اراء و مقالات

أيها الأردنيين: «ساندوا بعضكم»

وجود رأي عام أردني يتطلب المشهد ضبطه بين الحين والآخر، سلاح صلب وبمنتهى القوة تترفع وزارة الخارجية الأردنية عن استخدامه رغم أنه متاح وبوفرة

«عشيرة ما فيها مجانين… ضاعت حقوقها» قد تكون تلك واحدة من أكثر المقولات والأمثال الشعبية ترديدا على ألسنة الناس خصوصا في الضفتين الغربية والشرقية لنهر الأردن لكنها تصبح عبارة بمضمون سياسي، إذا ما وقفت المؤسسة الأردنية حصريا أمام سؤال تقنية الرد والاشتباك على اليمين الإسرائيلي الموتور الذي يهدد ويعربد ويجرف في طريقه كل المعطيات مع فارق بسيط، هذه المرة قوامه أن العقلاء المفترضين في تصنيفات معسكر السلام العربي بدولة الكيان لم ينتخبهم أحد ولا يتواجدون في الواجهة. وقوامه أيضا أن المتطرفين هم الحكم، والحكم هم في الخديعة الكبرى التي تسمى إسرائيل.
أحد السياسيين الكبار في عمان يباغتني في ترديد تلك المقولة عن ضياع الحقوق والمصالح إذا ما تركت الأمور للمعتدلين والناعمين فقط. والمقصود في المجاز السياسي طبعا وقف حالة الضغط السياسية والبيروقراطية والأمنية على أصحاب المبدأ ودعاة المقاومة والرافضين من أبناء المكونات الاجتماعية. والأهم تمكين الشعب الأردني الذي يجامل السلطات كثيرا في مسار التكيف من التعبير، ليس فقط عن رأيه وموقفه ومشاعره، ولكن عن استعداده أيضا للعودة لملامح الخطاب الوطني الأولى حيث تحرير فلسطين من البحر إلى النهر وحق العودة، وحيث بالمناسبة الدفاع أيضا عن الوصاية الأردنية الهاشمية عن القدس.
النخب الرسمية المحلية تلعب في كل أوراق التطبيع والسلام والمسار الدبلوماسي، ولا تريد أن تقر وتعترف اليوم بأن الموتورين في الكيان المحتل يأكلون الأخضر واليابس ويهددون الأمن القومي للدولة والنظام في الأردن، وغرورهم وصل الى حد التوسع في بناء مستوطنات تهدد عمان والقاهرة وبغداد ومكة، بعدما أخضعت بالجغرافيا والرصاص والإرهاب المؤسسي نابلس ورام الله والقدس.
بكل حال يصر جميع العقلاء الذين نلتقيهم بين الحين والآخر في العاصمة الأردنية، على أن السماح للمتطرفين في عشقهم سواء للقدس أو لبلادهم بالحد الأدنى بالتعبير عن رأيهم في مواجهة عملية القضم للإنسان والمكان التي يمارسها الإسرائيلي اليميني المتطرف، ويفرضها كواقع موضوعي على الأرض.
لا يتعلق الأمر بإعلان الحرب على الإسرائيليين ولا بالتصدي لهم عسكريا بل يتعلق بتوجيه رسائل لهم تفيد بأن المؤسسة الرسمية الأردنية لديها مصالح أساسية ومفصلية ليست من الصنف الذي يمكن تقديم تسهيلات أو تنزيلات عليه.
يسأل أحدهم أمامي: لماذا لا يتذوق الإسرائيلي من نفس الكأس ولو من باب التضاد أو لفت النظر؟.. لماذا يستطيع الإسرائيلي توزير صاحب سجل جنائي وإجرامي وتمكينه من تدنيس المسجد الأقصى، فيما لا تسمح الحكومة الأردنية لشعبها بالتعبير عن رأيه لا بل عن موقفه المبدئي دفاعا عن الخطاب الرسمي والوصاية وليس عن أي شيء آخر؟

وجود رأي عام أردني يتطلب المشهد ضبطه بين الحين والآخر، سلاح صلب وبمنتهى القوة تترفع وزارة الخارجية الأردنية عن استخدامه رغم أنه متاح وبوفرة

أسئلة تبدو حرجة قليلا. لكن فكرة وجود رأي عام أردني يتطلب المشهد ضبطه بين الحين والآخر، سلاح صلب وبمنتهى القوة تترفع وزارة الخارجية الأردنية عن استخدامه رغم أنه متاح وبوفرة. ثمة تساؤلات أصغر كثيرا تتزاحم في الساحة فيما الإسرائيلي يعتدي على مقدسات وثوابت الأردنيين يوميا.
وثمة مقاربات بالجملة لا أحد يفهمها بعد مع أن الثابت المرجعي معلن بخصوص ملف القدس، حيث لا يسمح بعقد مؤتمرات ولا حتى معارض فنية تحت عنوان الثابت في الحرم القدسي الشريف وأيضا في الوصاية.
عندما نتخيل كأردنيين لا نفهم تلك المعادلة التي تجعل دولة بعيدة عن فلسطين مثل الجزائر مهبطا لكل النخب والفصائل الفلسطينية فيما لا يستطيع الفلسطيني في الشتات تنظيم ولو اجتماع واحد في عمان يرفع شعار حق العودة وعروبة القدس، أما التيار الإسلامي ومع أنه جزء أصيل من النظام والدولة والمجتمع فتطارد نشاطاته وتفاعلاته تحت نفس العناوين. الأردن على أطول جبهة مع كيان الاحتلال والأرض الطاهرة. والأردن نصف شعبه على الأقل مكون فلسطيني وفيه أكبر كتلة ديمغرافية من اللاجئين الفلسطينيين الأردنيين. رغم ذلك لا نرى نشاطا وطنيا أو جماهيريا لدعم الدور الأردني الرسمي في البلاد، ورغم ذلك تتمسك نخب الأمر الواقع بحسابات وحساسيات الماضي المرتبطة بالقضية الفلسطينية، فيما لا نرى اجتماعات فلسطينية، ولا استضافات ولا مؤتمرات ولا مكاتب أو لقاءات مع فصائل المقاومة أو حتى حوارات مع المعتدلين من بينها.
لغز محير فعلا… المؤسسة الأردنية ترفع شعار الخطوط الحمراء والثوابت تنفيذيا وإجرائيا، لكنها لا تريد تغيير عقيدتها العميقة في المفاصل الأساسية عند الاشتباك مع العدو الذي يخطط جهارا نهارا لالتهام الأردن وتغيير المعادلات، فيما تنشط الحكومة المحلية بمعلبات مسار التكيف وتكميم أفواه الأردنيين.
مشهد يبدو أحيانا عصيا على الفهم: لماذا لا تستخدم المؤسسة الأردنية الذخائر الشعبية والسياسية والاجتماعية المتاحة بكثرة بين يديها في تحسين الموقع التفاوضي مع الجار العدو؟
يحتاج الأردني اليوم لمشهد «ملموم» وطنيا… وصدق زميل وهو يردد «أهزوجة الحاجة الفلسطينية» محليا… «شدوا بعضكم يا الأردنيين…شدوا بعضكم»

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading