اراء و مقالات

الأردن: تنبيه «مبكر» لحرب لا يملك الأمريكي مفتاح «وقفها»

عمان ـ «القدس العربي»: «صمتت» إلى حد ملموس الحكومة الأردنية والمستوى الإداري المدني، وبدأت المؤسسات العسكرية والسيادية هي التي تتحدث مع الأردنيين مباشرة حول «واقع الحال» وضمانات الأرض في منع تأثر البلاد جراء التصعيد العسكري الأخير بين إيران وإسرائيل.
تلك وحدها ملحوظة تفيد بأن مؤسسات العمق الأردني تستقري الأخطر والأكثر حساسية، فهي لا تثق بأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعدما سمح بإنطلاق العمل العسكري الإسرائيلي وعليه بدأ الحرب عبر الوكيل الإسرائيلي يملك مفاتيح إيقافها.
عموما لا يتجاوز الأردن بسبب سلسلة حساسيات الوقائع على الأرض وهو يرسم خياراته في ظل أولوية مطلقة بعنوان «الحفاظ على الوضع الداخلي» ثم التنديد بالعدوان الإسرائيلي على إيران.
إستراتيجية الأردن العملياتية إزاء إنفلات المنافسة والمواجهة العسكرية بين إيران وإسرائيل واضحة وحادة الملامح.
الكلام عن الحياد الإستراتيجي بالمعنى الجغرافي مساحة اشتباك سياسي مقصودة، يقصد الأردن بها حظر عبور المقذوفات والصواريخ والمسيرات الإيرانية باتجاه الكيان الإسرائيلي.
هنا فلسفة واضحة ومعلنة ولا تقبل الاجتهاد السياسي ويقابلها الالتزام بمنع الطيران الإسرائيلي من استخدام الأراضي أو الأجواء الأردنية أثناء عبوره لضرب إيران.
ذلك ما حصل وفقا لما رواه عمليا ولعدة محطات داخلية الخبير الاستخباراتي العسكري نضال أبو زيد، الذي كشف النقاب عن أن الطائرات الإسرائيلية التي قصفت إيران فجر الجمعة لم تستخدم أي ممر جوي سمائي له علاقة بالسيادة الأردنية، مشيرا إلى أن الممرات الجوية المستخدمة من جهة إسرائيل كانت عمليا من الجانب السوري باتجاه شمال العراق ثم الأراضي الإيرانية.
لعل هذا التوضيح الذي يتقدم به أبو زيد فرصة للتأكيد على أن فلسفة الأردن في الحياد الجغرافي والعمليات لديها قواعد عامة تبذل عمان جهدها للالتزام بها مع الصعوبات التي ترافق عملية حيادية وسط معركة من هذا الصنف. في الأثناء دخل شعبيا المركز الوطني للأزمات في مزاج المخاطبة المباشرة للمؤسسات الأمنية للأردنيين.
هذا ما حصل مع ظهر يوم الجمعة تحديدا حيث تم إبلاغ الرأي العام بأن صافرات الإنذار الأردنية ستنطلق بدورها لأول مرة لتنبيه الأردنيين من عبور صواريخ أو مقذوفات أو أجسام طائرة، وهذه المرة دخل على الخط أيضا الأمن العام الذي أعلن عن إطلاق الإنذارات ثم أعلن عن توقفها.
والمعنى هنا أن الرادار الأردني يراقب إنطلاق أي مقذوفات من إيران أو العراق في الجوار، ويؤسس بناء على الرصد وصفاته العملياتية في إطلاق صفارات الإنذار الأردنية.
وهو عمليا ما ورد في بيان عسكري شرح للأردنيين الأسباب التي دفعت قوات الردع الجوية للتصدي وإسقاط صواريخ ومسيرات إيرانية على الأراضي الأردنية. فقد كان التقدير أن تلك الأجسام الطائرة وفقا للبيان العسكري الرسمي يمكن أن تسقط في العمق الأردني وعلى مناطق مأهولة، وبالتالي تطبيق قواعد الاشتباك تطلب إسقاطها قبل انفجارها في مناطق مأهولة بالسكان.
هذا هو التبرير الذي تقدمه السلطات، وهو تبرير عملياتي ويهدف لإعلان الحرب على الشائعات والنميمة السياسية التي ترافق مقولات من صنف المساعدة في الدفاع عن إسرائيل والانضمام لتحالف مضاد لإيران.
الأوامر والتوجيهات أمريكية خلال فترة المعركة التي تقرأ المؤسسة الأردنية أنها مفتوحة على كل الاحتمالات.
محليا أيضا دخل على الخط المركز الوطني لإدارة الإزمات. وهي إشارة توحي بأن سلطات القرار الأردني المركزية تقرأ جولة التصعيد العسكري الحالية بين إسرائيل وإيران على أنها مستقرة لعدة أسابيع وقد تطول عدة أشهر. وأنها في النتيجة جولة قد تقود إلى بداية حرب إقليمية صعبة ومعقدة وافق الأمريكيون بوضوح للإسرائيليين على أن تبدأ، لكن لا أحد برأي غرفة القرار الأردني يملك القدرة على إيقاف تلك الحرب إن بدأت.
قرار الإيقاف يختلف عن قرار إعلان الحرب… ذلك تقدير أخفقت الدبلوماسية الأردنية في فرضه على الشركاء في الدول الغربية وفي الكيان الإسرائيلي وفي الولايات المتحدة. ويبقى هنا أن دخول مركز الأزمات في إعلانات تحذيرية عن كيفية تصرف المواطنين في السيارة أو على الطرقات أو في المناطق المفتوحة أو داخل أو خارج الأبنية بعد إطلاق صفارات الإنذار، إشارة متقدمة على أن الأردن على مستوى الإنذارات المبكرة بالأزمة يتوقع استمرار العمليات العسكرية.
لا بل على أن الأردن يتوقع سقوط المزيد من الأجسام والمقذوفات الطائرة بين الأردنيين وفي الأراضي الأردنية جراء حمى هذه المعركة التي فرضت إيقاعها على جميع الأطراف.
وهذا يعني عموما بروز مبكر لظاهرة أن المؤسسات السيادية الأردنية بدأت تتحدث مع المواطنين.
البيانات التي قرأها الناس في عمان صباح الجمعة في وقت مبكر صدرت إما عن القوات المسلحة أو الأمن العام أو مركز الأزمات الوطني، والحكومة طبعا تغيب في مثل هذه الأجواء، الأمر الذي يوحي مجددا بأن الفرصة بتقدير العمق في مؤسسة القرار الأردني مفتوحة على احتمالات تصعيدية قد تطول ومن الصعب احتوائها.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading