكن أن توسع من تحديات الحفاظ على الحياد العملياتي للجغرافيا الأردنية.