اراء و مقالات

الأردن بعد المفاجأة السورية «بين نارين»: جشع ترامب و«ضمانات» بايدن الوهمية

عمان- «القدس العربي»: لا يمكن فهم طبيعة الضمانات التي قدمها الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن للأردن أمس الأول فيما يخص أمن الحدود مع سوريا، خصوصاً أن الأخير على وشك الرحيل، فيما الانطباعات والمعلومات الأردنية تتكدس بعنوان خلاف أو صراع بات ملموساً بينه وبين سلفه القادم قريباً من البيت الأبيض دونالد ترامب، بخصوص الملف السوري.
ناقشت القيادة الأردنية مع الرئيس بايدن في اتصال هاتفي التطورات الحادة المتدحرجة في سوريا.
والملك عبد الله الثاني أعاد التأكيد على ثوابت بلاده في ملف العدوان على غزة وما يفعله المستوطنون في الضفة الغربية.
دون ذلك، لا تفاصيل على الأقل في صيغة الخبر الرسمي عن التشاور الذي حصل، ولا تفاصيل عن تلك الضمانات الأمنية التي يمكن أن يمنحها الرئيس بايدن في آخر أيامه القليلة بالبيت الأبيض لبلد مثل الأردن، بقي يعاني طوال الوقت بسبب الاجتهادات الأمريكية في المنطقة، وبسبب ما وصفه مجدداً السياسي والبرلماني الأردني الدكتور ممدوح العبادي بالغطاء الذي وفرته إدارة بايدن لجريمة الإبادة الإسرائيلية.
قناعة الدكتور العبادي، كما فهمتها “القدس العربي”، راسخة بأن إدارة بايدن هي التي تقف وراء العدوان الإسرائيلي، وهي التي تقف مع دول غربية أخرى خلف بث الفوضى في سوريا الشقيقة المجاورة، حيث الاحتمالات متعددة هنا في ملف الأمن القومي والحدودي الأردني، وحيث الأمريكيون يدعمون هيمنة اليمين الإسرائيلي وسط الحرائق التي تشتعل حول الأردن.
مجدداً، سأل مراقبون كثر عن مقاصد الرئيس بايدن عندما يتحدث عن اهتمام إدارته غير المأسوف على رحيلها، برأي الناشط السياسي الأمريكي الفلسطيني الدكتور سنان شقديح، بأن لا تنتقل أي فوضى أمنية من الداخل السوري إلى دول الجوار الصديقة.
المسألة هنا وفقاً لـ شقديح ومراقبين آخرين، أقرب إلى استعداد من لا يملك القرار لتقديم ضمانات وهمية لا معنى لها وفي الوقت الإضافي فقط لمباراة دموية وقبل انطلاق صافرة الحكم.
طبعاً، عمان تدرك بأن إدارة بايدن كل ما تقوله أو تفعله الآن جزء من الوقت الضائع المهجور، لكن الرهان خصوصاً في جولة الاستكشاف الأردنية، كان على إقناع هذه الإدارة قبل رحيلها بأن تساعد في استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي يسحب الشرعية القانونية مسبقاً أن مشروع ضم إسرائيل للضفة الغربية.
لا يوجد مؤثرات تثبت بأن المسعى الأردني هنا نجح ولو نسبياً، ولا يوجد مؤشرات تكشف بالمقابل عن مستوى تورط إدارة بايدن أصلاً في صناعة المشهد السوري الجديد المفتوح على كل الاحتمالات، الأمر الذي يعني ضمناً أن الإصغاء مجدداً لضمانات من بايدن هي خطوة عبثية وعدمية، تدرك مراكز صناعة القرار الأردني أنها غير منتجة.
مستوى الارتباك الرسمي والسياسي بعد انفلات الوضع السوري يتلازم الآن مع كل النقاشات بما فيها تلك التي تجري خلف الستائر في عمق الدولة الأردنية وبين ميكروفونات الشارع أيضا.
ما لم يعرف بعد ورغم ضمانات بايدن الإعلامية هو طبيعة التفاعل خلف الكواليس بين المؤسسات الأردنية والطاقم الذي يدير الأمور مبكراً في الملفين الفلسطيني والسوري، عند طاقم الرئيس المنتخب الجديد دونالد ترامب.
لا أدلة أو قرائن بعد علنية على الأقل، على أن عمان نجحت في اختراق الجدار الصلب عند ترامب وطاقمه أو في إيصال وجهة نظرها الخبيرة.
ولا أدلة أو قرائن بالمقابل على عكس ذلك، ما يبقي السؤال السوري أردنياً على الأقل في هوامش المسافة الفاصلة بين إدارتين أمريكيتين.
الأولى راحلة والأخرى في طريقها لتتسلم زمام الأمور.
وهو أساساً الوضع الذي تطلب من الخطاب الرسمي الأردني وأحياناً المرجعي، الوقوف في منتصف المسافة لتحديد اتجاه التحرك الأفضل لاحقاً بما يضمن ويكفل مصالح الأردن، وبما يضمن أيضاً -على حد تعبير السياسي المخضرم طاهر المصري- تجنب مفاجآت الكمائن والزوايا قدر الإمكان.
تموقع الأردن في منتصف المسافة قصداً ولأغراض التكتيك بعد الإعلان رسمياً عن فوز الرئيس ترامب، لكن ذلك حصل قبل اندلاع موجة الخريف السوري المباغتة التي تغير الآن في كل المعطيات وتؤسس لسلسلة متغيرات مطلوب من الأردن الاستجابة لها والتفاعل معها حفاظاً على الذات والمصالح، فيما المنطقة برمتها “بين نارين” مثقلة بنمو التساؤلات في مرحلة ما بعد جريمة الإبادة في غزة ووقف إطلاق النار إثر العدوان على لبنان.
خطف التحول السوري كل الأضواء فيما لا تظهر قرائن على أن مهندسي المشهد السوري الجديد وضعوا دولة صديقة وشريكة مثل الأردن بالصورة.
وما يظهر حتى اللحظة أن عمان تواصل تدوير الزوايا هنا وهناك، والمناورة في أضيق المناطق ليس لفهم ما جرى لأن ذلك أصبح بمثابة المهمة المستحيلة مرحلياً، ولكن لبناء تصور يفهم ما سيجري لاحقاً وتأثيراته. والعبادي وغيره من الساسة المراقبين للمشهد يصادقون على الرواية التي تقول إن الأوراق كلها اختلطت مجدداً، وأن أداء إسرائيل الانتهازي في استغلال المشهد السوري وضرب كل المقدرات العسكرية السورية بعملية سريعة وخاطفة يضيف عبئاً على أعباء التموقع الأردني. لا بل يضعف كثيراً هوامش المناورة أمام شريك أساسي للأردن، هو مصر، ويضع دولة مجاورة مهمة مثل العراق في مهب الرياح والاحتمالات، خلافاً لأن الواقع السوري الجديد يضعف بالنتيجة السلطة الفلسطينية ومن خلفها النظام الرسمي العربي برمته.
المتغير السوري أضخم بكثير، بإجماع الخبراء السياسيين، من أن يفهمه أو يهضمه أو يتفاعل معه الاعتبار الأردني.
والتواصل مع الرئيس القبرصي تارة والرئيس الأمريكي الآيل للسقوط تارة أخرى، هو محاولة إضافية لتمثيل مصالح الأردن والاحتراز من أجلها، وإن كان مستوى الفعالية والإنتاجية ليس مرتبطاً بأي طرف أكثر من الرئيس ترامب وفلسفته والسيناريو الذي يحضر له.
مشكلة الأردن وفقاً لخبير استشاري أجنبي استمعت له “القدس العربي” مع ترامب، تكمن في أن الأخير رجل صفقات بامتياز وتمثيل للسياسي “الجشع”، فهو لن يبحث عما سيقدمه للأردن بقدر ما سيسأل عما سيقدمه الأردن له.
تلك طبعاً إشكالية متأخرة قليلاً، لكن التفكير الاستراتيجي الرسمي الأردني مشغول الآن بالمفاجأة السورية. والانطباع في غرفة الاستشعار الخبيرة مسبقاً هو أن سوريا الآن بعد سقوط نظام الرئيس بشار الأسد، تعيش في مرحلة صراع بين برنامجين أمريكيين متوازيين:
الأول يمثله بايدن ومجموعته وعنوانه الملموس ليس استقرار سوريا، بل إقحامها في الفوضى حتى تستقر مصالح إسرائيل كما ينبغي بصورة أفضل.
والآخر -وفقاً لما فهمته المجسات الأردنية- يقوده الثلاثي ترامب-أردوغان-بوتين. وعمان استمعت لما يقوله بايدن في المسألة السورية، وأصبح لزاماً عليها توفير الفرصة الممكنة للإصغاء إلى الثلاثي المشار إليه.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading