الأردن: «شراكة الماضي» ترنحت و«زمرة نتنياهو» خارج «البيروقراط»
وزارة المياه تجنبت «انزلاقات» إسرائيل

عمان- «القدس العربي»: يمكن ببساطة ملاحظة ورصد حرص وزارة المياه الأردنية الشديد على الامتناع «إعلامياً وفنياً» على الأقل عن «خدمة» الدعاية الإسرائيلية الصحافية التي ترغب بتسليط الضوء أكثر على ملف «حصة المياه الأردنية» التي ينبغي ضخها للأردن وبثمنها وليس مجاناً.
الوزارة بعد تسليط الصحافة الإسرائيلية الضوء على المسألة لأغراض خدمة صمود وبقاء تحالف الائتلاف اليميني بصورة تخدم نتنياهو دعائياً، تجنبت النفي والتأكيد فيما يخص النبأ الذي يمكن القول إن «القدس العربي» توثقت منه عبر مصادر مستقلة بعنوان «مماطلة نتنياهو» في تجديد أو حسم اتصالات تهدف إلى ضمان ضخ نحو 50 مليون متر مكعب من المياه المحلاة للجانب الأردني.
بصيغة لافتة، تجنب طاقم الوزارة الأردنية بحصافة الانزلاق للمربع الإعلامي في قضية حساسة.
غياب النفي والتأكيد يخدم استراتيجية الأردن العامة في تدوير الزوايا حصراً مع تطلعات اليمين الإسرائيلي للتأزيم على أكثر من جبهة ضد الأردن جراء مواقفه «الاشتباكية» وجهده الدبلوماسي في عزل الرواية الإسرائيلية دولياً، وأيضاً جراء حرص الأردن على توحيد صفوف الناخبين العرب في الكيان عشية ما يعتقد أنه تحضيرات لانتخابات مبكرة.
ملف التقاطعات الحادة مع نتنياهو وطاقمه لا يقف عند حدود مسألة المياه، بل يمتد لمساحات أخرى قد تكون أكثر أهمية، على رأسها القدس والوصاية والاستيطان ومشاريع عسكرة الأغوار والتلويح بالضم.
على رأس الانشغالات الإسرائيلية، قطع الحكومة الأردنية لكل الاتصالات مع «منظومة اليمين المتطرف» في «الطرف الآخر»، والعبارة الأخيرة تمثل الوصف الذي يستعمله حالياً مسؤولون ووزراء أردنيون عندما يتعلق الأمر بالإسرائيليين. لذلك، خطوة نتنياهو بمماطلة التوقيع على بروتوكول بيع مياه للأردن لا تشكل الاتجاه العدائي الوحيد من يمين تل أبيب في اتجاه الأردن. وتبقى طرق التلاقي «منعدمة تماماً» مع نتنياهو وطاقمه.
وزارة المياه تجنبت «انزلاقات» إسرائيل
والأردن أبلغ مؤسسياً قبل عدة أسابيع، حلفاء أوروبيين وأمريكيين بأن «المملكة لا تجد أي صيغة للتواصل مع الطاقم الحالي في الكيان» ولا يمكنها ذلك؛ بسبب التعاكس الحاد بالمصالح والاستراتيجيات.
مؤخراً فقط وعلى المستوى السيادي في الأردن، برزت الوقائع الرقمية التي تثبت بأن «اليمين الموتور» زحف والتهم حصة لا يستهان بها من هيكلي الجيش والأمن في الكيان الإسرائيلي، ما ألقى بظلاله الثقيلة على فكرتين في عمان.
الفكرة الأولى تلك التي تقول بعدم وجود أي مساحة بيروقراطية يمكن لمسؤول أردني أن يلتقي فيها مع «نظير إسرائيلي بيروقراطي».
والثانية يمثلها «الإقرار المؤسسي» المرجعي أردنياً، بأن «أيام التفاهمات» مع «العمق الإسرائيلي» على أساس الشراكة أو التنسيق الأمني أو حتى تقدير الاحتياجات، أصبحت من الماضي، لا بل «ترنحت وأصابها العطب»، كما وصف وزير سيادي أردني لـ»القدس العربي» وهو يستعرض أزمة الثقة وغياب اليقين في دور ووظيفة اتفاقية وادي عربة بعد خطط ومشاريع «زمرة نتنياهو».
عملياً، كل ما له علاقة بـ«ماضي التطبيع والاتفاقية» يخضع لـ»المراجعة» الآن أردنياً، مع أن المستشار القانوني الدولي الدكتور أنيس القاسم، يصر على أن وظيفة المعاهدة الأساسية هي حماية المدلول النصي القانوني الدولي لمصالح الأردن وحدوده.
أزمة المياه بهذا المعنى وحسب ما أشار القاسم في حديث جديد لـ «القدس العربي»، تعبير عما هو أعمق. لكنها أزمة موجودة، وإسرائيل تتلاعب بالحصة الأردنية بصورة مرجحة، فيما جهة ما في مكتب نتنياهو تحاول ابتزاز عمان بتسليط الضوء أكثر على فكرة لطالما رددها إسرائيليون متشددون بعنوان «الأردن قد يعطش بدون إسرائيل».
مثل تلك التعليقات، تلتقطها مرة تلو الأخرى قوى الشارع وتيارات المعارضة المناهضة لإسرائيل في العمق الأردني، ما دفع وزارة المياه لإدارة الجزئية بعيداً عن سيناريو يقدم أي خدمة لسردية اليمين الإسرائيلي.
حصة المياه الأردنية باعتبارها «تحفيزاً لبقاء السلام» و»مكافأة» دولية وأمريكية للأردن من أيام الراحل الملك حسين بن طلال بعد توقيع اتفاقية عام 1994، لا تحتاجها عمان في الواقع حالياً، ولكن مع بدايات الصيف المقبل. والاستغناء عنها «وارد جداً» إذا ما تحفزت الدولة السورية أكثر، قريباً، لتسهيلات تعيد تنشيط الحصة الأردنية من «مياه سوريا المجاورة»، أو حتى إذا نفذت مشاريع حيوية تلعب بـ «البدائل» على الأساس الذي طرحه سابقاً عبر «القدس العربي» المفاوض وخبير المياه الدولي البارز الدكتور دريد محاسنة، بمعادلة «صنبور المياه ينبغي ألا يترك عند الجار السيئ الانقلابي».
وعاد محاسنة الأسبوع الماضي للتأكيد أن المقاربة الإسرائيلية اليمينية العدائية واضحة وتشرح ذاتها والعبء في ملفي «أمن المياه والطاقة» على الجميع وطنياً، فيما إسرائيل انقلبت وتنقلب على ذاتها والسلام والجميع.
ما يقوله الخبراء خلف الستارة الأردنية: إسرائيل لا تخطط لمضايقة الأردن مائياً فحسب، بل إن تحركاتها العسكرية في محيط «الليطاني» اللبناني وجنوبي سوريا «درعا – السويداء» تسعى عبرها للسيطرة على «موارد المياه» في المنطقة.
لعل هذا المنطلق الخاص بـ «الهيمنة على مصادر المياه» جزء مما قصده الخبير الاستراتيجي الأردني الفريق قاصد محمود، عندما تحدث لـ «القدس العربي» أكثر من مرة مؤخراً عن «حصار جيوسياسي» يحاول اليمين الإسرائيلي المتأزم المأزوم فرضه على الأردن، ليس عند الأغوار فقط بل في لبنان وسوريا أيضاً.
من هنا يمكن القول إن النقاش الدعائي في ملف «حصة المياه» التي ينبغي أن تباع للأردن أصبح تعبيراً عن أزمة أعمق في السياق الجيوسياسي الذي تدركه وزارة المياه الأردنية، لكن تطبيقاته ليست من مسؤوليتها فقط.
