الأردن بعد سقوط بشار… «محنة أم منحة»؟: عين على مصر وأخرى على «الإخوان» وعودة إلى «الداخل»
عمان ـ «القدس العربي»: لا أحد يعلم أو يملك وصفة في المؤسسات الأردنية تجيب عن تساؤلات مرحلة ما بعد سقوط نظام الجار السوري الراحل الذي غادر المسرح، بشار الأسد.
لكن الاهتمام الأردني ملموس وواضح وفوري عندما يتعلق الأمر بمحاولة الإجابة عن التساؤلات.
الرهان على صمود وبقاء النظام السوري انتهى، وما تبرزه الوقائع أن التناغمات والمخاطبات والرسائل مع بشار الأسد في الأعوام الأربعة الماضية تعبر عن خطأ سياسي في التوقيت والإستجابة يمكن لأي مراقب أردني أن يقارنه الآن بأخطاء الحسابات في عام 2011 بالاتجاه المعاكس.
لا وقت عملياً للأردنيين يخصصونه للتلاوم الآن.
والاعتبارات الأمنية على الحدود مع سوريا قفزت إلى نظام الأولويات، فيما “القدس العربي” استمعت لسياسي أردني مخضرم ومتقاعد وهو يهمس قائلاً: الحدث جلل وكبير وخطير، وعلينا أن نسهر مجدداً، والخيارات أصبحت أكثر تعقيداً.
ما الذي ينبغي لنا نحن الأردنيين أن نفعله الآن؟
ها هو السؤال المطروح بقسوة في عمق الأوساط والمؤسسات الأردنية وسط القناعة التي عبر عنها محللون متعددون بأن التطورات الدراماتيكية عند الجيران في سوريا إما أن تتحول إلى “منحة” أو تصبح “محنة”، خصوصاً بعدما توثق الجميع بأن الإسلام السياسي المنضبط والمحسوب على تركيا اردوغان، هو الذي يمثل الآن -بصرف النظر عن بصمة وتأثير جبهة النصرة تحديداً- الواقع الموضوعي على خاصرة البلاد الشمالية.
تقسيم سوريا أسوأ سيناريو تتحدث عنه المؤسسات الأردنية، لكن الأسوأ هو إخفاق العملية التي أدت إلى سقوط نظام الرئيس بشار الأسد في المأسسة والمنهجية، ما يعني صداعاً أمنياً مزعجاً على واجهة الحدود السورية مع الأردن بعد ما وصفه السياسي والبرلماني الأردني الدكتور ممدوح العبادي وهو يتحدث إلى “القدس العربي بـ “تمثيلية محكمة”.
استدعت الخيارات الجديدة في سوريا اجتماعاً ثانياً لمجلس الأمن القومي نهاية الأسبوع الماضي، في مؤشر على أن المخاطر متزاحمة وقد تتكدس، وعلى عدم وجود وصفة محددة التفاعل مع تطورات المشهد السوري حتى الآن على الأقل، بالرغم من الرحلة الملكية الإستكشافية المهمة، التي برمجت الأسبوع الماضي للولايات المتحدة الأمريكية دون معرفة وقياس نتائجها بعد وانعكاساتها على حزمة المصالح الأردنية.
الإيقاع السوري هنا يفرض بصماته بقوة على أي اندفاع أو تخطيط سياسي أردني، وعمان اهتمت بالجلوس على طاولة حوار الدوحة لأنها بكل بساطة طرف أساسي، ليس في الترتيب الدولي والإقليمي الذي قاد عملية إسقاط النظام السوري، بل لأنها كذلك في المرحلة التالية؛ الأمر الذي استدعى حضور وزير الخارجية أيمن الصفدي، وهو آخر وزير خارجية قابل بشار الأسد مرتين على الأقل مؤخراً، لاجتماعات الدوحة التي لا يبدو أنها المؤثر الوحيد واللاعب المركزي في هندسة الترتيبات والأوضاع في سوريا المجاورة.
الأردن بهذا المعنى، تحت الضغط المباشر ومطلوب منه سلسلة استجابات، وعلاقاته واتصالاته منعدمة بالقوة الرئيسية التي قادت مشروع إسقاط النظام متمثلة بفي هيئة تحرير الشام، فيما وضعت خطة أمنية مكثفة سريعة لحماية الحدود الأردنية مع جنوبي سوريا وفي محيط درعا.
الأسئلة المطروحة في عمان كثيرة الآن، وأهمها قد يكون: من هم حكام سوريا الجدد؟ وما موقفهم من الحكومة الأردنية؟ وكيف يمكن التأثير فيهم أو التفاهم معهم؟
سؤال ضخم من الصعب توفير الإجابة عليه الآن تحديداً في ضوء تزاحم الانطباعات والخيارات.
لكن الأهم قد يكون الاستعداد لمرحلة جديدة من الربيع العربي هذه المرة، فكرتها مجدداً الفوضى الخلاقة والترتيب الهندسي. وهو وضع صاغت الحكومة الأردنية معادلاتها في الماضي القريب ومنذ سنوات، على أساس أنه انتهى وأغلق ملفه، فيما يعود مزنراً ومسلحاً في الجوار السوري بعملية تسلم وتسليم للسلطة تبدو ممكنة ومبرمجة على مستوى توافقات دولية وإقليمية الرئيس اردوغان، لاعب الهجوم الأساسي في فريقها.
عين الأردن بسرعة اتجهت نحو مصر لأسباب استراتيجية غامضة حتى الآن.
والإنطباع هو ذلك القائل إن غموض المرحلة التي تسبق ولاية الرئيس الأمريكي الجديد المنتخب دونالد ترامب قد تدفع في اتجاه مراقبة عدوى النمط السوري من الربيع الجديد وسيناريو الانتقال إلى مصر، حيث الظروف الاقتصادية والمعيشية معقدة جداً.
في المقابل، يبدو واضحاً أن الشراكة السياسية الأردنية مع بعض دول الخليج وتحديداً تلك التي تحالفات مع الرئيس بشار الأسد، مسألة تطلب قدراً لا يستهان به من المراجعة الآن، خصوصاً بعدما تخلى حلفاء الأسد الكبار عنه تماماً، لا بل ساهموا في عزله عملياً.
تحتاج عمان إلى إعادة قراءة الخارطة والتوازنات بما يضمن الحرص على مقارباتها ومصالحها، وتحتاج -برأي السياسي مروان الفاعوري- إلى ما هو أكثر من ذلك، بالعودة الى الداخل الأردني والتأمل الأعمق بما يصح وما لا يصح الآن.
العودة للملف الداخلي وبقوة قد تحتاج إلى مقاربة مختلفة الآن، وإعادة النظر بالموقف من تعبيرات الإسلام السياسي المحلية من حيث وقف لعبة استهدافها، هي خطوة قد تعزز المناعة الوطنية.
والجهد الأمني الوطني الاستثنائي المطلوب مرحلياً بصيغة لا تؤدي إلى تسلل أي عدوى من الحدود مع سوريا.
إعادة النظر في اصطفافات وتحالفات جزئية لم يعد ترفياً. والاقتراب بحذر من دول إقليمية مهمة مثل تركيا، هو خطوة قد تحتاج إلى المراجعة أيضاً بما يضمن العودة إلى إطار حوار وطني داخلي يحمي مصالح البلاد والعباد من التدحرجات الاستثنائية، سواء غربي النهر في فلسطين المحتلة أو شمالي البلاد في سوريا، التي يحتفل أهلها بتحررها من نظام صيغت معه معادلات التشبيك في السنوات الأربع الأخيرة ضمن مسلسل تداعيات أخطاء التوقيت والبوصلة.