الأردن والإسلاميون: مساحة التشنج تتقلص… و«استجابات غامضة» متبادلة: إفراجات فقط أم انفراجات؟

عمان ـ «القدس العربي»: أفرجت السلطات الأردنية مجدداً عن أربعة من أبرز موقوفي نشطاء التيار الإسلامي صباح الأحد، في رسالة سياسية جديدة على الأرجح تظهر تقلص مساحة «التشنج» في أزمة العلاقة مع الإسلاميين بعد تداعيات حظر جمعية الإخوان المسلمين.
وبصيغة توحي ضمناً بأن حالة تجاوب ما لا تزال غامضة تجري وتتفاعل في إطار إما احتواء أو تسوية ما. المفرج عنهم الجدد بينهم ناشط بارز جداً في الحراكات الشعبية، هو نعيم جعابو. والإيحاء هنا لحق بوجبة إفراجات مماثلة طالت 4 إضافيين من الموقوفين بعد قرار الحظر وليس قبله، أبرزهم القيادي الأساسي في المكتب التنفيذي لحزب جبهة العمل الإسلامي الشيخ غازي الدويك، الذي يبدو أنه بدوره في إطار حالة أقرب إلى صيغة توافقات داخلية باتت مطلوبة بين 3 تيارات داخل الحركة الإسلامية لتوحيد المواقف والتفاهمات قبل إعادة جمع الصفوف للتحدث مع نوايا وضمانات وشروط وقيود المؤسسات الرسمية بلسان واحد.
في الأثناء، بقي بعض الموقوفين بصورة حصرية عن الملف المالي في الجماعة التي حظرت، ولعل أبرزهم القيادي في التيار الإسلامي الشيخ أحمد الزرقان، الذي يخضع للاستجواب بصفته المسؤول المباشر عن مالية الجمعية التي حظرت. ولم يعرف بعد لماذا تم الإفراج عن غالبية الموقوفين وبقي عدد قليل.
خطوتان وانفراج
لكن الإفراجات بحد ذاتها يقرأها الإسلاميون الآن باعتبارها تعبيراً مباشراً عن حالة انفراج وتفكيك لأزمة، كان الطرف الوحيد عملياً الذي بالغ فيها ولجأ إلى تضخيمها هم عناصر ما يسميه الشارع بـ «كتيبة التدخل السريع» من إعلاميين متسرعين استرسلوا في شيطنة الحركة الإسلامية، لكن معظمهم لجأ فجأة إلى الصمت في الأسابيع القليلة الأخيرة.
الإفراجات سياسية في طبيعة الحال، وتستند إلى بنية قانونية بصورة مؤكدة، لكن أهم ما فيها أنها قد تؤسس لحالة إنفراج لا تزال تفاصيلها غامضة في الوقت الذي يظهر فيه قادة الحركة الإسلامية الأردنية جملة تكتيكية فارقة بعنوان الالتزام القانوني والخضوع لأي إجراء بموجب القانون، حتى وإن كانت ملفات التحقيق والاستجواب بالقضايا ذات الطابع المالي أو الجنائي مفتوحة أو يمكن العودة لفتحها لاحقاً.
لا يمكن إنكار وجود اشارة سياسية في تلك الإفراجات، ولا يمكن في المقابل إنكار الخطوة السياسية العميقة التي تقدم نحوها الإسلاميون خلال اجتماع مجلس الشورى الاستثنائي الأخير لحزب جبهة العمل الإسلامي، حيث إجماع في ذلك الاجتماع على تنفيذ خطوتين في مضمونهما رسالة سياسية أيضاً.
الخطوتان هما: إعادة هيكلة مؤسسات حزب الجبهة، وتنقيح ومراجعة النظام الأساسي والداخلي. وتؤسس الإجراءات التي قررها مجلس الشورى هنا لحالة متقدمة في تفكيك الأزمة، عنوانها تجهيز البنية الشرعية والتنظيمية في الحزب لاستقبال كوادر وقواعد الجماعة إذا ما كان عنوان التسوية الأساسي مستقبلاً طي صفحة الجماعة والوقوف عند محطة حزب شرعي واحد مرخص يمثل اللون الإسلامي ويخضع للقانون مثل بقية الأحزاب السياسية في البلاد.
ليست الإفراجات التي حصلت على وجبتين خلال أسبوعين مؤخراً فقط هي العنوان المركزي لحالة تسييل منهجية للأزمة مع الإسلاميين، فقد يكون من العناصر المهمة في بناء حالة تفاوض وتبادل معطيات عن بعد تلك الرسائل المباشرة التي طلب من موقوفين أثناء التحقيق والاستجواب نقلها لمؤسساتهم وقياداتهم في الخارج. هنا حصراً ثمة مقولات ورسائل واضحة درست بعناية في مطبخ جبهة العمل الإسلامي.
وهنا حصراً أيضاً نقل وتداول روايات لموقوفين من الإسلاميين خلف القضبان قدموا شهادات حية عن حسن معاملتهم أثناء فترة التوقيف والتعامل معهم بلياقة وبدون تعسف، لا بل باحترام من جهات التحقيق، الأمر الذي يعكس عموماً حرص السلطات المختصة كما قال لـ «القدس العربي» مسؤول بارز فيها، على أن الإجراءات ضد مخالفات التيار الإسلامي قانونية في المقام الأول وستلتزم بالقانون. وعلى هذا الأساس، ثمة مبادرات يلتقطها الإسلاميون بإيجابية ويستاء منها فقط المحرضون ورموز التأزيم في الإعلام أو البرلمان.
تبادل الخطوات الناعمة
وتلك المبادرات لا تقف عند حدود الإفراجات ودلالاتها، ولا عند المعاملة الحسنة أثناء التوقيف أو الاستجواب، بل تذهب في اتجاه إقصاء الكيدية والضغط عن مجريات تحقيق بملفات محددة، حيث لاحظ الجميع أن دوائر الادعاء الأسبوع الماضي قررت إيقاف شكوى قضائية بحق النائب الإسلامي وسام اربيحات وبعض نشطاء حي الطفايلة بسبب عدم كفاية الأدلة، الأمر الذي يؤسس لرسالة موازية من جهة سلطات القضاء المستقلة، على أن نظام العدالة لا يتحرك ضد الإسلاميين أو غيرهم إلا بموجب الكفاية القانونية، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالمخالفات الناظمة لعمليات جمع التبرعات.
الأجواء من أسبوعين مع الإسلاميين أقل تشدداً من أي وقت مضى منذ أكثر من 3 أشهر. والمناخ يسمح بأن لا يصاب التيار بالغرور السياسي والجماهيري مجدداً، فالمخالفات لا تزال موجودة، والمؤسسات صلبة وقوية، والبيئة والظروف العامة تتطلبان اليوم التقاط الإسلاميين أكثر من غيرهم لما هو جوهري في ملفات مصالح الدولة وأولوياتها.
تبادل الخطوات الناعمة مهم في المرحلة التالية. والبناء على استعادة الثقة دون العودة لتراثيات وأنظمة الماضي عند الإسلاميين عنصر الاختبار الأساسي.
والحزب بجسمه الشرعي والقانوني والمؤسساتي كفيل باحتواء الكوادر والعناصر والمقترحات والتأسيس لحالة جديدة لا تعود للماضي، لا شكلاً ولا مضموناً. وثمة ظروف سياسية وإقليمية بالتأكيد ساهمت في إشارات الاستدارة والانفراج، والتدقيق فيها الآن ليس من مصلحة الطرفين.