اراء و مقالات

الأردن: دلالات أعمق لمقاربة فاتورة «صراع الهيمنة» بين نتنياهو و«الحرس الثوري»

وسط تواصل الجرائم الإسرائيلية ضد الشعبين الفلسطيني واللبناني

عمان- «القدس العربي»: يمكن القول إنه لا جديد إلا المزيد من التعقيدات العملياتية للأردن، تحديداً في سياق تطور مشهد الاشتباك العسكري بين إسرائيل وإيران، فيما الحكومة الأردنية استعملت لأول مرة عبارة تخص دول المنطقة التي تدفع الآن ثمن ما سمته حكومة الأردن «صراع الهيمنة» بين طرفي الاشتباك في الإقليم.
وزير الاتصال الأردني الدكتور محمد المومني، في التصريح المباشر عن تطورات الأحداث، وجه نقداً شرساً للأطراف التي تعمل على التصعيد ثم تحدث ولأول مرة باسم حكومته عن فاتورة وكلفة صراع الهيمنة، والمقصود طبعاً المشروعان الإيراني والإسرائيلي.
والمومني هنا على نحو أو آخر، يضع بعض النقاط على بعض الحروف بعدما التقطت كاميرات المواطنين الأردنيين صوراً لطائرتين مسيرتين سقطتا في مناطق غير مأهولة شمالي المملكة.
والفكرة باختصار أن الأردن يصر سيادياً على عزل جغرافيته عن صراع الهيمنة، وتنجح مؤسساته حتى الآن بهذه المهمة الصعبة، لكن الأهم أن الأردن وفي حال التعمق بزوايا وثنايا تصريح المومني، يساوي في اتهامه بالتصعيد بالحد الأدنى بين الإيرانيين والإسرائيليين.
ذلك لم يكن يظهر في العادة بمثل هذه الملامسة الواضحة في بيانات الخارجية الأردنية. وطوال الوقت في الماضي القريب، كان وزير الخارجية أيمن الصفدي وبشأن التصعيد الإسرائيلي حصراً شمالي قطاع غزة، يضغط بشدة على الأمريكيين والأوروبيين بعنوان وقف التصعيد شمالي غزة، الآن وليس غداً؛ خلافاً لاتهام تل أبيب الواضح بتجاهل كل مقترحات احتواء التصعيد بسلسلة العدوانات على لبنان.
الجديد في القيمة السياسية في آخر بيان أدلى به الوزير المومني هو ظهور قدرة الحكومة الأردنية على تشخيص الواقع الإقليمي وتعريف ما يحصل باعتبار المنطقة هي التي تدفع اليوم ثمن برامج صراع الهيمنة المشار إليه، والذي يتغذى – وهذا ما لم يقله المومني مباشرة – ليس فقط على الطموح الإيراني في النفوذ بالمنطقة، ولكن على الجرائم الإسرائيلية العنيفة ضد الشعبين الفلسطيني واللبناني، فيما كان الصفدي يصر في كل مواجهاته الدبلوماسية على أن أهم أسباب التصعيد الإقليمي هو إفلات حكومة اليمين الإسرائيلي من العقاب والمساءلة.
تقريباً، لأول مرة تتحدث حكومة الأردن بصورة صريحة عن صراع الهيمنة. ولأول مرة يتضمن بيان مباشر اتهاماً واضحاً للإسرائيليين بأنهم الطرف الآخر في صراع الهيمنة؛ بمعنى أن عمان سياسياً تدين تل أبيب وهي تساوي في رغبتها في إخضاع المنطقة لنفوذها بينها وبين خصمها في طهران، حيث تلامس عبارة الأردنيين عن صراع الهيمنة هنا ولو دبلوماسياً على الأقل كل ما قال في الأروقة الخلفية للمجتمع الدولي في سياق تبرئة إسرائيل وإدانة أطراف ما يسمى بمحور المقاومة.

وسط تواصل الجرائم الإسرائيلية ضد الشعبين الفلسطيني واللبناني

وما فعله تصريح الناطق باسم الحكومة الأردنية باختصار هو اتهام ضمني للطرفين بالسعي إلى الهيمنة، بمعنى أن حكومة اليمين الإسرائيلي على الأقل في المقياس الأردني العميق، تتصرف في لعبة النفوذ كما يتصرف الحرس الثوري الإيراني. وبمعنى أن إسرائيل تفقد بسبب عنف الجرائم التي ترتكبها، حتى أصدقاء السلام وحلفاء واشنطن من الدول العربية، التي لا تتفهم السردية الإيرانية لا بل تخاصمها منذ سنوات طويلة وترتاب فيها، مثل الأردن.
لذلك، يمكن اعتبار إشارة المومني عن صراع الهيمنة، واحداً من أبرز تجليات زحف السيناريو الأردني الذي يوجه أصابع الاتهام مباشرة لليمين الإسرائيلي باعتباره يوفر المادة والذخيرة أمام المحور الآخر.
ذلك تطور لافت في الموقف، يؤشر فيما بين أسطر البيان الأردني إلى أن إسرائيل تخسر رصيدها عند المؤسسة الأردنية، في الوقت الذي وجدت عمان نفسها فيه مضطرة لفتح قنوات الاتصال والتشاور وأحياناً تبادل المعطيات والنصائح مع الإيرانيين، بدلالة أن الرئيس الإيراني الحالي بين يديه دعوة مفتوحة لزيارة الأردن في أي وقت. وبدلالة أن كل الفاعلين واللاعبين السياسيين الأردنيين يطالبون بتوسيع البيكار في الاتصالات والتشاور، لا بل بعضهم مثل الدكتور أنور الخفش وحتى رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري، بدأ يطالب بمغادرة وهم عملية السلام.
هل يعني حديث الأردن عن رفض الوقوع في فخ دفع كلفة وفاتورة صراع الهيمنة مؤشراً على تغيرات وشيكة في التموقع الأردني؟
سؤال صعب، لكن لا بد من توفير إجابة عليه. وما يمكن توقعه أن الحديث عن صراع الهيمنة في إطار يعكس شكوى جماعية لدول المنطقة لا تقتصر على الأردن، مقدمة لشيء ما أو تحول ما.
وما يتوثق منه المراقبون حتى الآن، وبعدما بدأت المسيرات تسقط أحياناً في الأراضي الأردنية أو تربك الأجواء في مدينة العقبة، هو أن عمان تفعل كل ما تستطيع لضمان الحياد العملياتي والسيادي على أساس أن أولويتها واضحة، وهي عزل الجغرافيا الأردنية مجدداً عن ذلك الصراع وحماية الأجواء الأردنية.
وتلك الرسالة ثانية جزئياً في تصريح المومني، الذي يلوم بأن بلاده لن تقبل إيذاءها والمساس بأمنها وسيادتها لا من جهة إيران ولا من جهة إسرائيل.
الأردن في المحصلة، يطور مقاربته. والحديث الصريح بعنوان التذمر باسم بقية دول المنطقة من كلفة صرع الهيمنة الإسرائيلي الإيراني، هو مؤشر كبير على تحولات ينبغي أن يقرأها الأمريكي حصراً قبل أي طرف آخر إذا كان مهتماً فعلا بتحقيق رغبة عضو مجلس الأعيان الشاب والمتحمس عمر عياصرة، وهو يتمنى أن تغمض العيون قليلاً ليعود الجميع إلى يوم 6 أكتوبر، بمعنى أنه يريد إزالة يوم 7 أكتوبر من خرطة الوقت.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading