الأردن… مخاطر التحليق بطائرة معطّلة
كل ما نحتاجه وببساطة شديدة أن يؤمن الأردني بدولته وأن يتحلق حول مؤسساته وأن يؤجل خلافاته ومطالبه لأن المرحلة حساسة ولأن المسار التنفيذي في صفقة القرن المزعومة جاهز لالتهام الأخضر واليابس
لا يحتاج الأمر لتلك الوصفات الدراماتيكية والتي طبعاً يمكن الاستغناء عنها حتى يقتنع صانع القرار بالحالة الاردنية بأن مصلحة الجميع في الدولة والشارع تتطلب اليوم وبوضوح وبساطة تغييراً في قواعد اللعبة.
أسمع في كل الأروقة شخصيا تلك الوصفات التي تشكّك ليس بكلفة الاصلاح السياسي الحقيقي ولكن بنواياه أصلاً.
لا يصلح الحديث في النوايا كأساس لاختبار أي سلوك له علاقة في الواقع الموضوعي، فمن يجلس في قمرة قيادة الطائرة يؤمن بالسلامة لكنه يرى الأشياء أوضح من بقية الركاب والطاقم حتى وإن كانت الطائرة معطوبة أو تحتاج لصيانة أثناء التحليق على حد تشبيه رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز ثم على حد استعارة هذا التشبيه من قبل وزير العمل الفصيح والنشط جداً والذي عاد مؤخراً ليزف البشرى للأردنيين قائلاً بأننا نطير ونعمل في الوقت نفسه.
تلك مقاربة بائسة وسقيمة فالمكان الطبيعي لصيانة الطائرة هو تلك الورشة الأرضية حيث العودة للأصول والجذور واحترام كلمة الناس وشرح المعطيات للركاب بدلاً من المجازفة بهم.
كلام بلا مضمون إلى حد كبير..لا تصان الطائرات أثناء التحليق فتلك استعارة قد تكون صالحة لتشخيص وضع صعب بيروقراطيا لكنها فاشلة سياسياً وإعلامياً وشعبياً وأيضاً شعبوياً عندما يتعلق الأمر بحماية وصيانة وطن.
واقعة الطائرة الخربانة لا تستحق أن تكون أكثر من مجرد مزحة أو دعابة بيروقراطية لها أغراض وأهداف يعرفها الجميع.
لكن تحولها الى سيناريو يستعيره وزراء جدد وصغار بلا تجربة حقيقية ولا أحد يعلم كيف أصبحوا أصلاً وزراء ولماذا وعلى أي أساس وصفة أقرب الى رش الملح في جرح المواطنين.
الطائرات تخضع للصيانة أثناء التحليق فقط في أفلام سلفستر ستالون وتوم كروز مع الاحترام طبعا والتقدير لشخص من يحاول زرع وتأسيس هذه الاستعارة في وجدان الأردني.
الحكومة الجريئة هي تلك التي تقر بوجود خلل وعطب في الطائرة وتستعين بالمؤهلين في ورشة الصيانة الارضية لصيانتها وبطريقة علمية وفنية معقولة وبدون ادعاء.
ليس سراً أن سيناريو الطائرة التي تصونها حكومة الرزاز أثناء التحليق لم يعجبني.
وليس سراً ان استعارة وزير شاب وديناميكي مثل نضال البطاينة لهذا السيناريو الغريب عمليا ليس أكثر من استرسال في دعابة لا معنى لها ومحاولة للتذاكي على الاردنيين.
في المقابل تماماً ليس سراً على الاطلاق أن من يحاولون الايحاء بأن الاصلاح الحقيقي لن يحصل بدون حراك فائض ومقلق في زخمه الجماهيري في الشارع يمثلون الرأي السديد والواقع المؤلم حيث لا حاجة اليوم لفوضى أو احتقان أو حراكات مبالغ بها في الشارع في مرحلة حساسة وحرجة.
ولا حاجة أيضاً لاسترسال في الاقامة طويلة الأمد وبلا معنى في تلك المنطقة المظلمة التي تزعم بأن كلفة الاصلاح الحقيقي على النظام والدولة أكبر بكثير من كلفة عكس الاصلاح… تلك أيضاً كذبة كبرى يروّج لها الانتهازيون والطارئون والمراهقون والشلليون ويسوّقها أولئك الذين يصرون على اقناعنا كأردنيين يومياً بأن إعداد طبق العجة ممكن وبعبقرية شديدة بدون كسر البيض.
بصراحة ومن الآخر في مرحلة حرجة مماثلة عام 1989 كسر الملك الراحل الحسين بن طلال سلة من البيض ولم تحصل كارثة ولم تحصل فوضى بل تم احتواء الفوضى ووجد الاردنيون أنفسهم في بوتقة واحدة في دولة ومؤسستهم عبرت بالبلاد والعباد آنذاك تحت عنوان التحول الديمقراطي وبمصالح الطرفين من مرحلة غاية في الدقة والحساسية شهدت حرب الخليج الأولى وشهدت أيضاً توقيع اتفاقية وادي عربة والتي مررها الأردنيون لدولتهم بعدما تلمسوا حجم الضغط ومستوى الضائقة وبعدما تمت مصارحتهم واستمع أصحاب القرار لإيقاعهم.
لا تصان الطائرات أثناء التحليق… دون ذلك كلام ارتجالي بلا معنى ندرك اليوم للأسف بان بعض المسؤولين يروّجونه بين الحين والآخر للإيحاء بأنهم كأشخاص طبقة من المنقذين مع ان الطائرة فيها خلل فعلاً وتحتاج للصيانة وليس أكثر من ذلك لكن يتوافر شرط الارادة السياسية والرغبة في التحليق مجدداً بدل المجازفة في التحليق بطائرة معتلة يمكن أن يحصل خلال تحليقها أي حادث درامي لا سمح الله.
لا نحتاج لدراما في الحالة الأردنية ولا لطائرات تصان أثناء التحليق.
كل ما نحتاجه وببساطة شديدة وبلغة مباشرة أن يؤمن الأردني بدولته وأن يتحلق حول مؤسساته وان يؤجل خلافاته ومطالبه لأن المرحلة حساسة ولأن المسار التنفيذي في صفقة القرن المزعومة جاهز لالتهام الأخضر واليابس.
أزعم بأن نبض الشارع الأردني أكثر وطنية وإحساساً بالمسؤولية واستعداداً للتضحية والصلابة والصمود من خارطة النخب.
والمطلوب في المقابل من القرار منع تحليق الطائرة وإجراء الصيانة الفعلية عبر طاقم ماهر من الفنيين ومختص وعلى الأرض… ذلك يحتاج لإرادة سياسية حقيقية تضع في سلة المهملات كل القراءات الشخصانية التي تقول بأن كلفة الإصلاح الحقيقي كبيرة ولا يمكن احتمالها لأن العكس تماما اليوم هو الصحيح.