الأردن بدأ «يرحب بـ«حماس» ويحفزها»… لماذا؟ 8 دول عربية وإسلامية تحاول التخطيط لما بعد غزة

عمان- «القدس العربي»: وظيفة البيان الجماعي الذي صدر باسم 8 دول عربية وإسلامية، أمس الأحد، بمبادرة ومشاركة نشطة من وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، لها ما يبررها سياسياً ودبلوماسياً، وإن كانت حصراً وظيفة مسيسة مرتبطة بتحفيز وتشجيع الخطوة التي قامت بها حركة «حماس» عندما وافقت على المبادئ العامة لما يسمى بخطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
عملياً، ومن المرات النادرة، يمكن ملاحظة مستوى وحجم التشابك في العبارات والألفاظ وحتى في المضامين، بين تصريح أصدره قبل 3 أيام الناطق باسم الخارجية الأردنية فؤاد المجالي، وبين بيان الدول الثماني حيث ترحيب صريح ومباشر بما قررته حركة حماس، لم يألفه الجمهور في الماضي، والنص على ذكر «حماس» والرئيس ترامب معاً في الإشادة والترحيب وتذكير الجميع بثابت «منع التهجير» وثابت شرعنة الدولة الفلسطينية وعودة السلطة لغزة، وحيث -وهذا الأهم أردنياً على الأقل- أن مجموعة الدول العربية والإسلامية التي التقت الرئيس ترامب على هامش اجتماعات الأمم المتحدة مؤخراً وصنفت باعتبارها الغطاء العربي والإسلامي لخطة الرئيس الأمريكي- مهتمة بتذكير واشنطن وعواصم القرار الدولي بأن وقف الحرب على غزة ليس أولوية فقط، بل بداية، أو ينبغي أن يكون بداية لما هو أبعد وأعمق في المجال الحيوي لنزع مفاصل الصراع ذاته، وعودة القضية الفلسطينية برمتها إلى جدول الأولويات.
مسألتان حصراً، حرص بيان الدول الثماني على التذكير بهما بعد توفير غطاء سياسي يرحب ويشيد بحركة« حماس»، وهما: عودة السلطة الفلسطينية بعد إنتهاء المرحلة الانتقالية في غزة إلى القطاع، والحرص الشديد على توحيد الضفة الغربية وغزة؛ بمعنى تذكير الأمريكيين بما وعدوا به أصلاً فيما يتعلق بالقضية والصراع، والحرص على أن تفويض الدول الثماني لخطة ترامب لا يتعلق فقط بوقف الحرب في غزة وإدخال المساعدات، لا بل هو مدخل لحسم الأوضاع أيضاً في الضفة الغربية تحت عنوان إسناد الشرعية الفلسطينية.
تلك هي الزاوية التي يقرأ الأردن انطلاقاً منها، تطورات الأحداث، والأهم الفهم المؤسسي والسياسي الأردني لسيناريو يفترض وجود وظيفة أعمق لآليات وقف العدوان على غزة باعتبار ذلك محطة في العودة لخطة سلام أشمل.
لذلك، حرص وزراء خارجية الدول الثماني، وهي الأردن ومصر والسعودية وقطر وإندونيسيا والإمارات وتركيا، على إظهار رغبتهم في المتابعة والمراقبة والتذكير بطبيعة الالتزامات التي وعد بها الرئيس الأمريكي عندما وفرت هذه الدول لخطته الغطاء.
وجهة نظر الأردن بعد الترحيب الحار بخطة ترامب ورد حركة «حماس» عليها، هي أن التفاوض لإنهاء حالة الحرب في غزة هو بداية طريق العودة لعملية السلام والاستثمار مع الأوروبيين في مسار حل الدولتين وشرعنة الدولة الفلسطينية.
بالتالي، تقرر منح حركة «حماس» بعد ردها الإيجابي الموصوف بالذكاء الشديد، غطاء خاصاً لإكمال التنازلات المطلوبة منها على مستوى الدول العربية والإسلامية، الأمر الذي يعني أن عمان على الأقل -وقد ظهر ذلك جلياً من سلسلة مواقف حكومتها- مهتمة جداً بالمضي قدماً في مرحلة ما بعد وقف الحرب في غزة وخطة ترامب ورد «حماس» ومفاوضات القاهرة. الفكرة هنا أن مسار خطة ترامب في الفهم الأردني العميق لتطور الأحداث قد يكون اليتيم الذي أتيح للدول العربية والإسلامية لكبح جماح حكومة اليمين الإسرائيلي المتطرفة.
والخطة والتفاعل من جهة «حماس» وفصائل المقاومة معها، أصبح لهما وظيفة سياسية تكتيكية تتجاوز معطيات الواقع الإنساني الكارثي في قطاع غزة.
وهي وظيفة تتحمس لها عمان حالياً بشكل لافت انتهى خلف الستائر باتجاه لا يمانع إجراء اتصالات ومشاورات مع رموز العمل السياسي في حركة «حماس» إن لزم الأمر، ما يعني إزالة أي تحفظ سابق على الاتصالات.
لا يمانع مسؤولون تنفيذيون أردنيون القول بأن خطة ترامب يجب تحويلها إلى فرصة، وأن تجاوب حركة «حماس» معها يعزز فرصة العودة إلى طرح إشكاليات الصراع برمته على طاولة القرار الدولي.
تلك في رأي السياسي الأردني الدكتور محمد حلايقة، حالة تشخيصية منعت العدو الإسرائيلي المتطرف من تحقيق النصر الذي يفترضه، وما كان يمكن للقضية الفلسطينية أن تعود للواجهة شعبياً ورسمياً على المستوى العالمي لولا التضحيات الكبيرة والدماء التي سالت بغزارة في أهل قطاع غزة.
المقترح الذي يدعمه الأردن الآن في الكواليس، مواصلة عملية المراقبة، والحرص على التفاصيل، وتحويل شغف الرئيس ترامب بحل معضلة غزة إلى فرصة تعيد الأمريكيين إلى جذر النزاع والصراع.
و«حماس» المعتدلة المسيسة -برأي المؤسسة الأردنية- خدمت هذا المسار ووظيفته باحتراف لا بد من تحفيزه وتشجيعه حتى لا ينفرد اليمين الإسرائيلي بالمشهد والأجندة والمفاوضات.
هنا تبرز أو يمكن أن تبرز القيمة الأساسية التي تفترض المؤسسة الأردنية أنها جذر الفرصة المطروحة، وهي تلك التي تقول بأن منع التهجير في غزة قد ينسحب على منعه لاحقاً في الضفة الغربية، وأن توفير غطاء أمريكي ودولي لأهالي غزة ووقف إطلاق النار خطوة تقدم مساهمة فعالة في ترتيب مشهد ينتهي أو يجب الحرص على أن ينتهي ليس بمنع التهجير في الضفة لاحقاً فقط، ولكن باحتواء خطة اليمين الاسرائيلي المتطرف لضم الضفة الغربية.
«حماس» في موقفها عملياً، خدمت الاستراتيجية الأردنية وأهداف الدول العربية والإسلامية المعتدلة التي أراد منها ترامب توفير غطاء لخطته.
وبناء عليه، استحقت حركة «حماس» بجدارة بعد جملتها التكتيكية المسيسة المعتدلة، الجلوس بوقار لأول مرة تحت عناوين الترحيب والتحفيز والتشجيع، ليس في بيان الدول الثمانية فقط، ولكن قبل ذلك في بيان ناطق باسم الخارجية الأردنية، ما قد يعني بعض التحولات قريباً مع التذكير بأن لقاء القمة القطري الأردني الأخير في عمان الذي سبق اجتماعات نيويورك ناقش عدة تفاصيل مهمة في ملف حركة «حماس».