«الأردن فقط»… و»سامحينا يا غزة»
جزء أساسي من مكونات انحياز شرائح اجتماعية أردنية عريضة لصالح المقاومة هدفه المركزي والمرجعي الدفاع عن «الدولة الأردنية»

صعب جدا الفصل بين مشاعر الأردنيين المستندة مرحليا إلى «مخاوف أطماع اليمين الإسرائيلي» وبين السعي المنهجي بيروقراطيا ورسميا وحكوميا إلى ضبط الإيقاع الشعبي على توقيت يحظر التضامن مع الشعب الفلسطيني أو المقاومة أو يعمل على شعار «الأردن فقط».
لن يؤمن الأردنيون بما يتبناه السياسيون العمليون والبراغماتيون بعنوان «نهتم بشأن بلادنا فقط في المرحلة الأصعب».
فهم العقل الجماعي للأردنيين لمقاربة «الاهتمام الوطني بالأردن» يستند إلى يقين بأن الارتباط بالقضية الفلسطينية ليس ترفا أو يمكن تأجيله، والحديث هنا ليس عن مشاعر وعلاقات اجتماعية بين شعبين فقط، ولا عن جغرافيا تحكم بل عن نمو فعال وسريع في رقعة المؤمنين بأن «إخضاع» الشعب الفلسطيني يعني أو سيعني لاحقا العمل على «استهداف الشعب الأردني» لأن اليمين الإسرائيلي «لن يشبع» وسيواصل الزحف والأهم لأن التحالف مع الأمريكيين في عقلية الأردنيين العامة لم يعد لا ضامنا ولا حاميا.
طبعا الحكومة والنخب الرسمية السياسية تفهم المعادلة في سياق آخر ومختلف.
والمطلوب فيما يتعلق بتشخيص مصلحة الأردن وموقعه إزاء التطورات المتسارعة التي تجري في القضية الفلسطينية حصرا المبادرة وفورا إلى لقاءات تحاورية جريئة تؤسس لمقاربة جماعية تجمع الأردنيين بدولتهم ومؤسساتهم.
مجددا ما يحرك مشاعر الأردنيين باتجاهات ما يجري في غزة ليس تنظميات الإسلام السياسي المحظورة أو القائمة وليس حركات المقاومة الفلسطينية بل حصرا الثقة بأن العدو الإسرائيلي «لن توقفه أي حدود».
مرة أخرى الشارع الأردني يؤمن بمقولة «اليوم بجارك… غدا بدارك». ليست حركة حماس هي المؤثر الأساسي عندما تطالب النشامى بالتحرك وليس خطابات التحريض ولا وجود خلايا في الداخل والخارج تحرض وتحترف التشكيك.
المؤثر المركزي هو هول الجريمة التي ارتكبها العدو بلا خجل أو وجل أو مخاوف ضد أهالي غزة وسعي الحكومة الإسرائيلية لتحويل حياة أهالي الضفة الغربية إلى «جحيم» لا ينفع معه إلا الترانسفير.
الشارع الأردني لم يعد يثق بالصداقة الأردنية – الأمريكية بعد ما فعله الأمريكيون من توفير كل أصناف الغطاء لجريمة الإبادة التي تمت بسلاح ومال أمريكي.
وقناعة الرأي العام راسخة بأن الولايات المتحدة بعد أحداث 7 أكتوبر لم تعد وسيطا أو شريكا بقدر ما تحولت إلى ماكينة تبرر الجريمة وتدعمها بصيغة تقلق لا بل ترعب المواطن الأردني وهي ماكينة يمكنها من أجل عيون الكيان الإسرائيلي «خيانة» الأردن حكومة وشعبا وبأي وقت.
جزء أساسي من مكونات انحياز شرائح اجتماعية أردنية عريضة لصالح المقاومة هدفه المركزي والمرجعي الدفاع عن «الدولة الأردنية»
جزء أساسي من مكونات انحياز شرائح اجتماعية أردنية عريضة لصالح المقاومة هدفه المركزي والمرجعي الدفاع عن «الدولة الأردنية» والحرص عليها ومن يخرج إلى الشارع وهو يصيح تضامنا مع غزة اليوم يفعل لأنه يفكر في الغد الوطني الأردني.
غير صحيح إطلاقا أن تنظيمات وتشكيلات في الخارج هي التي تساهم في التحريك بالداخل الأردني، فالجريمة الهمجية الإسرائيلية أكبر محرك بشري للجماهير الأردنية التي باتت على يقين بأن عمان مستهدفة بدرجة لا تقل عن خانيونس ونابلس وجنين.
من يكتب عبارة «سامحينا يا غزة» على سيارته ليس «مندسا» وليس في نيته مشاغلة الحكومة الأردنية أو تطبيق أجندات خارجية وهو ليس أكثر من مواطن أردني نقي يحركه الخوف ويريد لسيارته أن تستمر بالتحرك بحرية في شوارع عمان.
ومن يرفع صوته في الشارع داعيا إلى قطع العلاقات مع الكيان ليس عدوا لمصالح الدولة بل هو حريص استثنائي عليها بمعنى لفت النظر إلى الرأي القائل بأن إسرائيل انقلبت على الجميع وخانت الأردن وتخونه يوميا بكل إجراءاتها، خصوصا في الضفة الغربية لا بل تخنق الاستراتيجية الأردنية الثابتة ضد التهجير وتطاردها وتقل هوامش المناورة أمامها يوميا.
لا يتطلب الأمر المبالغة في الحديث عن»تشكيك مصنع بالخارج» ولا المغالاة في سياسات وإجراءات القمع البيروقراطي لحريات الناس ومواقفهم ومبادراتهم ولا يتطلب التراجع عن مستويات لائقة من الحريات الفردية تعوّد عليها الأردنيون ولا إشغال قوات الأمن والدرك باحتقان داخلي يمكن الاستغناء عنه.
من يريدون ضبط إيقاع الشارع الأردني عليهم التركيز على استراتيجية خشنة أكثر تأثيرا وجرأة في محاصرة الجريمة الإسرائيلية، والناس في شوارع عمان تخرج وتحتقن وتهتف من أجل المؤسسات الأردنية ولدعمها، وليس لأن أحدا ما حركها أو أثّر فيها أو لأنها جاهلة في معادلات الواقع الموضوعي.
المقاومة الفلسطينية ومع كل الملاحظات والتحفظات عليها تخدم أعماق الاستراتيجية الدفاعية الأردنية في سلوكها وموقفها ومصلحة الأردن المباشرة والأساسية تتطلب أن لا يخضع ولا يهزم ولا يستسلم الشعب الفلسطيني رغم كل التضحيات والأثمان العملاقة.
وترك هامش أمام الشعب الأردني ليعبر عن موقفه «ورقة تفاوض» استثنائية بيد الحكومة الأردنية في مواجهة «مقتضيات ما بعد جريمة الإبادة».
الحريات العامة مثل الديمقراطية «قوة وطاقة كامنة» يمكن الاستثمار فيها والعودة لإجراءات الاحتراز ومنع الوقفات والتشكيك بالهتافات ومحاكمة وملاحقة أصحاب الرأي لا تضمن للدولة التي تمثل الأردنيين وتعبر عن هويتهم موقعا متقدما في خارطة سايكس بيكو الجديد… العكس هو الصحيح تماما.