الأردن ـ ترامب… بين «القبطان» و«السكرتيرة»!
شعور الأردنيين يتنامى بأن الأمريكي لم يعد مصدر ثقة وقواعده العسكرية يمكنها أن تنقلب ضد الأردن في أي لحظة

تفقد الولايات المتحدة الأمريكية «بريقها وسحرها» بوضوح بين الأردنيين.
وتنتقل العلاقات العميقة على مستوى القرار الأردني مع الأمريكيين في ظل عهد الرئيس دونالد ترامب من منسوب «الدلال والحماية والتحالف» إلى مستوى دولة كبرى أصبح استمرار الصداقة التي تحمل أحيانا صيغة «التبعية» معها مكلفا جدا على الصعيد الخارجي والإقليمي و«الفلسطيني» والأخطر الإسرائيلي لا بل على صعيد «السحب من رصيد الدولة عند الناس في الداخل».
يكتم الحكوميون في عمان أقوالهم وأفعالهم معا عندما يسألهم الفضول الصحافي عن «مستقبل الدوران في الفلك الأمريكي».
وسياسة الكتمان هذه مع توالي «ضم الأردن» إلى قوائم الدول التي لا تحظى بأي استثناء أو «أفضلية» أو لمسات حنان من جهة الإدارة الأمريكية الحالية لم تعد منتجة أو تفعل والمصيبة الأكبر في طبقة السياسيين والبيروقراطيين الذين يفتقدون لأي خبرة في كيفية الاستمرار بدون «الدعم الأمريكي» سياسيا واقتصاديا.
هؤلاء حصرا توالدوا كالفطر في مختلف الأقنية والأزقة في البيروقراط الأردني وأمامهم اليوم بعدما أعلن ترامب الحرب على الكون تجاريا والحرب على الأردنيين والفلسطينيين عمليا وسياسيا وتهجيريا مهمة صعبة وشبه مستحيلة تتمثل في استعمال الأدوات القديمة التي تقنع السذج والبسطاء بأن «السماء تمطر» عندما تبصق الولايات المتحدة على الشعوب المخبولة.
بعد التطورات الأخيرة ثبت للأردنيين البسطاء على الأقل بأن حكومتهم ستواصل التموقع في المكان الخاطئ إذا لم تتحرر من أوهام «الارتباط» بأمريكا حيث كل شيء بدون خصومات.
كل شيء يربطه «بتوع الحكومة» برضى الأمريكيين أو بتجنب إغضابهم، ابتداء من القول بأن «الطحين» الذي ترسله واشنطن من أسوأ أنصاف الدقيق، وأحيانا لا يصلح للاستهلاك البشري وانتهاء بأي اقتراح يفترض بأن «أجرة استضافة أكثر من 10 قواعد عسكرية» تتجاوز حجم المساعدات السنوية الاقتصادية والمالية.
مرجح أن الحكومة تتعامل مع «التداعيات والنتائج» الآن.
ليس سرا أن ترامب أربك كل من يشتري ويبيع في الأردن أو يصنع أو يزرع أو ينقل عندما فرض رسما جمركيا بقيمة «20 في المئة» على الصادرات الأردنية وأنه ـ أي ترامب ـ دفع المسؤولين إلى «بلع ريقهم» عندما استعمل عبارة
«يهودا والسامرة» مؤخرا بدلا من الضفة الغربية المحتلة.
شعور الأردنيين يتنامى بأن الأمريكي لم يعد مصدر ثقة وقواعده العسكرية يمكنها أن تنقلب ضد الأردن في أي لحظة
ولم يعد سرا أيضا أن خسائر القطاعات الأردنية بعد قرار تجميد أعمال «الوكالة الإنمائية الأمريكية» قد تصل إلى «مليار دولار» على الأقل، وأن السفارة الأردنية في واشنطن وهي بالمناسبة «كسولة» عموما لا تستطيع الادعاء بأن الإدارة الحالية ستعيد المساعدات الأمريكية كما كانت بدون «خصومات».
خسائر الأردن جراء «مقاولات» ترامب مع بنيامين نتنياهو وزمرته عمليا لا يمكن تسعيرها لا وطنيا ولا قيميا، وما يبدو للشعب والشارع أن التحالف بين «واشنطن» وإرهابيي تل أبيب لن يقف عند «قضم» مصالح أردنية كبرى وأساسية ويهددها، بل سيتجاوز في اتجاه صناعة «أزمة وفتنة» داخلية.
ممثل الخارجية الأمريكية في عمان نصح الأردنيين الذين تربطهم صلة عائلية بمقيمين بصورة غير شرعية في الولايات المتحدة بإعادتهم لأنهم «سيسجنون لفترات طويلة» وأغلب التقدير أن الخبراء يتوقعون «إلغاء تأشيرات» بالجملة لمئات الأردنيين قريبا أو في غضون أسابيع.
طبعا الذاكرة لم تغلق بعد صفحة ما فعله ترامب علنا ضد الأردن، لأنه يحافظ على موقفه الثوابت في القضية الفلسطينية وسيناريو «ريفييرا» في غزة لا يزال عالقا في وجدان الأردنيين لأنهم غير متأكدين بعد من تلاشي وذوبان سيناريو تهجير مليون مواطن من غزة إلى «الأردن».
مبكرا وصف ترامب بأنه «صديق للأردن» لكنه «يهدد العالم». مبكرا خرجت فكرة الاستعانة بـ«تكنوقراط أردنيين» محسوبين على دوائر الحزب الجمهوري خلال تشكيل حكومة جديدة عن سكتها لا بل سمعت أحدهم يقول بأن «الحزب الجمهوري» الذي يعرفه بعض رموز الحكومة الأردنية لم يعد قائما.
عمليا الصوت الرسمي والحكومي الآن فيما يتعلق بالتحالف مع الأمريكيين بين «المكتوم الحائر» و«المخنوق».
لم يعد ممكنا لأي خبير الادعاء بارتياح بأن سياسة «ربط الدينار بالدولار حصيفة وساحرة».
ولم يعد من الممكن وبسبب «إجراءات» وليس فرضيات التجرؤ على إعلان مواقف تسند فكرة بقاء العلاقة متألقة مع الأمريكيين لأن الارتباط فيهم في عالم اليوم أصبح يشكل خطرا وجوديا، والابتعاد عنهم طبعا كلفته مرتفعة ولابد من جرعات سوائل مدروسة ودقيقة لتفكيك «اللاصق».
شعور الأردنيين يتنامى بأن الأمريكي لم يعد مصدر ثقة وقواعده العسكرية يمكنها أن تنقلب ضد الأردن في أي لحظة، وكل الدلال التي حظيت به أمريكا على المستوى الرسمي تحول إلى علاقة ورقية افتراضية لأن ما يجري على الأرض عكسها تماما.
الحكومة تبدو مرتبكة ولا أجوبة لديها على أسئلة مواطنيها بخصوص الولايات المتحدة ومستقبل العلاقة معها.
تصلح هنا استعارة وزير خارجية أردني سابق ومخضرم وصف أمام كاتب هذه السطور الإمبراطورية الأمريكية بالعبارة التالية… «باخرة عملاقة تمضي بسرعة في البحر، القبطان فيها لا يعلم ما الذي تفعله سكرتيرته مع مسؤول الطاقم الأمني في الطابق السفلي». السؤال الموجه الآن لمن يقود القرار التنفيذي في بلادنا: هل سنتحدث مع القبطان أم مع السكرتيرة بعد الآن؟