الأردن: مشكلة حل الأحزاب
استمرار التحريض على الإسلاميين على نحو فج يخدم المتشددين بينهم ويعوق مسيرة التزامهم أو إلزامهم بالقانون

غير منطقي وغير معقول تحويل مصير الأحزاب السياسية في الأردن إلى مُضغة في أفواه الخصومة السياسية والإيديولوجية والنكايات الكيدية الشخصانية لأن القوانين حددت في الواقع كل آليات التعامل مع مخالفات الأحزاب السياسية وكيفية رصدها ثم توثيقها والمطالبة بتصويبها قبل الاستقرار على محطة حسم الشرعية القانونية عبر القضاء فقط.
ينبغي للحكومة إذا كانت حريصة على الالتزام بالتوجيهات المرجعية العلنية والتي نص عليها خطاب العرش الأخير بخصوص تعزيز مسار التحديث السياسي والتعددية الحزبية التدخل بموجب القانون لوقف حالة الثرثرة التي يثيرها البعض بين الحين والآخر ضد تجربة الأحزاب السياسية عموما وضد حزب محدد يمثل تيارا عريضا في المجتمع ومنذ ثمانية عقود على الأقل.
واحدة من الملاحظات المسجلة على الحكومة الحالية هي أنها لا تظهر أي اهتمام برعاية الأحزاب السياسية وباحترام دورها وتعزيز مسيرتها، وأقل قرينة حجما هي تلك التي رصدها الجميع عند تشكيل الحكومة التي تقرر تواجد فيها 8 وزراء من قادة الأحزاب السياسية في طاقمها لكن بدون أحزابهم.
الحكومة لا تظهر جدية وهي تريد الحرص على إعلام مطيع ومجلس نواب بلا بصمة تأثيرية حقيقية وأحزاب سياسية خالية من الدسم ولا يحترم دورها.
تلك وصفة سريعة وفعالة لإعاقة مسار التحديث السياسي الذي توافق قطاع واسع من الأردنيين عليه وحظي بالغطاء السياسي المرجعي.
مقترحات حل الأحزاب السياسية بصرف النظر عن هويتها وأيديولوجيتها ينبغي أن لا تتحول إلى اقتراحات لمجتهدين لديهم وجهة نظر.
الحزب ينشأ ويحل وترصد مخالفاته بموجب نصوص قانون واضحة، وإذا كان للسلطة التنفيذية رأي مضاد لأي من الأحزاب السياسية القائمة فدرب المعالجة واضح ومن يقترح اليوم على الرأي العام وجود أجندة على الطاولة عنوانها حل أكبر حزب سياسي مرخص في البلاد عليه أن يفهم مسبقا بأن مثل هذا القرار السيادي له قنواته الدستورية والقانونية والمسألة ليست شخصانية.
وإذا ما تقرر في أرفع المستويات إخراج أي حزب سياسي من الواجهة القانونية تحديدا على مثل هذا القرار أن يشرح للشعب الأردني ويلتزم بدوره بحرفية النص القانوني.
المعنى هنا أنك لا تستطيع الترويج لفكرة استهداف أو إقصاء أو حل حزب سياسي مسجل رسميا في الكشوفات لأن لديك رأيا مضادا لرأي الحزب أو مشكلة مع قياداته أو حتى لأن لديك خصومة سياسية وإعلامية.
استمرار التحريض على الإسلاميين على نحو فج يخدم المتشددين بينهم ويعوق مسيرة التزامهم أو إلزامهم بالقانون
القوانين وضعت حتى تحترم في مثل هذا السياق. السماح لجزئية مثل حل الأحزاب خصوصا تلك المتمرسة والكبيرة بأن تتحول الى مقترحات هنا أو هناك يعني إلحاق ضرر لا يمكن جبره بمسار التحديث السياسي والسماح لثقافة التحريض والكراهية بالاستقرار في المجتمع.
وتعني إبقاء تيار شعبي وسياسي عريض بعيدا عن المنافسة الشريفة وترك قواعده وكوادره بلا عنوان قانوني عريض معلن والتأسيس لاحتقانات غير ضرورية ويمكن الاستغناء عنها في المجتمع.
يمكن تأييد المنطق الذي يفترض التعامل مع الأحزاب السياسية بمسطرة قانونية موحدة أو المنطق الذي يقول بالتزام جميع الأحزاب بالأطر القانونية بدون معاملة خاصة للإسلاميين أو لغيرهم وبدون دلال بيروقراطي، لكن مواجهة فرضيات الزحام في عمق الأحزاب السياسية بإجراءات تنتمي لعهود الأحكام العرفية عودة غير محمودة لصفحة منسية تجاوزها الأردنيون في كتاب التعددية والتوافق والتحديث.
الأجدى مصارحة الأحزاب السياسية بمخالفاتها والمطالبة بتصويبها والمنتج أكثر منع ترويج اقتراحات تساهم في التحريض والفتنة سواء تحت قبة البرلمان أو خارجه.
الحزب الذي يتهمه البعض باستخدام منصته القانونية لأغراض الانتخابات شئنا أم أبينا ركب موجة ممارسة شرعية وقانونية ومألوفة في عوالم الانتخابات والأحزاب. لا بل هي ممارسة لا ينكرها أو يعارضها القانون وكانت متاحة لكل الأحزاب السياسية أفقيا.
استمرار التحريض على الإسلاميين على نحو فج يخدم المتشددين بينهم، أو يعيق مسيرة التزامهم أو إلزامهم بالقانون، ويترك شريحة شعبية مسيسة ومؤثرة في المجتمع بلا عنوان أو هوية في اتجاه البحث عن تشكيل حزب جديد سيكون أقوى وأصلب وأكثر جماهيرية بناء على ميكانيزمات الاحتراف في المظلومية.
نقولها من الآخر وبوضوح على كوادر الحركة الإسلامية في حزبها الالتزام في القانون، وعلى الجميع تجاوز الحالة الموضوعية التي فرضها إجراء قانوني باسم حظر جمعية رفضت تصويب أوضاعها، ولكن على الحكومة والسلطات في المقابل إظهار الجدية في الالتزام القانوني والتوقف عن رعاية مقترحات تحريضية تتسلل بين المواطنين هنا أو هناك.
من يطالب حزبا سياسيا باحترام القانون عليه أن يضرب المثل الأول في الحرص على نصوص القانون.
الإسلاميون مثل غيرهم مكون أساسي ونشط ووطني يمثل نسيجا اجتماعيا لا يمكن اقصاؤه بكل بساطة لأن البعض في الإعلام والبرلمان والحكومة لديه رغبة بذلك.
العودة للقانون هو حبل النجاة للجميع والتيار الإسلامي الأردني كان موجودا وسيبقى، وعلى عناصره الوفية المخلصة استلهام الدروس وإظهار قدرة أكبر على احترام القانون وتوازنات ومصالح الدولة.
