الأردن – تركيا في «النفق»: «تسمين الشرع» وغزة ونتنياهو أهم المساحات المشتركة والعقدة في «الجنوب السوري»

عمان – «القدس العربي»: تدخل العلاقات الأردنية التركية في نفق معقد مليء بالحسابات المتقاطعة، لكن تنار حالياً بعض الشموع هنا أو هناك بعدما بدأت عملية البحث الثنائية عن «مساحات مشتركة»، لأسباب تتعلق بسوريا أولاً، وغزة ثانياً.
وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، في حالة تواصل دائمة وغير مسبوقة مع نظيره التركي هاكان فيدان.
والإطار المشترك من مساحات الاهتمام لا يقف عند العلاقات الثنائية التي لا تزال بحاجة لإعادة بناء الثقة وتغيير قواعد اللعبة، بل يشمل ملفات جيوسياسية مهمة وضاغطة على البلدين، أهمها الملف السوري ثم العراقي واللبناني، وقبل الجميع الفلسطيني.
منظومة التواصل بين الصفدي وهاكان فيدان، تحظى لأول مرة بغطاء أمني أردني عميق، ما يؤسس للانطباع بالرغبة في تطوير الاتصالات، وباستمرار العلاقة مع تركيا باعتبارها ملفاً في المستوى الأمني- السياسي.
يلمس المراقبون هنا جهداً ملموساً من الجانبين لنقل الاتصالات من احتكار المربع الأمني إلى نطاق دبلوماسي وسياسي واضح أنه لم يصل بعد إلى مستوى التنسيق على ملفات محورية مهمة توازن ما يجري في الشمال السوري مع ما يمكن أن يحصل في الجنوب السوري.
مستجدان في غاية الأهمية، برأي المحلل السياسي مروان الفاعوري، يعتقد أنهما ساهما في تحقيق تقارب غير مسبوق مؤخراً بين عمان وأنقرة.
المستجد الأول يتمثل في تلك المظلة التركية العميقة التي تحيط بالرئيس السوري أحمد الشرع، ثم الدور الفاعل لتركيا في الملف السوري، حيث عنصر تقارب غير مسبوق يحتاج إلى تغذية وتسمين وتقارب بعيد عن انعدام الثقة والاسترسال في حساسيات الماضي.
ويمثل المستجد الثاني تلك المساحة التي تجلس فيها تركيا اليوم في ملف الوساطة من أجل قطاع غزة وفي جزئية إدخال المساعدات.
ما يفعله الأتراك في سوريا وفي ملف غزة، عنصر إضافي يعزز التقارب بين عمان وأنقرة.
لكن ما ينقصه حتى الآن بسبب تراكمات حسابات في الماضي القريب، هو التحول الاستراتيجي في ثنائية شاملة تعني مزيداً من المصارحة وتبادل المعلومات وتقلص من مساحة التحفظ الأردني على نطاق العمليات التركية في كل من: سوريا وتحديداً شمالها، وغزة وملف المساعدات.
عمان أقل تحفظاً من أي وقت سابق في الاقتراب من الدولة التركية ومشاريعها وخططها، وأنقرة أقل تذمراً من أعوام سابقة من حساباتها المتعلقة بالأردن وسياساته والنفق المعقد الذي يسير فيه بحثاً عن المصالح وحل للقضية الفلسطينية.
وفي الوقت الذي يمكن القول فيه بأن الاحتياجات الأردنية من تركيا ملحة جداً في ملفي سوريا وغزة، لا بد من التأشير على مساحة مشتركة جديدة مليئة بإمكانيات التنسيق تجمع مصالح الطرفين حالياً.
وهي تلك المساحة المختصة بالتناقض العميق للمصالح مع حكومة اليمين الإسرائيلية الحالية.
الأردن يهاجم هذه الحكومة ولا يثق بها علناً، وتركيا ترى فيها خصماً لمصالحها.
لذلك، يمكن القول إن مشاعر أنقرة وعمان متقاربة في ملف أخطار اليمين الإسرائيلي؛ فهو إن حظي بضوء أخضر للتوسع سيفعل على حساب الأردن، وإن تمكن من الانفراد بسوريا والعراق سيفعل على حساب تركيا.
مجدداً، الخصومة مع نتنياهو وطاقمه واتجاهاته عنصر نشط في التقارب الأردني التركي، لكنه لا يزال يفتقد استراتيجية عمل واشتباكات عمل متقدمة ومفصلة على الصعيد الثنائي، وإن ظهرت مناطق مشتركة مع المجتمع الدولي في بعض الأحيان عبر تنسيقات الثنائي الصفدي – هاكان.
لا أحد يعلم بعد ما هي التقنية أو الآلية المقترحة لانتقال العلاقات الأردنية مع تركيا إلى مستويات استراتيجية، خصوصاً أن الموقف التركي من احتضان حركة حماس والإخوان المسلمين لم يعد ضاغطاً على دوائر القرار الأردنية؛ لأن الاستجابة الأردنية القديمة لموقف بعض الدول العربية الشقيقة من تركيا-اردوغان لم تؤدِّ إلى مكاسب حقيقية بعد للجانب الأردني.
الدول العربية التي سبق أن طالبت عمان بالتباعد عن تركيا تفتح أبوابها ومطاراتها الآن لحوار مصالح مع اردوغان وحكومته، ما يجعل أي انعطافة أردنية أساسية في تثبيت أركان علاقة مصالح استراتيجية خطوة تتطلبها مصالح الأردن الآن، وفقاً لما تطالب به علناً نخب متعددة في البرلمان والإعلام والسياسة.
سبق لعمان أن جمدت بضغط بعض الدول العربية اتفاقية التجارة الحرة مع الأتراك.
ورغم حوار المصالح والتشاور العميق خلال العامين الماضيين، لم تتخذ الحكومة الأردنية خطوات فعلية في إعادة تفعيل تلك الاتفاقية التجارية، علماً بأن ذلك مطلب أساسي ودائم للقطاع الأردني التجاري خصوصا.
التقارب تجارياً مع تركيا مفيد الآن في معادلة فتح الأسواق السورية، تحديداً أمام البضائع والمنتجات الأردنية.
الأردنيون لا يريدون التورط في ملف السويداء، ولا حتى في ملف الجنوب السوري برمته.
وليس لدى عمان أدنى رغبة في رؤية إسرائيل في موقع نفوذ على خاصرة حدودها الشمالية وفي الجنوب السوري. وقد عبر عن ذلك الوزير الصفدي عدة مرات، فيما قناعة الأردنيين راسخة بالعمل على تقوية وتصليب الدولة السورية ومد نفوذها إلى الجنوب حتى تتخلص عمان من عقدة حراسة الحدود مع سوريا بالاتجاهين والتصدي لمكافحة المخدرات.
لذلك، والأهم: مصالح الأردن الأساسية في الجنوب السوري يمكنها تشكيل مساحة مصلحة مشتركة مع تركيا ذات النفوذ الأساسي في الشمال السوري.
لكن حوار المصالح هنا يتطلب مصارحات أكثر بين الجانبين، وتجاوز حساسيات الماضي، والإدراك الثنائي بأن سيناريو الهيمنة الإسرائيلي الذي حذر منه علناً الوزير الصفدي، صعب جداً التصدي له بدون علاقات أعمق مع تركيا.
ثمة بعض العقد التي تثير الارتياب أو كانت كذلك في الماضي ويمكن تجاوزها الآن.
والأمر هنا لا يقتصر على اتفاقية تم تجميدها للتجارة الحرة، بل على ملف رعاية تركيا للإسلام السياسي وضبابية موقفها من مصلح الأردن في الجنوب السوري، وأيضاً على صعيد ملف القدس والمسجد الأقصى، فيما الأتراك يبحثون باهتمام وحرص عن أي وصفة مكتملة وناضجة ومنتجة لتقارب عميق مع بلد مثل الأردن، مستذكرين بأسف حادثة تأجيل زيارة كانت مقررة للرئيس اردوغان.
يلاحظ الجميع أن عملية بناء علاقة دبلوماسية أفضل تتم الآن، لكن لقاءات قمة ثنائية لم تحصل بعد، رغم التطورات الكبيرة في سوريا وفلسطين. وأنقرة الآن مطالبة حتى من بعض أصدقاء العلاقة الفعالة معها في عمان، بالحرص على تقليل مساحات الارتياب وتفهم الاحتياجات الأردنية الأساسية، وخصوصاً الأمنية، في ملفات مثل القدس والضفة الغربية وغزة والجنوب السوري.
التواصل يتطور، لكن ملفه لا يزال في نفق ما لم يعد معتماً.
