الأردن: قيمة «المايكروفون» تتصدر و«مزايدات» بالجملة باسم «حرب ضد الفساد» تشمل وزراء ونواباً
بداية مبكرة لموسم الانتخابات و«قانونية» مجلس النواب تحت ضغط عنيف
تبدو أقرب لمواجهة «تصفية حسابات» سيغرق فيها الجميع سياسياً وشعبوياً أكثر من كونها حرباً حقيقية لها علاقة بملفات فساد. النيابة الأردنية تطلب الإذن لإخضاع وزيرين سابقين للتحقيق متهمين بـ«استغلال الوظيفة»، ومحكمة أمن الدولة تفرج عن «متهمين» في قضية التبغ والسجائر.
في الأثناء، يتهم نائب في البرلمان رئيسه بعدم اتخاذ خطوة دستورية بخصوص التحقيق مع وزيرين سابقين، فيرد المكتب الدائم ويتهم النائب نفسه بـ«التضليل».
ويغرق البرلمان في النقاش والجدل الناتج عن تحويل مذكرة رفع للحصانة البرلمانية عن عضوين في مجلس النواب ثم تتسرب المعطيات عن احتمالية التحقيق مع شخصيات سياسية كبيرة جداً في إطار تحقيقات هيئة مكافحة الفساد في ملفات شركات مساهمة عامة.
موسم الانتخابات البرلمانية على الأبواب، والبرلمان في دورته العادية الأخيرة حيث تعلو قيمة «المايكروفون» على أي قيمة أخرى لمخاطبة غرائز الناخبين، وحيث تصبح الحكومات بالعادة ضعيفة وفاقدة لهوامش المبادرة والمناورة، وينتهي المشهد بتحفظ الاستثمار والمساس بسمعة البلاد.
في كل حال، تقدم النائب العام بمذكرة خاصة يطلب فيها الإذن بالتحقيق مع وزيرين سابقين بحكم الدستور الذي لا يجيز خضوع الوزير السابق للتحقيق إلا بأذنه ولا يحاكم إلا عبره بأغلبية الثلثين.
لم تنشر النيابة أسماء محددة.
لكن تقارير متزاحمة رجحت أن توجه تهمة «إساءة استغلال الوظيفة العامة» لوزيرين سابقين للأشغال والبيئة، كلاهما من الوزراء الفنيين الذين يصعب تثبيت اتهامات لها علاقة بالتقدير الفني لهما. لكنهما على الطريق في درب تصفية الحسابات السياسية التي فقدت القدرة على التمييز، حيث محاكم نشطة باسم الشارع لا ترحم ولا تنتظر كلمة القضاء أصلاً، وتمارس بهوس الشغف أولاً باتهام جميع المسؤولين السابقين بدون استثناء، وثانياً الشغف برؤية أسماء كبيرة خلف القضبان.
نسيت منصات الأردنيين الاجتماعية إمبراطور التبغ عوني مطيع وقصته المثيرة، ويتم التركيز حالياً على قضية التحقيق مع وزيرين سابقين، والنائب محمد رياطي اتهم علناً رئاسة مجلس النواب بالتباطؤ في إحالة ملف وزيرين سابقين للتحقيق، فرد عليه المكتب الدائم بنشر وثيقة تثبت عكس التهمة وتتهم بالتوازي الرياطي بالتضليل.
تحولت ملفات التحقيق بالفساد المفترض إلى سوق مزايدات، ووجد أعضاء البرلمان أنفسهم أمام استحقاقات التنابز وتوزيع الاتهامات بكل اتجاهات، وبدون وجود فلاتر قوية وصلبة تؤمن بقانونية الاشتباه ودستورية الاتهام ومعايير الإنصاف والعدالة في المحاكمات.
وسبق ذلك، بطبيعة الحال، مبادرة للقطب البرلماني خليل عطية، جدد التأكيد عليها عبر «القدس العربي»، تحاول مناقشة أسباب التوقيف أثناء مراحل التحقيق في القضايا المتعلقة بالشركات المساهمة العامة، حيث عقوبات التوقيف قبل توجيه الاتهامات رسمياً. وقبل ذلك أيضاً اشتكت هيئة مكافحة الفساد علناً من محاولات تشويه نشاطها الوطني، واعتبرت أن معركتها بموجب القانون ضد كل مؤشرات ومظاهر الفساد ستتواصل بالرغم من الغبار والضجيج الذي يثيره المتضررون.
الأهم في الأثناء أن الحكومة هي الأخرى تشارك في موسم الاشتباه والمزايدات، وفي تزامن غير مسيس، عندما تطلب رفع الحصانة عن عضوين في البرلمان لأغراض التمكن من إخضاعهما للتحقيق، وسط انطباع يتنامى باحتمالية وجود أجندة سياسية تتبع الحكومة، وهو طبعاً ما لا يمكن إثباته بكل الأحوال.
ليس لأن التسييس والانتقاء في متابعات ملفات الفساد والتحقيق أصبح يثير النقاش بين الحين والآخر، ولكن أيضاً لأن الرأي العام لا يبدو مطمئناً لما يمكن تسميته بتصفية حسابات سياسية مع أعضاء مناكفين في البرلمان تحت يافطة دعاوى وشكاوى سجلت ضدهم من أفراد.
حصل ذلك في طبيعة الحال مع النائبين غازي الهواملة وصداح الحباشنة، بالتزامن، حيث ترزح اللجنة القانونية في مجلس النواب اليوم تحت ضغط عنيف من كل الاتجاهات، لأن المطلوب منها ترسيم قرارين، يخص الأول وزيرين قيد الاتهام، والمحاكمة لا تجوز مقاضاتهما أصلاً إلا بقرار من مجلس النواب.
ويخص الثاني عضوين من زملاء اللجنة في مجلس النواب، وهما المحامي غازي الهواملة المطلوب رفع الحصانة عنه بناء على شكوى من أحد موكليه دققتها هيئة مكافحة الفساد، والثاني هو النائب الدكتور صداح الحباشنة الذي يشتكي عليه بتهمة القدح والذم والتشهير محافظ مدينة العقبة جمال الفايز، وهو موظف رفيع في وزارة الداخلية.
طبيعي هنا أن يتهم النائبان بالتصيد لهما ويؤشران إلى تصفية حسابات سياسية معهما، في محاولة لتأسيس قناعات عند الجمهور خارج إطار حيثيات المسار القانوني والقضائي، حيث حقوق الشكوى للأفراد ونزاهة القضاء المعروفة التي لا تتأثر بالرسمي أو بالشعبوي. في المحصلة، تنمو مواسم المزايدات الآن عشية انتخابات عامة من الواضح أنها ستكون مثيرة للجدل.
ومن الواضح في المقابل أن أسماء كبيرة في طريقها للتدقيق والتحقيق أيضاً، أما الضحية فهي مجدداً سمعة البلاد والعباد.