الأردن على طاولة شرم الشيخ بـ«وصفة يتيمة»: مقايضة «مغادرة حماس» لغزة بـ«إنهاء تركيبة ائتلاف نتنياهو»

عمان ـ «القدس العربي»: لا توجد «وصفة» سياسية أردنية للتعاطي حصراً مع المشهد الإسرائيلي في المرحلة اللاحقة إلا تلك التي تؤمن عقائدياً بأن إمكانية التعايش والتكيف مع التركيبة الحالية في حكومة اليمين الإسرائيلي غير واردة إطلاقاً تحت كل الظروف والاعتبارات، بالرغم من التدخل الأمريكي القوي والمفاجئ على هامش تحضيرات اجتماعات شرم الشيخ مساء الاثنين.
الأردن على الطاولة تماماً في تلك القمة، وعينه على هدف واحد ويتيم هو الاستثمار في زخم المرحلة الأولى لوقف إطلاق النار على غزة، وصولاً إلى التشبيك مجدداً بين الملفات الفلسطينية، بمعنى الانتقال للمرحلة التي أطلق عليها وزير الخارجية أيمن الصفدي وصفاً محدداً هو «كبح جماح حكومة اليمين المتشددة والغدارة».
هنا حصراً يمكن للمفارقات السياسية أن تتجلى في أكثر من صورة ونمط وسط قناعة المحللين والناصحين بأن استقرار وقف إطلاق النار في غزة لا ينهي ولا يحسم مخاطر اليمين الإسرائيلي على الأردن.
وهو رأي تبناه علناً نخبة من كبار السياسيين والخبراء في أكثر من سياق وندوة وتصريح في العاصمة عمان، وعلى أساس القناعة التي تنصح بأن المخاطر ضد الأردن قد تدخل في كمون يميني تكتيكي، على حد تعبير السياسي الأمريكي الفلسطيني الدكتور سنان شقديح، لكنها لن تدخل في سبات عميق حتى وإن قررت عمان، مثل بقية عواصم الاعتدال العربي، الانتظار والمراقبة.
شقديح واحد من المسترسلين في التحذير، خصوصاً أن وظيفة الائتلاف الإسرائيلي الحاكم بالنسبة لمصالح ورؤية نتنياهو تحديداً لم تنته بعد، فألد أعداء وخصوم المصالح الأردنية في ائتلاف نتنياهو لا يزالون في الحكومة وليسوا بصدد الانسحاب والاستقالة في سياق تكتيكي وغامض يثير ارتياب الأردن، وهو يشارك بحماسة في فعالية ومؤتمر شرم الشيخ دون نهايات ملموسة وواضحة.
كل الاحتمالات واردة في الفهم الساسي الأردني عند محاولة الإجابة على سؤال «ماذا بعد غزة؟».
وبقاء خصوم كبار مثل الوزيرين إيتمار بن غفير وسموتريتش في طاقم نتنياهو، مسألة مثيرة للارتياب.
الأول في المواصفة الأردنية، هو الراعي الأساسي لمنهجية تقويض الوصاية الأردنية في القدس، ونتنياهو يستخدمه لفرض سيناريو قديم بالتقاسم الزماني والمكاني في ملف الحرم المقدسي الشريف.
قضم خرائط
وسموتريتش صاحب مبادرة «إسرائيل الكبرى» التي تقضم بخرائط علنية ثلث أراضي شرق الأردن، لا يزال في الائتلاف بالرغم من الضمانات اللفظية التي أطلقها الرئيس دونالد ترامب بعنوان كبح جماح مشروع ضم الضفة الغربية.
عمان على نحو أو آخر، تشارك في حفلة شرم الشيخ بعدما اتخذت المستويات العميقة قرارها بأنه لا تعايش ولا تكيف مع الائتلاف الإسرائيلي الحاكم ونتنياهو.
هذا الارتياب بالرغم من ارتفاع نسبة التفاؤل، هو المحرك الأساسي للدبلوماسية الأردنية مادام ائتلاف نتنياهو مستمراً في بقاء الوزيرين المشار إليهما في الإدارة والحكم.
وثمة ما يوجب الارتياب والحذر، برأي السياسي والبرلماني الأردني محمد الحجوج، فيما الوصفة الوحيدة أو اليتيمة التي يمكن للأردن الرسمي التفاعل معها بدرجة أقل من الحذر هي حصراً تلك التي تظهر جاهزية لمحاصرة اتجاهات اليمين الإسرائيلي نحو الهيمنة وإخضاع بقية دول المنطقة خلال المرحلة المقبلة عبر سيناريو الانتخابات المبكرة لدى الكيان، خصوصاً أن عمان ذهبت لشرم الشيخ ضمن مواصفة التحفظ على محاولات الأمريكيين الحرص على حضور نتنياهو.
القرار متخذ في العاصمة الأردنية: لا مصالحات ولا مصافحات ولا اتصالات ولا تعايش مع نتنياهو وطاقمه، والمقايضة التي وافق عليها النظام الرسمي العربي والأردن في خطوة النشاط هنا هي تلك التي تؤسس لمعادلة تخرج فيها حركة حماس سياسياً وإدارياً وعسكرياً من مستقبل ملف غزة، على أن يقابل ذلك انفراط عقد الائتلاف اليميني في تل أبيب بالحد الأدنى، والعمل على تأسيس شريك موثوق ومعتدل في الكيان الإسرائيلي لإنجاح خطة الرئيس ترامب في مقاربة «إحلال السلام بالقوة».
خبير أردني بارز ومتابع من وزن الوزير الأسبق وجيه العزايزة، عبر بحضور «القدس العربي» عن قناعته بأن اليمين الإسرائيلي الموتور يغادر المسرح ويتعرض لسلسلة من الطرقات بعد سلسلة الجرائم التي ارتكبها.
توقعات العزايزة هنا يتكهن بها كثيرون، حيث لا يستقر المسار ولن تستقر المنطقة عموماً في ظل التأسيس لصراع ديني وأيديولوجي تديره أو تؤسس له مجموعة متطرفة وصفت رسمياً بأنها غدارة وتوسعية، لا بل قيل في الدوائر الأمريكية وأحياناً اليهودية إنها مجموعة موتوره تضر بمستقبل إسرائيل وأمن اليهود في العالم.
لذلك، تعتبر الدوائر الرسمية الأردنية أن توفير مظلة عربية وإسلامية لإدارة غزة مستقبلاً بدون حماس والفصائل، يساهم أو يفترض أن يساهم في إنتاج جهد أمريكي يعيد إلى الواجهة في حكومة إسرائيل طاقماً وزارياً معتدلاً ومرناً، ويمكن أن يكون شريكاً لاستئناف عملية السلام.
المرحلتان التاليتان
قيل ذلك على نحو أو آخر في دواوين السيادة على هامش جلسات استشارية احتفي خلالها بسابقة وجود موقف عربي وإسلامي موحد تحدث مع الرئيس ترامب بلسان واحد وقيل ضمن سياقات محاولة فهم الأردن لميزان العلاقة بين الانحيازات والمخاطر، أملاً في أن لا ينزلق الإقليم إلى الصدام العسكري مجدداً إذا ما انزلقت المرحلتان الثانية والثالثة في ترتيبات وقف الحرب على غزة.
وبناء عليه، يمكن الافتراض أن الأردن قرر دعم خطة الرئيس ترامب لبقاء الزخم الحالي ولتسليط الأضواء أكثر على القضية الفلسطينية كلها، فيما المضي قدماً نحو إطار شرم الشيخ يزحف بحذر وتحفظ يرتبط جذرهما باحتمالية الانزلاق مجدداً إما بسبب انقلاب مزاج الرئيس ترامب فجأة، أو بسبب هجوم عكسي على الهندسة التي يفترضها من جانب اليمين الإسرائيلي الغدار.