الأردن بين “جمعة” دفن الحجايا و”خميس” الإغلاق الأمني
بين يومي الجمعة قبل الماضي حيث توفي نقيب المعلمين الراحل أحمد الحجايا ومنتصف الأسبوع التالي ليوم الأربعاء، خاضت المؤسسات الرسمية والبيروقراطية الأردنية سلسلة من المواجهات الإحصائية والرقمية لم تكن متوقعة.
وأعلن المعلمون ظهر الجمعة بهيئتهم القيادية وعلى قبر نقيبهم الراحل بعد دفنه أنهم ماضون في برنامجه المعلن أصلا منذ أشهر للمطالبة بعلاوة قدرها 50 في المئة على رواتبهم.
كانت تلك جملة في مشهد عاطفي مؤثر جدا.
لكنها جملة غير مسبوقة أثارت مبكرا انتباه المجسات الامنية العميقة في الدولة، فقد تكون المرة الأولى التي يقسم فيها معلمون فوق قبر نقيبهم الذي توفاه الله للتو بالمضي قدما في البرنامج الذي تبناه وهو على قيد الحياة.
أبرقت مبكرا بعض دوائر القرار الأمني للحكومة والسلطة السياسية بالانتباه وجس نبض نقابة المعلمين والتعامل معهم قبل حلول موعد اعتصام مقرر منذ أشهر بعد ستة أيام من دفن النقيب الحجايا.
في الواجهة وكنائب للحجايا جلس ناصر النواصرة نائب النقيب وهو عضو في التيار الإسلامي ومعلم مخضرم وله ثقل في مدينة جرش شمالي الأردن، وكان الحجايا الراحل طوال الوقت يحاول الإشارة لانتمائه السياسي على أمل إبعاده عن النقابة.
النواصرة وجد نفسه في واقع شخصي وعاطفي يرث فيه ما كان الحجايا قد قرره برفقة رؤساء فروع النقابة في المحافظات.
هنا أعلن النواصرة والذي يفتقد بوضوح لجملة تكتيكية مسيسة المضي قدما على طريق الراحل الكبير. ثم أعلن في جملة اضافية لفتت نظر المستوى الأمني عن تغيير اسم الدوار الرابع الشعبي وسط العاصمة عمان من دوار المعلم إلى دوار الحجايا.
كان ينبغي للسلطات جميعها أن تدرك هنا أن مسألة اعتصام المعلمين التي تحولت لاحقا إلى أزمة وطنية تتدحرج.
امتنعت الحكومة عن التقاط الرسالة أيضا وبدأ المعلمون قبل خمسة أيام من خميس الاعتصام بالتحضير للمواجهة الجديدة تحت عنوان قرره النواصرة أيضا وهو التجمع على دوار الحجايا “الرابع سابقا” حسب المعلمين لأداء صلاة الغائب جماعة على روح فقيد المعلمين والوطن النقيب الراحل مع المطالبة بعلاوة 50 في المئة.
بقيت رموز السلطة هنا وحتى قبل 48 ساعة في حالة الصامت الرجاج وبدون أدنى تحرك أو مبادرة باتجاه نقابة المعلمين. مر الوقت سريعا وبدأت المؤسسات الأمنية بالضغط على مجلس النقابة وحاولت اشراك قيادات من الحركة الإسلامية بالضغط وطوال هذه الفترة كان النواصرة يعتذر عن التجاوب ويردد عبارة واحدة “لا أستطيع وقف اعتصام قررته كل الفروع”.
هنا أيضا لم تصدر أي إشارة من وزير التربية والتعليم الدكتور وليد المعاني لا على صعيد الاشتباك ولا على صعيد محاولة التعامل مع سيناريو محتمل.
قبل 48 ساعة من الاعتصام المثير للجدل تكفل بالمتابعة وزير الداخلية سلامة حماد وأجهزة الأمن العام والدرك وبالتوافق مع رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز وعلى أساس وضع لافتة “فيتو” واضحة تجاه مسألتين: الأولى هي إحياء وإنعاش الدوار الرابع مجددا. والثانية هي عدم وجود مخصصات مالية لعلاوة المعلمين وعلى أساس أن منحهم أي علاوة قد يدفع نقابات أخرى لمطالبات مماثلة بحيث يزيد عجز الموازنة المالية للخزينة عن نصف مليار على الأقل.
تحت وطأة العجز المالي والتأخر في التفاوض مع نقابة المعلمين ترك الرئيس الرزاز الاشتباك للمؤسسات الأمنية.
كان التقدير يتحدث عن امكانية تحرك ما بين 15 ألف معلم في الحد الأدنى إلى 30 ألفا في الحد الأعلى يوم الاعتصام وتقررت خطة الاحتواء عبر الطرق بهدف السيطرة والتحكم.
صبيحة يوم الاعتصام المشهود فوجئت غرفة الطوارئ التي تتابع وخلية الأزمة البيروقراطية بتطورين لافتين الأول تمثل في أن الذراع الإعلامي للحركة الإسلامية بمختلف تعبيراته يتنشط فجأة ويظهر جاهزية مسبقة لتغطية الاعتصام الموعود ولحمل مطالب المعلمين.
والثاني تمثل في أن عددا كبيرا من الحافلات في المحافظات تم استئجارها لنقل المعلمين إلى العاصمة مع ملاحظة بيروقراطية تقول إن نقابة المعلمين لا تملك أصلا في خزينتها ما يكفي من المال لتمويل حركة الحافلات.
يوم الاعتصام وفي مواقع محددة بدا حراك المعلمين منظما وظهر شبان ونشطاء يرتدون سترة متباينة باللون من النوع الذي يضبط إيقاع الجمهور وقدرت غرفة الطوارئ فورا أن أرقام المعلمين الذين سيزحفون للعاصمة أكبر بكثير من المتوقع.
كانت تلك بمثابة إنذارات أمنية مبكرة. حصل الاعتصام وسط هذه الظروف المعقدة وتعايش الشارع الأردني مع النتائج والتداعيات التي يعرفها الجميع.
عزيزي ما منح اعتصام الخميس الأسود قوته تلك العفوية الصادقة البريئة التي خلت من المشهد الحزبي و سيطر عليها شعور الظلم المهني و للعلم عدد المعلمين القادمين من محافظات الجنوب و أطراف الشمال فاق عدد معلمي العاصمة و الزرقاء و هاتان المحافظتان هما من يكثر منتسبي التيار الإسلامي فيهما .