اراء و مقالات

الأردن بين «الوطنية» و«المواطنة»

الأردن هو وطن الأردنيين النهائي والمطلق فقط، لا ينازعهم أي مكون على تلك الحقيقة التاريخية… وفلسطين هي وطن الفلسطينيين الذين دفع أهلهم وذووهم في قطاع غزة نهرا من الدماء حتى الآن دفاعا عن ترابها

خرائط الإرهابي سموتريتش التي حاولت التلاعب مجددا بالأردن لا تعترف بدوائر الأحوال المدنية وبقيود المواليد والمكونات الاجتماعية ولا تعترف بجذور وأصول من تضربهم وتقصف أطفالهم صواريخ الاحتلال المدعومة بالذخائر الأمريكية والألمانية.
تلك الصواريخ وأطماعها والدماء التي تسيل بسببها لا تفرق بين الجغرافيا والبشر لا في لبنان ولا في العراق ولا في اليمن ولا في سوريا ولا في الأردن طبعا، فهي تستهدف وتقصف وتضرب لا على التعيين ولا تدقق بالأصول والمنابت ولا بالطوائف ولا بالهوية السياسية والخلفية الإيديولوجية لمن تطمع بتحويلهم إلى عبيد في خدمة مشروعها.
نقول ذلك ونحن نراقب مجددا تطورات سيناريو التكيف والتعايش والجدل الذي يتبعه على مستوى البسطاء والسذج الذين يعتقدون في بعض الدول العربية بأن أطماع المشروع الإسرائيلي الكبير قد لا تستهدفهم.
لعل طبقة البسطاء تعود لنقاش المكونات بصيغة مؤسفة بين الحين والآخر في بلد مثل الأردن تحديدا لا مجال أمام شعبه بكل التصنيفات والمكونات والأصول إلا التوحد، فالعدو كان ولا يزال وسيبقى واحدا وموحدا.
قالها أهالي المخيمات في الأردن مبكرا ورددها شيخ التمثيل الشعبي والبرلماني المخضرم وعميد ذلك التمثيل لأكثر من 27 عاما القطب خليل عطية، أدام الله عليه صحته وعافيته، عندما رفع في قلب مخيم الحسين لافتة ضخمة وجلس تحتها يستقبل رئيس الوزراء وصحبه آنذاك الدكتور نادر الذهبي.
تلك يافطة تمثل جوهر موقف المكون الفلسطيني في الأردن وكانت تقول «الأردن وطن يعيش فينا لا نعيش فيه… لا بديل عن فلسطين إلا الجنة».
الأردن هو وطن الأردنيين النهائي والمطلق فقط، لا ينازعهم ولا ينبغي أن ينازعهم أي مكون على تلك الحقيقة التاريخية، وفلسطين هي وطن الفلسطينيين الذين دفع أهلهم وذووهم في قطاع غزة نهرا من الدماء حتى الآن دفاعا عن التراب الفلسطيني.
مجددا لا مجال للتلاعب بالكلمات أو المفردات والمصطلحات فنهر الأردن الخالد فاصل جغرافي بين شعب واحد في المحصلة وكل السيناريوهات التي تطالب بتعريف الهوية الوطنية الأردنية يمكن تأجيلها الآن لأن الخطر يحدق بالجميع.

الأردن هو وطن الأردنيين النهائي والمطلق فقط، لا ينازعهم أي مكون على تلك الحقيقة التاريخية… وفلسطين هي وطن الفلسطينيين الذين دفع أهلهم وذووهم في قطاع غزة نهرا من الدماء حتى الآن دفاعا عن ترابها

ولأن جبال السلط الأبية هي المستهدفة بعد إخضاع جبال نابلس ولن نمل من تكرار القناعة بأن حواضر وعواصم العرب جميعها من المحيط إلى الخليج هي الهدف التالي للمتطرفين في تل أبيب وواشنطن وغيرهما من تلك العواصم الكاذبة الغربية التي تخدع حكومات وشعوب المنطقة وتدعم سرا وعلنا جريمة الإبادة التي ترتكب في حق الشعب الفلسطيني.
يمكن إرجاء أي نقاشات داخلية أو تعريفية في هذه المرحلة لأن الخطر يحيط بالجميع ومشروع تحرير فلسطين واستعادة كرامة أهلها لا يبدأ في كل الأحوال من عند ما يسمى بتكريس منهجية المواطنة في بلاد مثل الأردن قدمت الكثير من التضحيات.
دماء شهداء العشائر الأردنية عطرت تراب القدس واختلطت بدماء شهداء فلسطين في الأغوار ومعركة الكرامة.
نقولها الآن ببساطة ووضوح: لسنا شغوفين بمقولات التعريف بالهوية.
لسنا معنيين في هذه المرحلة بالعزف على أوتار لها علاقة بمنهجية المواطنة، وكل تلك الملفات يمكن لنا كأردنيين مناقشتها في مرحلة الرخاء، وعندما يزول الخطر المحدق أو يتوقف عن طرق أبوابنا.
التأسيس لمنهجية المواطنة مطلب ملح ومقدر ومحترم لكن في فترات الرخاء وبعيدا عن أطماع المشروع الإسرائيلي، وليس في مثل هذه المرحلة التي يرتطم فيها المشروع القومي برمته، ومعه حتى المشروع الديني الإسلامي وبالتأكيد الفلسطيني الوطني بأعتى قوة إجرامية فيما تكفل اللحم الطري في غزة ولبنان واليمن بالدفاع عن كرامة الأمة حتى الآن نيابة عن بقية الشعوب.
في المشهد الأردني نسمع جعجعة هنا أو هناك بدون طحين.
والأصل اليوم ما دامت خرائط سموتريتش تعتمدها الحسابات الرسمية لوزير خارجية الكيان أن ننتبه ونحذر ونعيد إنتاج هوامش فارقة في الذهن البريء بين الوطنية والمواطنة.
منهجية المواطنة ليس وقت التفكير فيها الآن وفلسطين لها أهل يريدونها، وهؤلاء مشردون وفي الشتات وهويتهم الوطنية الفلسطينية لا تقبل القسمة على وطنين لا في الأردن ولا في القارات الخمس، ومن غير المعقول بعد شلال الدم والتضحيات في غزة أن لا تصعد مراجعات عملاقة وضخمة على المستوى الفردي والجماعي والمكوناتي بعد سيل الدماء الزكية.
آن أوان استحضار الوطنية الأردنية بدلا من المواطنة.
يمكن لنا أن ننشغل لاحقا بعد درء المخاطر في نقاشات الماضي المرتبطة إما بالإصلاح السياسي أو بالتمثيل الانتخابي أو بكل ما تطلبه فكرة المواطنة من تكريس واعتماد.
الأردن في حاجة ملحة اليوم للوطنيين من أولاده ومن كل الولاءات والمكونات، ولا فرق بين أصل ومنبت، عندما يتعلق الأمر بمعركة وجود لا علاقة لها بتلك الحدود ولا بالقيود المدنية.
علينا العمل من أجل تكريس الوطنية والوحدة الوطنية. مقترحات المواطنة قياسا بقيمة الوطن وحجم الخطر يمكنها أن تتأرشف مؤقتا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading