الأردن: المسار «الجنائي» في قضية «الـ 16» بين سرديتين …ومؤسسات الإسلاميين في انتظار «الإجرائي»
الإفصاحات والبيانات الرسمية ركزت على الحيثيات وتفاصيل التحقيقات التي توحي بأن اعترافات المتورطين في قضية الـ 16 المعتقلين تثبت التخطيط لتخريب مادي داخلي، وأن المؤامرة من حيث نشأتها وأهدافها وتوقيتها ليست مرتبطة لا بالقضية الفلسطينية، ولا بالمقاومة، ولا حتى بأحداث 7 أكتوبر وما بعدها.

تواصل الجهات والمؤسسات الأردنية المختصة اجتماعاتها المكثفة لتحديد الخطوة التالية في انعكاسات وتداعيات الإعلان عن ما سمي بخلية «الـ 16» التي خططت، وفقاً لبيانات رسمية، لصناعة أسلحة بينها صواريخ ومسيرات لاستخدامها لأغراض «التخريب الداخلي» والمساس بالأمن الوطني، فيما أصرت بيانات صدرت عن الإخوان المسلمين وحزب جبهة العمل الإسلامي على أن تلك العملية مرتبطة بمناصرة ودعم المقاومة الفلسطينية في ظل استمرار جريمة الإبادة والعدوان.
ولم يعرف بعد ما الذي ستسفر عنه الاجتماعات التي تجري الآن في أعلى وأرفع المستويات.
لكن الأوساط الرسمية تحديداً والبرلمانية تدفع باتجاه بقاء كل السيناريوهات مفتوحة خصوصاً على إحالة ملف قضية الـ 16 إلى محكمة أمن الدولة وتنسيب الادعاء بلائحة الاتهام.
المحور الأساسي في النقاشات ذات الطابع السياسي هو ذلك الذي يحاول التأسيس لاحتواء نتائج إعلان القبض على 16 عضواً ينتمون لجماعة الإخوان المسلمين وانعكاسات ذلك على الوضع القانوني لشرعية ورخصة جماعة الإخوان المسلمين أولاً، ولشرعية الوجود القانوني لحزب جبهة العمل الإسلامي المعارض ثانياً.
ووسط تأويلات وتكهنات تتفاعل في الساحة المحلية، برز السؤال قوياً حول عناوين ليس فقط تأثير القضية التي أعلنت عن تفاصيلها مع اعترافات مسجلة لدى الأجهزة الأمنية المختصة على الوضع القانوني للحزب وللجماعة، ولكن أيضاً تأثيرات وانعكاسات أي إجراء يتخذ لاحقاً ضد الحزب والجماعة على شارع التيار الإسلامي، وعلى مساحات الفراغ المحتملة سياسياً وحزبياً، وكيفية التصرف داخل تركيبة مجلس النواب، ثم فرضيات تشكيل أطر جديدة بديلة.
لا تجيب الحكومة بعد على مثل هذه الأسئلة والطروحات، لكن الانطباع واضح بأن أي إجراء يتخذ رسمياً وقانونياً وبيروقراطياً، قد يؤدي إلى نتائج لا بد من حسابها بدقة، وإلى انعكاسات تحتاج للتأمل والتعمق قبل ترسيم وتحديد الخطوات التالية.
الإفصاحات والبيانات الرسمية ركزت على الحيثيات وتفاصيل التحقيقات التي توحي بأن اعترافات المتورطين في قضية الـ 16 المعتقلين تثبت التخطيط لتخريب مادي داخلي، وأن المؤامرة من حيث نشأتها وأهدافها وتوقيتها ليست مرتبطة لا بالقضية الفلسطينية، ولا بالمقاومة، ولا حتى بأحداث 7 أكتوبر وما بعدها.
رسالة السلطات في هذه الجزئية الزمنية كانت واضحة الملامح، لكن البيان الذي صدر أولاً عن جماعة الإخوان، وثانياً عن حزب الجبهة، يتقدم بسردية مختلفة، فكرتها تجنب نفي تورط أعضاء في التنظيمين أصلاً بالقضية التي كشف النقاب عنها بجانب التركيز، بالمقابل، على شرعية شعبية مفترضة تربط مسار الحدث برمته بدعم المقاومة والشعب الفلسطيني. ويبقى أن الأدلة والقرائن التي تثبت أياً من الروايتين ليست من اختصاص مؤسسات الحركة الإسلامية ولا حتى الحكومة، بل من اختصاص المحكمة التي ستقيم تحقيقاتها في البعد الإجرائي العميق بعيداً عن الاعتبارات الإعلامية أو السياسية أو حتى الشعبوية.
لذلك، يفترض أن بعض الإجراءات التي يتنبأ بها ساسة إسلاميون مبكراً ويقترحون تجاهلها وتجاوزها قد لا تكون مستعجلة، وقد تتطلب تحديد الخطوات التالية بدقة بعد انتقال التحقيقات من المستوى الأمني التنفيذي إلى المستوى القضائي لدى محكمة أمن الدولة.
في غضون ذلك، يمكن رصد الملاحظة التي يرددها كثيرون حتى من المتعاطفين مع الحركة الإسلامية، حيث إن تجنب نفي تورط المتهمين في تلك الشبكة من جهة بيانات التيار الإسلامي لم يرافقه بوضوح أي عبارة توحي باستنكار وشجب وإدانة تلك الأعمال التي تقول السلطات إن المتورطين بها يخالفون القانون. وهنا ملاحظة تستوجب التأمل، فكرتها أن البيان الرسمي للمؤسسات الإسلامية لا ينفي عملياً البعد الجنائي ووقوع الحدث، ورغم ذلك تجنب ولو حتى إدانة صغيرة لأغراض احتواء التشنجات وسط نمو حالة الجدل في الأوساط الاجتماعية وسط تعاظم الانتقادات شعبياً على الأقل لقادة ومؤسسات الحركة الإسلامية، حتى إن المواطنين في العاصمة عمان وأثناء احتفال شعبي بيوم العمل الأردني، رفضوا وجود نخبة من نواب كتلة جبهة العمل الإسلامي في فعاليتهم.
يثبت ذلك أن بعض الأوساط في الرأي العام تشعر بالصدمة، خصوصاً أن نفي البعد الجنائي لم يرصد، كما يثبت قصوراً ومنطقة هشة في السردية التي يقدمها الإسلاميون لمناكفة السردية الحكومية.
في المقابل، لا يبدو أن السردية الرسمية المبنية على وقائع محددة تم الاعتراف بها، تستفيد فعلاً وحقاً من حملات الشيطنة الشعبية والإعلامية لعموم التيار الإسلامي، ما يعني استمراره على النحو الذي شهدته منصات التواصل ووسائل الإعلام خلال الأيام الثلاثة الماضية، وإضعاف الرواية الرسمية ذاتها، أو عدم الارتقاء إعلامياً إلى مستوى التحقيقات العميقة التي جرت بموجب القانون.
ستبقى في هذا المعنى قضية الـ 16 تتدحرج شعبياً وقانونياً وسياسياً إلى أن تستقر بعد قول القضاء كلمته في منطقة لا تزال غامضة حتى الآن وسط نمو الشعور عموماً بأن كل السيناريوهات فعلاً على الطاولة.
في انتظار المستجدات في ظرف إقليمي واقتصادي حساس، لا بد من التذكير بأن هذه القضية تحديداً تقلق الأردنيين عموماً، وتداعياتها قد تأتي تباعاً لاحقاً.