اراء و مقالات

الأردن: «تحجيم» أم «تجريم» التعاطف مع المقاومة الفلسطينية؟ أين السبب وما النتائج؟

عمان- «القدس العربي»: العديد من المؤشرات والاعتبارات السياسية والتشريعية بدأت تتراكم في عمق المشهد الوطني الأردني مؤخراً بعنوان الاستعداد لمرحلة مختلفة ومعقدة إقليمياً تطلبت فيما يبدو من أسابيع “تقليص” حضور تيارات الإسلام السياسي ثم إعادة تقييم “التحديث الاقتصادي”، ولاحقاً اللجوء إلى “وصفات متشددة” حكومياً في “ضبط الإيقاع العام”.
وتلك الاعتبارات مرتبطة على الأرجح بتصورات ومعطيات مراكز ثقل القرار الرسمي عن السيناريو المقبل في المنطقة، وبمعنى أكثر تفصيلاً الخطط والبرامج التي تسعى الولايات المتحدة الأمريكية في ظل إدارة الرئيس دونالد ترامب لإنتاجها أو إنجازها.
الأردن حتى برأي السياسي والبرلماني المعروف الدكتور ممدوح العبادي، في بؤرة عملية الاستقطاب الإقليمي في وضع فيه من المستجدات ما يتطلب أقصى طاقات الصبر والملاحظة، والأهم الانتباه وسط القناعة التي يعبر عنها اليوم العبادي وآخرون من كبار الساسة بأن الصدام وشيك وحتمي مع تطلعات وأطماع اليمين الإسرائيلي التي تقاطعت في مناطق مرصودة مع اليمين الأمريكي.
لكن في المقابل، لا أحد يلجأ إلى تعريف المستجدات؛ لأن تلك مهمة في غاية الصعوبة والتعقيد، مضمونها أن من يجلس في عمق الوسط الاجتماعي والرأي العام المحلي قد لا يتمكن من قراءة النصوص والمستجدات والتطورات بنفس الطريقة أو الصيغة التي تقرأ فيها الدولة وأجهزتها ميزان المصالح والانحيازات والأهم التوازنات.

المشهد الأردني الداخلي

في كل حال مرجح وأمام كل من يلاحظ مرحلياً في المشهد الأردني الداخلي أنه يتعرض لعملية “إعادة بناء” محورها الأساسي “مغادرة المرحلة المقبلة بأقل الخسائر الممكنة” والحفاظ على المنجزات قدر الإمكان وعزل تأثيرات ما يوصف حالياً بـ “سايكس – بيكو” جديد عن المملكة والأردنيين في مهمة يبدو أنها تصلح للمؤسسات الرسمية وليس الأهلية بعيداً عن الشعبويات.
مقتضيات المرحلة تطلبت هنا بوضوح الاتجاه بمسارين متلازمين:
الأول، إعادة التيار الإسلامي بعدما اجتاح الانتخابات الأخيرة وبدأ يسعى للتحكم بمسار التشريعات إلى ما يسميه خصومه في السياسة والأيدولوجيا محلياً بـ “حجمه الطبيعي” في المجتمع، ما انتهى -عملياً- ليس بقرار حظر جمعية الإخوان المسلمين فقط، بل فتح تحقيقات قضائية موسعة في ملفها المالي، حيث متابعات رقمية هنا وحسابات وملكيات عقارات، وإحالة نحو 11 قيادياً إلى المتابعة في المحكمة المختصة قريباً.
والمسار الثاني مرتبط عملياً في الأول، وفكرته إعادة “برمجة” الشارع والفعاليات الشعبية، جعلت ما يجري في غزة والضفة الغربية “لاعباً أساسياً” في معادلة الداخل الأردني.
وهنا برزت تلك التوقعات التي تبناها مبكراً الناشط الحقوقي البارز عاصم العمري، عندما توقع عبر “القدس العربي” قبل أشهر، الانتقال في غضون أسابيع إلى محور “ملاحقة أو حتى تجريم” التعاطف مع المقاومة الفلسطينية، وضمن سياسية منهجية للإدارة الأمريكية الحالية تتناسب بوضوح مع ما تطرحه بعض الدول الأوروبية وأطراف فاعلة وأساسية في النظام الرسمي العربي.
في الحالة الأردنية، لا يمكن الحديث عن “تجريم” التعاطف مع المقاومة الفلسطينية؛ لأن المشهد سينتهي في مثل تلك الحالة إلى تعارض مباشر مع كتلة موسعة من حواضن المجتمع، فيما لجات السلطات مؤخراً وضمن التوصيفات التي افترضها العمري وآخرون إلى “تقليص مساحات حريات التعبير” في جزئية المقاومة الفلسطينية.
في المنظور البيروقراطي والمصلحي الرسمي، لم يعد من الحكمة في ظل المستجدات إبقاء حالة التفاعل مع المقاومة الفلسطينية مفتوحة على المستوى الشعبي، وفي المنظور الحقوقي المسيس تعد تلك مغامرة كبيرة قد تؤدي إلى حصول مشكلات يمكن تجاوزها بين المؤسسة والشارع، خصوصاً أن الطرف الآخر في المقاربة -والمقصود الإسرائيلي والغربي والأمريكي- لا يقدم أي ضمانات للأردنيين، ولا يخاطب مخاوفهم، كما يقدر العمري، خصوصاً تلك التي تقدر بأن تصفية القضية الفلسطينية سيتم على حساب الأردن.

توافق منوع

ورغم وجود توافق نخبوي منوع يرتاب في الحلول التي يقترحها الأمريكيون في الخارطة الجديدة التي يقترحونها لحل الإشكالات في فلسطين وسوريا ولبنان بجوار خاصرة المملكة، فإن السلطات الرسمية تبدو “أقل ارتياباً” وتقرر أن البقاء في عمق الاستراتيجية الأمريكية مرحلياً هو الخيار الأسلم، مع أن شخصية مخضرمة من وزن الرئيس طاهر المصري، جددت التحفظ عبر “القدس العربي” مؤخراً تحت عنوان “تقييم كلف وفواتير الالتحاق بالاستراتيجية الأمريكية”.
ولأن السلطات أكثر تفاعلاً مع المعطيات وأقل ارتياباً، لجأت إلى خطوات منهجية محددة في ترسيم المشهد الداخلي مؤخراً، فمنعت العديد من المسيرات والوقفات والنشاطات المرتبطة بما يحصل في غزة، بالتوازي مع تحقيق “اختراقات” لا يمكن إنكارها في “ضخ المساعدات” والوصول إلى المجوعين في القطاع قبل الجميع، وفي الأثناء تقرر المسار الخاص بإغلاق ملف “جمعيات” ناشطة تتبع التيار الإسلامي والاخواني بسلسلة خطوات غير مسبوقة، لكن ضمن ما وصفه مسؤول كبير بـ “مسار قانوني بحت”.
وفي حسابات العمري ونشطاء “الحقوق والحريات”، قد لا تقف اتجاهات تحجيم حاضنة المقاومة الفلسطينية في الأردن عند حدود المنع والمتابعة والمقياس الأمني وأحياناً المتابعة القضائية. وقد تمتد بالنتيجة إلى حالة تتعاكس مع أشواق وفهم الشعب الأردني لدوره في القضية الفلسطينية في حال تبرير الخطوات القمعية والوصول إلى محطة “تجريم التضامن مع المقاومة”، بحيث خسائر “وطنية” لا يمكن الاستهانة بها هنا، بتقدير العمري.
هل تتجه الحكومة الأردنية إلى مساحة تتجاوز “المنع” باتجاه “التجريم”؟
سؤال يطرحه كثيرون وهم يراقبون توسعاً في المتابعة الرسمية لنشطاء يتضامنون من أجل غزة تحت عنوان “التشكيك” بمواقف الأردن الرسمية.
الإصرار على الحديث عن “رفض التشكيك” يخدم وظيفة ما على الأرجح، وما يجري حتى اللحظة حكومياً ليس مرجحاً أن يصل إلى مستوى تجريم التعاطف مع المقاومة وسط الأردنيين، بل الحرص على ألا تصبح حسابات المقاومة وأولوياتها هي اللاعب المؤثر في اتجاهات الشارع ثم صناعة القرار السياسي.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading