اراء و مقالات

مقاربة أردنية في وجه مقايضة لافروف: الجنوب السوري مقابل «التحفظ» قليلا في أوكرانيا

الحديث عن وجود أسلحة أردنية في أوكرانيا مزعج بكل الأحوال وإن كان يفتقر للأدلة والبراهين ويقتصر على مجرد تقارير إعلامية عن كميات ذخيرة كانت في طريقها لأوكرانيا.

عمان ـ «القدس العربي»: لا أحد بعد في مسار النخبة السياسية الأردنية يمكنه ان يحدد بصورة تفصيلية دلالات تفكيك ألغاز الزيارة التي قام بها إلى عمان وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف واستمرت لعدة ساعات وأجرى خلالها لقاء مغلقا وآخر مفتوحا مع نظيره الأردني أيمن الصفدي ثم التقى العاهل الملك عبد الله الثاني وسط انطباع على الأقل لدي الدبلوماسيين الغربيين بان بعض العبارات التي استخدمها لافروف كإطار في السعي للتقارب مع الأردن كانت تنطوي على تحذيرات مرتبطة مجددا بالملفين السوري والأوكراني.

يتخذ الأردن عموما سياسة أو دبلوماسية متحفظة جدا في مسألة الملف الأوكراني. لكن التحفظ بشروط موسكو أحيانا يمكن أن يقرأ على انه خطوة عدائية.
وعلى هذا الأساس لاحظ المراقبون الإعلاميون ان وزير الخارجية الأردني أيمن صفدي ناضل لكي تظهر جملته دبلوماسية في المؤتمر الصحافي مع لافروف وهو يتحدث عن موقف بلاده من الأزمة الأوكرانية على أساس الدعوة لوقف إطلاق النار والاندفاع نحو حل أو عمل سياسي. وهي عبارة دبلوماسية عمومية تطلق عندما لا يريد وزير خارجية أي دولة قول شيء محدد تجاه أزمة ترهق جميع الأطراف.
بكل حال زيارة لافروف إلى عمان كانت محطة لتبادل الاستذكار والتذكير ببعض الثوابت السياسية.
لكن الأهم وفقا للمصادر المطلعة انها تضمنت تأكيدا روسيا أو لفت نظر له علاقة بمقايضة سياسية وأمنية محفوفة بالهواجس والمخاطر قوامها مصالح الأردن الأساسية في سوريا وتحديدا في جنوب سوريا مقابل موقف يغادر التحفظ ولو قليلا في المسألة الأوكرانية مع تفهم لافروف المسبق بان عمان مساحة المناورة بين يديها هامشية وصغيرة جدا عندما يتعلق الأمر بمغادرة المسار الأمريكي في الأزمة الأوكرانية.
وهنا حصرا يبدو ان لا فروف لديه بعض المعطيات التي طرحها على الطاولة الأردنية بعنوان شحنات أسلحة وبعض الذخائر من منشأ أردني عثر عليها في أيدي مقاتلين أوكرانيين في بعض المناطق.
تلك القضية لم تطرح بصورة علنية ولا يبدو انها واقعية. لكن لاحظ الجميع ان الوزير الصفدي ركز على حاجة بلاده لبقاء الرعاية الروسية لبروتوكول أمني أردني تم التوافق عليه منذ أكثر من عامين ويختص بجنوب سوريا، ولا تزال عمان تعمل على أساس عدم وجود طرف سيادي سوري مباشر في مسألة الحدود والمصالح الأردنية في العمق السوري يمكن التفاهم معه وبالتالي الوكيل المعتمد هو الجانب الروسي في القضايا الملحة. وملف الجنوب السوري قضية ملحة جدا بالنسبة للأردنيين، فحرب المخدرات لا تزال مستمرة والانطباع ان عمان تسهر ليلها الطويل بسبب محاولات اختراق متواصلة من الجانب السوري حيث لا توجد قوة عسكرية سيادية سورية يمكن بناء تفاهمات حدودية معها.
لكن الوجود الروسي السياسي والعسكري بمثابة حجر الرحى أو مركز الثقل في إستراتيجية الدفاع الحدودية الأردنية وقد كان الوضع تماما طوال أعوام ما بعد 2011 كذلك وعلى الأرجح سيبقى وفقا لأدق الحسابات الأردنية التي تعتقد بان التواصل مع سوريا في الملف السوري أقل كلفة من الاضطرار للتفاهم مع الإيرانيين.
لا يوجد ما يمنع القول من ان عمان تستطيع قبول المقايضة، فهي ليست متحمسة تماما لأي من طرفي النزاع في أوكرانيا والحديث عن دعم سياسي ودبلوماسي خفي في الاجتماعات الدولية للموقف الأوكراني مبرره الأردني الدبلوماسي هو طبيعة المصالح والعلاقات والاتصالات خصوصا مع الحلفاء الأمريكيين الذين يدفعون أكثر من مليار ونصف الدولار سنويا كمساعدات للأردن.
مقاربة الأردن هنا حتى عندما يتعلق الأمر بالمقايضة لها ما يبررها ويسوغها على أرض الواقع.
لكن الحديث عن وجود أسلحة أردنية في أوكرانيا كتلك التي ظهرت في ليبيا أحيانا حديث مزعج بكل الأحوال وإن كان يفتقر للأدلة والبراهين التي تقتصر على مجرد تقارير إعلامية عن كميات ذخيرة كانت في طريقها لأوكرانيا.
والأردن عموما في الغرفة الدبلوماسية على الأقل وبعد مغادرة لافروف إثر زيارة استمرت لساعات فقط دخل في حسابات معقدة وحاول طاقم وزارة الخارجية تحليل وقراءة ما بين أسطر تلك الزيارة خصوصا وان الأردن يعتقد جازما بان حاجته في عملية السلام والصراع المحتمل مع إسرائيل اليمينية المتطرفة بحاجة ملحة لدور روسي على المستوى الدولي. كما تعتقد عمان بان مصالحها في سوريا من شبه المستحيل إدارتها بالحد الأدنى من المخاسر السياسية والأمنية في حال تجميد ووقف التنسيق مع موسكو وهذه هي العناصر الحرجة أكثر في هذا المضمار لأن غياب السيادي السوري مسألة تقلق الاستراتيجيات الأردنية في ظل الإصرار الأمريكي على عدم إعادة تأهيل النظام السوري كما اقترح يوما في مقالة مثيرة وزير الإعلام الأردني الأسبق الدكتور محمد مومني.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى