مقايضات روبيو – ديرمر: تغيير «الوضع القائم» في الأغوار و«أردنة» مشكلات «السكان»

عمان- «القدس العربي»: لا تكشف الحكومة الأردنية بصفة رسمية عن خططها وتكتيكاتها لمواجهة قرار أو اتجاه إسرائيلي يبدو أنه دخل سياق الاستحقاق تحت عنوان النقاش الذي يثيره وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر مع الإدارة الأمريكية بخصوص «إعلان السيطرة الأمنية الكاملة على منطقة الأغوار».
والمعنى هنا أن اليمين الإسرائيلي يتجه فعلياً نحو السيطرة الأمنية على منطقة الأغوار، الأمر الذي يعد من التحديات السياسية والأمنية البارزة بالنسبة للمقايسات الأردنية، خصوصاً في ظل قناعة المؤسسات الأردنية بأن طروحات ديرمر على طاولة الوزير الأمريكي ماركو روبيو تتقاطع مع مشاريع وطروحات لا بل إجراءات الوزير المتشدد سموتريتش وخرائطه.
خطط ديرمر التي ناقشها مع روبيو وصلت معلوماتها عبر تقارير غير رسمية لعمان، لكن الحكومة الأردنية تقول في باطن المشهد إنها لا تتعامل مع تقارير وتسريبات إعلامية، وإن اتصالات تجري مع الإدارة الأمريكية عملياً للحيلولة دون توسع إسرائيل في خطط الضم، خصوصاً بعد بروز ملامح مقايضة يقترحها الإسرائيليون مع الأمريكيين عنوانها تقليص سقف ضم الأراضي الضفة الغربية مقابل ما يسميه بنيامين نتنياهو السيطرة الأمنية الكاملة على منطقة الأغوار لدواع واعتبارات أمنية.
ما يخطط له الأمريكيون والإسرائيليون معاً هنا هو دفع الأردن والنظام الرسمي العربي لوضع دائرة حول الجواب المختار: «سيناريو سموتريتش أم خطة ديرمر؟».
الاعتبارات الأمنية التي يسوقها الإسرائيليون بخصوص ضم الأغوار برأي الخبير العسكري المتقاعد نضال أبو زيد، وهمية وكاذبة؛ لأن الحدود من الجانب الأردني محمية جيداً منذ نصف قرن.
والذرائع التي يختلقها الجيش الإسرائيلي ليست حقيقية، وضم الأغوار هو جزء من خطط التوسع الاستيطاني أعقب تمويل الوزير سموتريتش لعمليات استيطانية موسعة في منطقة أريحا والأغوار.
الأردن مجدداً في مواجهة تحديات ضم الأغوار، وما يبدو عليه الأمر أن واشنطن تتأثر بالرواية الإسرائيلية، وقد تكون على الأقل في الدوائر المحيطة بالوزير روبيو مستعدة لمنح غطاء سياسي للمقايضة التي يقترحها الوزير الإسرائيلي ديرمر تحت عنوان التراجع عن نسبة كبيرة من ضم الضفة الغربية مقابل ضم الأغوار فقط.
وهو أمر سبق للأردن على أرفع المستويات أن اعتبره بمثابة إعلان حرب، فيما يرى الخبير أبو زيد أن إسرائيل هي التي تعتدي على الحدود الأردنية أمنياً بعدم القيام بجهد محدد ومطلوب لوقف حملات ومحاولات تهريب المخدرات، مؤكداً: القوات الأردنية تقوم بواجبها تماماً على الحدود مع فلسطين المحتلة، ولا يوجد لا اختراقات ولا تسللات تبرر الإجراء التوسعي الإسرائيلي.
لحظة الحقيقة فيما يبدو تقترب تحت عنوان ضم الأغوار، في نقطة تحول قد تؤدي إلى تحديات لا يمكن الاستهانة بها لا أردنياً ولا عربياً ولا اسلامياً ولا إقليمياً، باعتبار ضم الأغوار فكرة جزئية من منهجية ضم وسيطرة متكاملة يباركها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وتتضمن -وفقاً للمستشار القانوني الدولي الدكتور أنيس القاسم- خطوات عدائية جداً ضد المصالح الأردنية؛ لأن ضم الأغوار قد يسمح بترحيل وتهجير أهالي الضفة الغربية، وقد يمنع إطلاقاً أي محاولة لإقامة دولة فلسطينية مستقبلاً.
القاسم يشدد: ضم الأغوار خطوة من ضم أراضي الضفة الغربية وتفكيك حالة السلطة الفلسطينية، وبالضرورة قد ينتج عنها إجبار السكان والأهالي على التحرك شرقاً قسراً أو طوعاً عبر إنتاج ظروف غير ملائمة للعيش والإقامة، الأمر الذي لا مجال للشك في أنه يؤدي إلى معايير تنطبق مع سيناريو إعلان الحرب على الأردن.
الانطباع الذي يسجله القانونيون حتى في وزارة الخارجية الأردنية هو ذلك الذي يفترض بأن ضم الأغوار أو ما تسميه إسرائيل بالسيطرة الأمنية التامة على الحدود مع الأردن هو تغيير جوهري وعميق في الوضع الحدودي القائم، وبصيغة لا تقف فقط عند حدود إجهاض قيام دولة فلسطينية، ولكن تنحاز لمعايير الاعتداء على الحدود الأردنية وتغيير المعادلة الأمنية السياسية بصفة تماثل ما فعلته إسرائيل على الحدود مع سوريا.
ما يقدره القاسم وآخرون، أن الضم والسيطرة الأمنية هنا لا يقفان عند مخالفة بنود اتفاقية وادي عربة فقط، بل يخالفان مجمل القوانين الدولية ويؤسسان لحالة اعتداء حربية، الرد الأردني حتى العسكري عليها منسجم مع القوانين الدولية التي تشرعن في مثل هذه الحالات حقوق الدفاع عسكرياً عن الدولة.
يتوقع، سياسياً في السياق، أن تمرر إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للوزير ديرمر خطته العدائية، وأن ينتهي المشهد في حال إخضاع الحدود مع الأردن للسيطرة الأمنية الإسرائيلية بوقائع اجتماعية واقتصادية وديموغرافية وسياسية على الأرض وفي الميدان، تعيد إنتاج سيناريو يفترضه اليمين الإسرائيلي ويقول بأن مشكلة السكان في الضفة الغربية ستصبح أردنية، ما يعني تصدير الأزمة الأخلاقية والقانونية التي ستنتج عن الوضع الجديد شرقاً.
القيادي في الحركة الإسلامية الشيخ مراد العضايلة، اعتبر في نقاش جانبي مع «القدس العربي» أن الجانب الإسرائيلي يخطط منهجياً لهذا الاعتداء الشمولي على الشعبين الأردني والفلسطيني.
لكن ما لا يعرفه الجمهور بعد هو تقدير الموقف على المستوى المركزي والمرجعي للدولة الأردنية.
والسبل المتاحة للرد والاشتباك ليس فقط لأن إسرائيل تخطط لحسم ملف السيادة على الأغوار، ولكن لأن ما يبدو عليه الأمر هو تواطؤ أمريكي قيد التوثيق الواقعي. هنا تكمن الأزمة الأردنية بعد التلويح عدة مرات بحجب المساعدات.