اراء و مقالات

الأردن: «لغز تلاوم» بين حكومتين بعد ارتفاع فاتورة «سيجارة إلكترونية وسيارة كهرباء»

عمان- «القدس العربي»: لا أحد من أصحاب الاختصاص في المشهد الاقتصادي و”المالي” الأردني يمكنه أن يحدد مبكراً هوية “المسؤول أو الوزير” الذي سيتولى مهمة في غاية الأهمية قريباً هي “تمثيل البلاد في جولة مفاوضات أخيرة” قبل نهاية العام الحالي مع البنك والصندوق الدوليين.
يتردد أن “جولة التفاوض” الوشيكة للحكومة الأردنية مع الهيئات الدولية مهمة وحساسة وأكثر تعقيداً، لا بل “ختامية”؛ بمعنى أنها ستستمر بالتفاوض لـ 14 يوماً وستصادق على ما أنجزته وأنتجته الحكومة السابقة بعد “3 جولات” صنفت بأنها “ناجحة” وستحدد ما الذي سيحصل لاحقاً على صعيد التصنيف الائتماني وتقييم المخاطر وملف “الاستمرار في الاعتراض”.
التسريبات وأحياناً الشائعات والتكهنات، متزاحمة للغاية في مربع رئيس الوزراء الجديد الدكتور جعفر حسان، عندما يختص الأمر بجولة التفاوض القريبة.
حسان يمكنه أن يساهم شخصياً -إن أراد- في متابعة المفاوضات الجديدة، لكن لغز السؤال عن كيفية التفاوض وهوية المفاوض انطلق من زاوية إقصاء أو إبعاد أو ابتعاد وزير المالية الأسبق الدكتور محمد العسعس، بصفته الأكثر خبرة من “5 سنوات” في ملف المفاوضات وجولاتها.
حتى اللحظة الراهنة، لم تعرف أسباب ابتعاد أو إبعاد العسعس عن الوزارة الجديدة، رغم أن رئيس الحكومة الطازجة أعاد تعيين 14 وزيراً من الحكومة السابقة.
والامتياز الذي كانت تتغنى به دوماً الحكومة السابقة برئاسة الدكتور بشر الخصاونة، بقي لأشهر هو إدارة التفاوض الدولي مالياً وسلامة التصنيفات المالية الدولية التي خففت من المخاطر الاقتصادية، إضافة للتغني بعدم رفع “الضرائب” والابتعاد عن “سعر رغيف الخبز” وفقاً للسيناريو الذي سمعته “القدس العربي” مراراً من الوزير العسعس مباشرة بعنوان “توطين الوصفات”.
الآن وبعد مغادرته لموقعه الوزاري، يمتنع العسعس عن ذكر خلفية الأسباب التي دفعت حكومته قبل رحيلها بيومين فقط لاتخاذ قرارات “غير شعبية” أربكت القطاعات التجارية، بعنوان رفع الضرائب والرسوم وأحياناً مضاعفتها على منتجات السجائر الإلكترونية بكل أصنافها، وعلى قطاع السيارات الكهربائية.
القرار أثار جدلاً عاصفاً وتفجر كلغم سياسي مبكراً في حضن الحكومة الجديدة وبدأ يستقطب أضواء ليس المتضررين فقط -وهم كثر من طبقة التجار؛ بل أضواء الإعلام وأعضاء البرلمان الجديد المنتخب للتو.
عضو البرلمان محمد بستنجي، وهو أيضاً ممثل نقابي لقطاع السيارات والمناطق الحرة، خرج من مكتب وزير المالية الجديد -وريث العسعس- برسالة انطباعية أبلغ فيها بعض الزملاء بأن “الحكومة مصرة على عدم التراجع عن قرارات سلفتها بخصوص السيارات”.
نشر البستنجي الخلاصة التي توصل إليها علناً فيما كانت كتلة جبهة العمل الإسلامي “تمثل الأغلبية” تصرح علناً أيضاً بأنها “تتبنى” مطالب تجار السيارات والمواطنين بإعادة أسعار سيارات الكهرباء المطلوبة بيئياً إلى وضعها القديم، فيما أبلغ التجار أنفسهم بحالة “تمرد جمركية” نادرة فكرتها “عدم تقديم معاملات تخليص جمركي على سيارات جديدة إلى أن تتراجع الحكومة”.
وصلت رسائل من جهة وزير المالية الجديد وزميله وزير التجارة، يعرب القضاة ورئاسة الوزراء بأن الحكومة “لا تستطيع التراجع”.
السؤال هنا أصبح سياسياً ولم يعد بيروقراطياً: لماذا لا تستطيع وزارة حسان التراجع عن قرار “غير شعبي” اتخذته الحكومة السابقة بصيغة “ضربة مقفي”؛ بمعنى في اللحظات الأخيرة وساعات قبل المغادرة؟
الإجابة على السؤال مربكة وتحتاج لربط العديد من الاعتبارات بعضها ببعض.
ما يرشح عن بعض وزراء الاختصاص في التفسير والتحليل هو قناعة الحكومة الجديدة بأن قرار “رفع رسوم السجائر الإلكترونية وسيارات الكهرباء” صحيح وفي مكانه، لكنه ليس في توقيته الأنسب، لا بل اتخذ متأخراً جداً، ما ألحق الضرر الحالي وتسبب بمنسوب الجدل البرلماني المبكر.
لماذا “تأخرت” حكومة الخصاونة في اتخاذ القرار؟ هنا السؤال المزعج الإضافي؛ لأن رموز تلك الحكومة الموجودين الآن بثقل كبير في الطاقم الجديد لا يشرحون ما حصل للرأي العام، ولأن رواية العسعس لا تزال غائبة، الأمر الذي يسمح بـ “تأويلات”.
السردية التي ترويها أوساط الحكومة الجديدة هي تلك التي تحاول تحميل الطاقم المالي في الحكومة السابقة مسؤولية “التأخر والتلكؤ” في اتخاذ قرار “ضريبي مهم” من باب الحرص “الشعبوي” فقط على تلك الرواية التي تقول “ملتزمون بعدم رفع المنسوب الضريبي”.
وفقاً للسردية نفسها، كان القرار إياه ينبغي أن يتخذ ولو بالتدريج في شهر شباط الماضي، لكن الحكومة السابقة تأخرت وقررته في وقت متأخر وقبل الرحيل بساعات، لأنها أساساً “ملتزمة” في مفاوضات سابقة مع الهيئات الدولية بتوفير “زيادة واردات” بمعدل 500 مليون دولار على الأقل قبل الوقوف على أعتاب “الجلوس التفاوضي الختامي” عام 2024.
تلك رواية “قد لا تكون مقنعة” وقد تكون صحيحة، لكنها موجودة عند التأويل، وتعكس ما لا يقاس عن غياب منهجية “التضامن” المفترضة في القرارات الحكومية، بمعنى أن حكومات اليوم واجبها الأساسي تحمل مسؤولية أي قرار اتخذته حكومة “الأمس” بدلاً من الغرق في تلاوم الوزراء وتبادل الاتهامات خلف الستائر والكواليس.
بالقياس وفي هذا الملف المربك، يمكن التوصل إلى خلاصة تقول إن حكومة الدكتور حسان “لا تستطيع” تلبية طلبات الشارع “الغرائزية” بخصوص “ضرائب السجائر الإلكترونية والسيارات الكهربائية” لسبب مهم وواضح وبسيط، وهو أن الحكومة السابقة “التزمت” بتدبير مبلغ نصف مليار دولار على الأقل وتوفيره، وليس من اللائق التراجع قبل أيام أو أسابيع قليلة من “التفاوض الجديد” مع الصناديق والبنوك الدولية عن قرار يخدم “الهدف”.
طبعاً، مضي الوزارة الجديدة بهذا الالتزام سيكلفها “خطابات حادة” من البرلمان تحت الحزام، وما يوحي به المشهد أن القرار “عابر للحكومة”؛ بمعنى أنه “قرار دولة اضطراري” في سيناريو لا ينقصه إلا ملء فراغ الإجابة على سؤال صغير: لماذا تم تأخير القرار واتخاذه قبل الرحيل فقط؟
طاقم الحكومة السابقة لا يجد نفسه معنياً بالإجابة والتوضيح، لكنما يسجل عليه على الأقل من جهة الطاقم الذي ورث الملف الاقتصادي هو تلك الزاوية التي تتحدث عن “تأخير غير مبرر” إلا في إطار الشعبويات لقرار كان ينبغي أن يتخذ في وقت ملائم تجنباً للإحراج مع الداخل والخارج.
في النتيجة، لا تزال بعض الحلقات “غامضة” بخصوص ملف “السيارات والسجائر”، والأكثر غموضاً هو غياب الشفافية والمصارحة عند “كل الحكومات” عندما يتعلق الأمر بمفاوضات البنك الدولي ووصفاته، وبكيفية وخلفية اتخاذ القرارات المالية.
حتى اللحظة، “الخاسر” فقط المواطن الذي يواجه موجة عاتية في ارتفاع الأسعار. والحكومة المستجدة رغم وجود “كفاءات أساسية” فيها، لا تبدو “جاهزة” بعد لجولات شفافية فاعلة وعميقة.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading