اراء و مقالات

الأردن في بلاد «الأتراك»

ما نأمله عموما أن يكتمل الحراك الدبلوماسي والسياسي الأردني النشط الملحوظ مؤخرا في كل الاتجاهات والملفات وقطع المزيد من المسافات في اتجاه الحرص على استقلالية القرار السياسي

الزيارة التي قام بها إلى أنقرة منتصف الأسبوع وفد أردني رفيع المستوى في المكان والتوقيت والاتجاه المناسب، على أمل أن تساهم في تثبيت قواعد جديدة للعلاقة مع دولة جارة ومهمة مثل تركيا بما يضمن تكريس قواعد حسن الجوار وتجويد التفاعل.
تلك الزيارة على الأرجح تشكل استجابة تكتيكية أردنية محمودة للتطورات الاستثنائية التي تشهدها المنطقة خصوصا بعد المتغير السوري.
ومع أن مثل هذه الزيارة متأخرة في التوقيت السياسي يمكن القول بعدم وجود المزيد من المبررات بعد الآن لبقاء حلقة العلاقات الأردنية التركية فارغة أو شبه متجمدة حيث التحولات الإقليمية لا تسمح بذلك.
وحيث أن تأتي متأخرا خير من أن لا تأتي خلافا لأن مصالح الأردن الأساسية ينبغي أن تبقى هي الهدف للقاصي والداني، وينبغي أن تشكل الدوافع لترسيم الحركة الاستراتيجية والسياسية في اتجاه الدفاع عن مصالح الدولة الأردنية في كل حال.
الزيارة تلك بهذا المعنى نعتبرها خطوة مباركة وفي الاتجاه الصحيح تساعد في ترك منطقة التحفظ والخلاف والتجاذبات وتنشيط آلية للتفاهم، ولو على المصالح الحيوية بدلا من ترك ملف العلاقات بين بلادنا وبلاد الأتراك نهبا للتأويلات والتكهنات أو مساحة حيوية لإظهار الخلافات في جهات النظر فقط.
ما نأمله عموما أن يكتمل الحراك الدبلوماسي والسياسي الأردني النشط الملحوظ مؤخرا في كل الاتجاهات والملفات وقطع المزيد من المسافات في اتجاه الحرص على استقلالية القرار السياسي الأردني، وفي اتجاه التحرر بعد الآن من بعض تلك القواعد القديمة التي اعتمدتها حكومة بلادنا في إدارة علاقاتها الإقليمية والدولية بناء على حسابات الآخرين.
الشركاء العرب والغربيون على أهمية ملاعبتهم والبقاء إلى جانبهم، ينبغي أن يخف تأثيرهم بعد الآن على اندفاعات الأردن في جزئية علاقاته الدولية والإقليمية، ومن جاملناهم كأردنيين طوال سنوات على حساب علاقاتنا ومصالحنا مع دول مهمة في المنطقة مثل إيران وتركيا لم يحسبوا حساب الأردن، لا بل يمكنهم تركه مصلحيا لتعزيز مصالحهم دون توجيه اللوم إليهم.
نصفق للوعي الدبلوماسي الناضج الجديد الذي بدأت مؤشراته تظهر في عمان وفكرته أن الأردن كان ولا يزال يمثل دولة صلبة وقوية ولديها إطار قيمي أخلاقي، ودولة من أهم ميزاتها القدرة على مخاطبة جميع الأطراف.
نصفق للمعادلة التي تقول بأن على عمان الاحتراز لمصالحها بالمقام الأول وتجاوز مسألة النظر للدول الأخرى في الإقليم بعيون الدول الصديقة والشقيقة والشريكة حيث يتحرز كل طرف على مصالحه اليوم.

ما نأمله عموما أن يكتمل الحراك الدبلوماسي والسياسي الأردني النشط الملحوظ مؤخرا في كل الاتجاهات والملفات وقطع المزيد من المسافات في اتجاه الحرص على استقلالية القرار السياسي

وحيث الشعب الأردني بالمقام الأول والأساسي يحترم تركيا وقيادتها ودورها ولا يحتفظ بأي سجل تحت عنوان إيذاء الأردن والأردنيين.
سبق أن عانت بلادنا من فكرة مجاملة بعض الأشقاء على حساب مصالح الأردنيين حيث الدول التي جاملناها مرارا وتكرارا التفت من وراء الظهر، وأقامت علاقات جيدة مع بعض الدول التي قاطعناها تحت عنوان إما للتخويف من الإسلام السياسي الذي أصبح فزاعة لا معنى لها، أو التركيز على سيناريو عدم التدخل في شؤون العرب.
لا يوجد اليوم في الوقائع كيان حقيقي يحترم وله دور اسمه النظام الرسمي العربي، وما كان يسمى بدول معسكر السلام سقط سقوطا ذريعا على أعتاب مجزرة الإبادة التي يرتكبها المتطرفون في إسرائيل والولايات المتحدة وبعض الدول الغربية ضد الأطفال والنساء في قطاع غزة ولاحقا في جنوب لبنان.
تنفيذ زيارة رفيعة المستوى إلى أنقرة في هذا التوقيت الحساس لا بل التأسيس لتفاهمات قائمة على تبادل المصالح خطوة في غاية العمق والحكمة، ومن يستطيع أحيانا النوم في الغرفة نفسها مع مجرمين أوغاد يمثلون الكيان الإسرائيلي الإرهابي وينشطون مع الوحش الإسرائيلي يمكنه التكيف أو التفاهم مع الدب التركي إذا اقتضى الأمر.
حذرنا كأردنيين لسنوات مما سمي بالهلال الشيعي وبعد السقوط الذي يؤيده الشعب الأردني للنظام السوري المخلوع لا ينبغي التردد عندما يتعلق الأمر بملامسة الهلال السني الجديد، فهو جزء من هويتنا وتوفير ملاذ آمن لمصالح الأردن في مواجهة أطماع مجانين تل أبيب الموتورين يتطلب حكما وضع الكتف إلى جانب الكتف مع دولة مثل تركيا، يمكنها المساهمة في احتواء جزء من ضغط اليمين الإسرائيلي الطامع مع وضع ضوابط لأطماعها في النفوذ والحركة.
لا يجوز العمل ضد الهلال الشيعي ثم البقاء بعيدا عن الهلال السني عندنا يتشكل بحكم الواقع الموضوعي.
بعد التحول في سوريا الانفتاح على تركيا خطوة مباركة وصحيحة، وتعبر عن مرونة مطلوبة فيها ما يكفي من النضج والوعي.
طوال سنوات تطالب كل المكونات الخبيرة حكومة الأردن بتنويع مصادرها وتحالفاتها.
وطوال سنوات عديدة كانت فكرة إقامة علاقات متزنة وقوية مع تركيا مطروحة في كل الأروقة والتوصيات لكن تم إنكارها وتجاهلها عدة مرات وما يحصل الآن في محور أنقرة -عمان محاولة إيجابية لطي الصفحة والتأسيس لصفحة جديدة.
نعم وباختصار يمكن التفاهم مع تركيا وحتى مع الإسلام السياسي…لا ضير ولا ضرر بالتجربة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading