الأردن في معضلة «ما تبقى من أصدقاء في واشنطن»
الصين ـ إيران و«الشيفرة» اللغز في تحذير السيناتور ماست

عمان ـ «القدس العربي»: لا أحد يعلم بعد ما هي صيغة الرد الأردني حصراً المعتمدة أو الممكنة على الملاحظة التي طرحها وتقدم بها برايان ماست، السيناتور الجمهوري البارز المؤيد لإسرائيل، على طاولة عشاء سفراء عرب في واشنطن، بينهم ممثلون للسفارة الأردنية، عندما قال عبارة أثارت الجدل «عليكم الاختيار بين الولايات المتحدة ومحور الصين ـ إيران».
تبدو عبارة تلوح بالتهديد أكثر مما تقر أمراً واقعاً. لكنها عبارة ملتبسة في كل حال، تعيد تحريك هواجس بوصلة القرار الأردنية التي تمضي ما بين الصدمة والذهول، ثم المفاجأة عندما يتعلق الأمر بمحاولة فهم وتفكيك رموز الإدارة الأمريكية الحالية.
العلاقات مع واشنطن في هذه المرحلة الحساسة أشبه بالسير بين حقل ألغام. وهو تعبير استعمله مسؤول بارز جداً في اجتماعات سيادية مؤخراً. ويعرف الأردنيون ميول وانحيازات السيناتور ماست، الموصوف بأنه من صقور الجمهوريين. لكنهم يعرفون في المقابل، أن فكرة ما تبقى لهم من أصدقاء في واشنطن محشورة اليوم بين حنايا وزوايا اللجان التشريعية والرقابية الأساسية في الكونغرس حيث مصالح الأردن، وثمة طريق لرعايتها دوماً عبر الأصدقاء أو بقاياهم في الكونغرس، كما صرح وزير الخارجية ألأسبق الدكتور مروان المعشر، في إحدى الندوات السياسية قبل أن يعلن بأن الحزب الجمهوري القديم لم يعد موجوداً.
عبارة غامضة
مجدداً، إطلاق السيناتور ماست، عبارته الغامضة وسط وجود خمسة على الأقل من السفراء العرب، يعني الكثير، أو لا يعني شيئاً؛ لأن المركز في وزارة الخارجية الأردنية لم تصله لا توضيحات ولا شروحات بعد من طاقم السفارة في واشنطن بعنوان الدلالات والترميزات في الشيفرة التي طالب السيناتور ماست السفراء العرب بتفكيكها.
وجهة نظر المراقب والحلل السياسي الأمريكي الفلسطيني الدكتور سنان شقديح، لا بد من فهم الاعتبارات والدلالات ـ أردنياً على الأقل ـ ويسأل شقديح عبر «القدس العربي»: هل ما قاله ماست وهو يحذر من محور الصين ـ إيران، تهديد مشفر أم رسالة لبلد مثل الأردن من رئيس لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس؟
هي رسالة تبدو غريبة في كل حال، بعدما بذل الأردن مجهوده في التصدي للصواريخ الإيرانية التي حاولت عبور الأجواء الأردنية، ما يضفي المزيد من الغموض والإرهاق التحليلي على تلك العبارة الشاردة للسيناتور ماست. وأخبر السيناتور المتشدد في دعم إسرائيل كل من لاقاهم من السفراء بأن عليهم معرفة إلى أي جانب يقفون فيه: أمريكا أم الصين وإيران؟ لاحقاً، وصف الأمر بأنه لعبة شطرنج لا بد من تحديد الجانب الذي تقف فيه عندها.
في كل حال، وعلى مستوى الدائرة السياسية الأردنية المغلقة، يتراكم الإرهاق الناتج عن تصريحات وتحذيرات رموز أساسية في الإدارة الأمريكية الجمهورية الحالية.
الصين ـ إيران و«الشيفرة» اللغز في تحذير السيناتور ماست
وقبل رسالة ماست الغامضة والغريبة، كان السفير الأمريكي في تل أبيب مايك هاكابي، ينسف منطوق ومحتوى الوصاية الأردنية على القدس تماماً، وبصيغة عدائية، وهو يعتبر المدينة المقدسة يهودية، فيما عدد أصدقاء عمان في واشنطن يستسلمون للموجة العاتية في الإدارة الأمريكية التي بدأت تمارس سيناريو «إسرائيل ومصالحها أولاً».
أحد خبراء الدبلوماسية الأردنية همس في أذن «القدس العربي» مؤخراً وهو يقول «اليمين الإسرائيلي ابتلع أصدقاء وشركاء الأردن في الدولة العميقة في الكيان، واليمين الأمريكي يبتلع يومياً قدامى الأصدقاء في الحزب الجمهوري ومجلسي النواب والشيوخ».
قالها المحلل السياسي عريب الرنتاوي، بوضوح أمام «القدس العربي» وبعنوان «الأردن يفقد تأثيره ونفوذه، ليس في المعادلة الإسرائيلية فقط، ولكن في المعادلة الأمريكية أيضاً». ومن وجهة نظر شقديح، أن الدبلوماسية الأردنية في واشنطن لديها فرص ومساحات مناورة لتحقيق وجمع مكاسب، لكن الإنتاجية بطيئة وزاحفة، وأي فرص ـ خصوصاً مع رجال الكونغرس ـ لا تبقى معروضة على الطاولة لوقت طويل، فيما الحضور المرجعي فقط هو العنصر الأبرز في الحفاظ على المصالح العليا.
«تصريح مهم وخطير»
تصريح السيناتور ماست ـ في رأي شقديح ـ مهم وخطير وعنصر أساسي في إعادة فهم زوايا المصالح الأردنية دون فهم المقصود والانطباع. وعندما يتعلق الأمر بالتحذير من الصين وإيران، قد يوحي بضغط أمريكي حساس يحاول التأسيس لقطيعة بين دولة مثل الصين ودول أخرى حليفة لأمريكا في المنطقة مثل الأردن.
ليس سراً هنا أن فهم حملات الشيطنة الإعلامية الرسمية الأردنية ضد إيران وإظهارها بالدولة التي تستدرج الأردن للصراع قد يكون مرتبطاً بمؤشرات التهديد في تصريح السيناتور ماست.
وليس سراً أن بعض الخبراء والمراقبين يقترحون مسبقاً سيناريو الصفحة التالية في الملف الإيراني، وهي العودة لتشكيل حلف يجمع إسرائيل ودول المنطقة لإخراج النظام الإيراني عسكرياً وسياسياً من الخارطة، وقد ينطوي تحذير السيناتور ماست على إشارة ملغزة هنا، أو على شيفرة ما يفترض بعواصم العرب وعلى رأسها لا بل أهمها عمان، أن تعمل على تفكيكها.
لا علاقات تحالفية بين الأردن والصين سياسياً أو عسكرياً أو حتى استراتيجياً من الصنف الذي يمكن أن يقلق لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس الأمريكي.
لكن الأردن يستورد بضائع كثيرة ومنتجات من الصين، والتقنية الصينية في إنتاج الكهرباء من الصخر الزيتي كانت البديل الموضوعي الآمن عندما انقطعت واردات الغاز الإسرائيلي عن الأردن في حرب إسرائيل وعدوانها ضد إيران مؤخراً.
الأردن قرر استراتيجية النأي بالنفس عن الصراع الإسرائيلي الإيراني. لكن السؤال عن إمكانية الاحتفاظ بنفس استراتيجية النأي بالنفس إذا ما تحول الصراع إلى أمريكي إيراني أو أمريكي ايراني صيني، وهو الإيحاء الواضح في تعليقات السيناتور ماست.