اراء و مقالات

الأردن: كل الأعين تراقب الحدود مع سوريا والعراق والبحر الأحمر

عمان- «القدس العربي»: عين الأردن الحريصة والعميقة اتجهت فوراً إلى الواجهة الشرقية والشمالية حيث الحدود مع العراق وسوريا بعدما قرعت بعض طبول الحرب ضد لبنان.
مبكراً، حذر الأردن الرسمي الإدارة الأمريكية والحلفاء الغربيين من السماح باندلاع مواجهة بعد عدوان إسرائيلي محتمل وجديد على لبنان.
ومبكراً، اعتبر الأردنيون رسمياً بأن احتمالات الصدام الإقليمي المفتوح باتت أكثر. وفيما زار العاهل الملك عبد الله الثاني فوراً أمس الأول قيادة الأركان في بلاده واجتمع بكبار الضباط، التقطت مجسات مؤسسات الطيران الأردنية ما هو جوهري في طبول الحرب، وأعلنت وقف الرحلات من مطار عمان إلى مطار بيروت من بعد ظهر أمس الإثنين وطوال يوم الثلاثاء.
هنا يمكن رصد المؤسسات الأردنية وهي تحقق الاستجابة المطلوبة تحت عنوان الحذر والحيطة لأسوأ الخيارات.
وهنا أيضاً رفقة طبول الحرب ضد لبنان، تقرع كل أجراس الإنذار الأردنية الخاصة بالواجهة الشرقية حصراً، ثم بالحدود مع سوريا حيث الرقابة أمنية الطابع قد تصل إلى مستويات الطوارئ.
لأن الواجب الأساسي والأول الذي يتخيله الجميع في حال اتساع رقعة الصراع العسكري هو ما كان قد ذكره مبكراً لـ “القدس العربي” السياسي والخبير الدكتور جواد العناني، عندما تحدث عن الأولوية الأردنية، وهي منع تحول الأرض الأردنية إلى ساحة صراع بين اتجاهين متحاربين في إسرائيل ومحور دول المقاومة.
تلك طبعاً مهمة اضطرارية ووطنية، لكنها صعبة ومعقدة، وإن كان لا بد من الحرص عليها فوراً، برأي الخبير الاستراتيجي والعسكري الفريق قاصد محمود، الذي تحدث مع “القدس العربي” بعد ظهر الإثنين عن ما سمّاه حكم الجغرافيا الطبيعي، وفرضية أن يحرص طرفا الصراع -إذا اندلع- على أن تصبح الجغرافيا الأردنية جزءاً أساسياً منه.
يقول الجنرال محمود: “لا ضمانات بأن يحصل ذلك إلا اعتماداً على قدرات الأردن في الدفاع عن نفسه.”
وهي متاحة وموجودة، لأن الشعب الأردني خلافاً لما يتصوره كثيرون، هو شعب مقاتل بطبيعته، فيما يمكن اعتبار الخط الاستراتيجي الأول في الدفاع عن الأردن بمواجهة اندلاع سيناريو حرب إقليمية هو -في رأي الجنرال محمود- مقاربة فورية ووطنية في تصليب الجبهة الداخلية وفي الوقاية والاحتياط والحذر والتنويع المجتهد في الخيارات، خلافاً لتجنب محطة الخضوع لمعادلة الواقع السياسي، وهي الاستسلام لما يريده المشروع الإسرائيلي.
الموقف برأي الجنرال محمود وغيره من الاستراتيجيين الكبار، يلقي بظلاله على مصالح الأردن. ومهمة منع تحول الجغرافيا الأردنية إلى ساحة صراع ليست سهلة، لكنها مهمة بصورة استثنائية، وفقاً للعناني وغيره.
عملياً هنا، وبمجرد تزايد مؤشرات الحرب الإقليمية، ذهب السيادي الأردني لمراقبة الحدود مع العراق وسوريا تجنباً للأزمة التي يمكن أن تضع البلاد بين نارين، الأولى هي نيران اليمين الإسرائيلي التي لم تعد لا شريكة ولا صديقة، ومعها نيران الحليف الأمريكي الذي لا يبدو في موقع السيطرة والتحكم بإسرائيل.
والنار الثانية هي تلك المرتبطة -في حال اندلاع مواجهات عسكرية دينية- بحتمية رد فصائل المقاومة ومحورها، سواء في العراق أو سوريا أو على البحر الأحمر على أي عدوان عسكري إسرائيلي جديد، الأمر الذي يضفي على الأردن -كما يقول الجنرال محمود- تبعات كبيرة جداً تحتاج إلى أقصى طاقة في الانتباه والحذر وقواعد الاشتباك.
سهر الأردن ليله الطويل عندما هاجمت صواريخ إيرانية إسرائيل وأسقط بعضها في الجغرافيا الأردنية. وإذا ما اندلع نزاع متجدد، يرى محللون كثر بأن الحدود مع العراق وسوريا وفي العقبة عبر البحر الأحمر، يمكن أن تلتهب بكل بساطة، حيث شركاء وحلفاء حزب الله في 3 دول محيطة بالأردن، وحيث اجتهادات مكلفة أينما حصل خطأ وافتراضات ليست سرية بين أطراف محور المقاومة بأن الأردني الطبيعي، سياسياً، سيكون مع الخط الآخر الخصم، علماً بأن وزير الخارجية أيمن الصفدي قال في ليلة القصف الإيراني الشهيرة قبل عدة أسابيع، علناً، إن بلاده -سيادياً- لن تسمح لأي طرف باستخدام الأراضي أو الأجواء الأردنية ضد أي طرف آخر في الإقليم.
تلك مساحة معلنة في التصريح الدبلوماسي، لكن الأمور في ميدان العمليات -في رأي خبراء عسكريين مثل الفريق محمود- قد تصبح معقدة أكثر، حيث قوة وعمق الحياد في مثل هذه المواجهة إن حصلت، وحيث العقل الاستراتيجي الأردني عليه أن يتحرك ضمن هامش محسوب بدقة شديدة حتى لا تتحول الجغرافيا الأردنية في حد ذاتها إلى هدف عند أي من الطرفين، مع الأخذ بالاعتبار ذلك الانطباع الذي يرى الأردن سياسياً مع أمريكا عندما تقرع طبول الحرب.
ثمة وصفة في عمان مألوفة وجربت سابقاً عنوانها السعي والعمل من أجل وقف العدوان على غزة تجنباً لتوسيع أفق الصراع.
لكن حتى الآن، لا تقدم حكومة عمان دليلاً على وجود تصور محدد حول كيفية التصرف ونتائج ذلك التصرف إذا ما أصبح الأردن بين نارين حقاً، فيما الثقة في هذه المرحلة الحساسة مطلوبة بقدرات المؤسسات الأردنية على التكيف والتعايش وتأسيس مقاربة توفر للحماية الوطنية.
وتعزل مجانين تل أبيب عن الجغرافيا الأردنية إن تيسر ذلك، كما تعزل المتشددين في حور المقاومة عن التأثير المباشر، مع الأخذ بالاعتبار أن طبيعة جريمة الإبادة لأهل غزة حركت الكثير من المشاعر، لا بل الغرائز أيضاً، وسط الحالة الشعبية الأردنية باتجاهات محور المقاومة.. تلك حقيقة لم يعد من الممكن إنكارها.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading