اراء و مقالات

الأردن في معادلة «التصفيق» للصواريخ ثم «إسقاطها».. الامتحان الأصعب: «صلاحية الحياد العملياتي.. إلى متى؟

بدأت تلك الشروحات فنية وتقنية وعسكرية الطابع، تلقى آثاراً سريعة لأنها تشرح ما يمكن شرحه طبعاً أثناء الإجابة عن سؤال يتحول إلى سياسي وشعبي وإعلامي، بعنوان أهداف وخلفيات النشاط الدفاعي الجوي الأردني في عمق مشهد التصعيد العسكري بين إيران وإسرائيل؟

عمان- «القدس العربي»: الشروحات التي بدأت تقدمها السلطات الأردنية المختصة، للرأي العام ووسائل الإعلام بهدف احتواء التشكيك بالموقف العملياتي وطمأنة الشارع على أمنه ومصالحه بدأت تتطرق خلال اليومين الماضيين بوضوح إلى التفاصيل، خصوصاً من طراز تلك التفاصيل التي ليس شرطاً شرحها للجمهور، الأمر الذي يعكس مجدداً تراكم الانطباع حتى في عمق غرف القرار بأن وسائل وأذرع الإعلام الرسمي تواصل الإخفاق في الشرح والتفصيل وضبط إيقاع الرواية.
بدأت تلك الشروحات فنية وتقنية وعسكرية الطابع، تلقى آثاراً سريعة لأنها تشرح ما يمكن شرحه طبعاً أثناء الإجابة عن سؤال يتحول إلى سياسي وشعبي وإعلامي، بعنوان أهداف وخلفيات النشاط الدفاعي الجوي الأردني في عمق مشهد التصعيد العسكري بين إيران وإسرائيل؟
ذلك سؤال الإجابة عليه ليست مهمة بسيطة في الواقع في ظل وجود حاضنة اجتماعية عريضة تؤيد المقاومة ومحورها، أو بدأت ترى باسم الأردنيين في إسرائيل وامتداد نفوذها الخطر الأكبر على مشروع المملكة الأردنية الهاشمية ذاته.
ويصبح التعقيد أكبر عند تحصيل إجابة على ذلك السؤال؛ لأن الحاضنة الاجتماعية التي لا تؤيد في السياسة والبيان ما يسمى بمحور المقاومة، تصفق للصواريخ الإيرانية بحرارة شعبية واضحة، لا بل تحتفي بها وهي في طريقها إلى الكيان الإسرائيلي، حيث مشاعر عفوية من الأردنيين الذين يسارعون لمتابعة الصواريخ والتقاط الصور لها بدلاً من الاختباء منها، في مناخ شعبوي لا يمكن إغفاله ولا إنكاره على مستوى صناعة القرار السياسي أيضاً، وحتى العملياتي أحياناً.
عنوان المناخ الشعبي الأعرض يفيد بأن الدولة، بصرف النظر عن خياراتها وتدوير زوايا المصالح في قاموسها، تعرف مسبقاً مزاج شعبها لا بل موقفه الذي لم يعد يقبل القسمة على وجهتي نظر في جزئية السلام الميت، مادامت جرائم الكيان الإسرائيلي متواصلة.
التقط الخبير العسكري والمتخصص بالدفاع الجوي محمد المقابلة، هذه المفارقة جزئياً بصورة تلميحية عندما تحدث إلى إذاعة حسنى المحلية قائلاً إن إسرائيل تعرف بأن الشعب الأردني «يغلي»، متوقعاً أن الجانب الإسرائيلي ليس بصدد التفكير أصلاً باستخدام الأجواء الأردنية في الانتقال لضرب إيران.
ما يلمح له المقابلة هنا، أسباب ومبررات التموقع العملياتي الأردني في مواجهة حالة العزلة الجغرافية بين حرب عسكرية لطرفين لا ينتمي الأردن في السياسة والأيديولوجيا إلى أي منهما.
مبكراً، أشار الخبير العسكري نضال أبو زيد إلى ذلك عندما استفسرت منه «القدس العربي»، فأدانت المرجعية الأردنية إسرائيل وأظهرت تضامناً في الموقف مع إيران.
لكن القرار السيادي اتخذ بإغلاق الأجواء الأردنية تماماً على أي جسم طائر ودخيل.
ما يعنيه ذلك -حسب خبير الدفاع الجوي، المقابلة- هو في كل بساطة المبادرة وبدون تردد مادامت الأوامر قد صدرت بإغلاق المجال الجوي بإسقاط أي جسم طائر يخترق سماء المملكة بصرف النظر عن هويته وهدفه.
معادلة الأردن الاستراتيجية السياسية كانت مباشرة وصريحة، وفكرتها: الطائرات الإسرائيلية لا تستطيع العبور عبر الأجواء الأردنية في دربها للهجوم على إيران، أما المسيرات والصواريخ والمقذوفات الإيرانية التي تحاول العبور فسيتم إسقاطها مادام ذلك ميسوراً ومتاحاً بطبيعة الحال.
والقوات المسلحة الأردنية قالتها بوضوح على لسان مسؤول التوجيه المعنوي فيها وعلى شاشة التلفزيون: «قرار المملكة وسياستها هو النأي بالنفس».
النأي بالنفس عبارة كانت قد أشارت لها «القدس العربي» في تقرير سابق، والفهم المباشر لها سياسياً واضح، وهو أن الأردن ليس ولا يعتبر نفسه طرفاً في هذه المعركة، ولن يسمح -كما قال الملك عبد الله الثاني، شخصياً- بأن يصبح ساحة صراع بين أجندتي إيران وإسرائيل.
المقتضى العملياتي الأمني لهذا القرار المرجعي أكثر وضوحاً، وتؤشر عليه نشاطات الدفاع الجوي الأردني بعيداً عن التساؤلات التشكيكية هنا أو الغرق في النوايا هناك.
الأردن في نهاية المطاف لا يمكن الاعتراض على منطقه عندما يعلن بان امن الأجواء والارض الاردنية هو الأولوية لأن أي تساهل برأي غرفة القرار العميقة في مبدا الأولوية الوطنية هنا قد يوحي بأن البلاد متاحة لأطماع أي من طرفي الصراع.
الأكثر أهمية في سياق النقاشات التي بدأت تثيرها حتى خبرات عسكرية من المتقاعدين أحياناً هي تلك الإشارة إلى أن من يحاول التأثير على سياسة النأي بالنفس والحياد العملياتي في الواقع الموضوعي قد لا تكون إسرائيل.
وهذا ما يلمح له الجنرال المتقاعد رضا البطوش، وهو يشير إلى جهات إقليمية تسعى إلى إيجاد مساحة لها في الأردن على حساب الأمن الوطني.
قبل ذلك، تحدث ناطق عسكري بوضوح تلميحي إلى أن جهة في الصراع الحالي هي التي تحاول جر الأردن.
المقصود هنا إيران طبعاً، من باب الإشارة للوقائع وليس نفي التهمة عن إسرائيل، وهو ما يظهر بأن الحرب الحالية بين طهران وتل أبيب رفعت من مستوى هواجس الأردن المرتبطة حصراً بقراره المرجعي العميق بالنأي بالنفس وعدم التدخل.
وهو ذاته القرار الذي يبرر النشاط الدفاعي الجوي ضد اختراقات الأجسام الطائرة الإيرانية بصرف النظر عن الكلفة الشعبوية الناتجة عن ذلك النشاط، ما يقود إلى خلاصات واستنتاجات لا بد مجدداً من التوقف عندها لتقليب الخيارات.
حتى اليوم الرابع من الصراع وبعد إسقاط أكثر من 60 جسماً وشظية، يمكن القول بأن معايير الحياد العملياتي تطبق بالتزام من الناحية العملية، حتى الآن على الأقل.
المقلق أكثر هو استمرار الصراع ليس فقط بسبب انعكاس استمراره على استنزاف هوامش المناورة الأردنية الاضطرارية فقط، ولكن لأن اللحظة الأصعب والأكثر خشونة إذا ما استمر الصراع الحالي، ستكون هي تلك التي تضغط فيها كل الأطراف على الجغرافيا الأردنية لتغيير معادلة الحياد العملياتي لصالح طرف «يتألم» من الطرفين.. هنا قد يكمن الامتحان الأصعب.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading