اراء و مقالات

الأردن: نتنياهو «المشعوذ» في مهمة «روحانية» يتبنى «خريطة سموتريتش الباريسية»

«إسرائيل الكبرى تقضم عملياً مساحة واسعة من أراضينا»

عمان ـ «القدس العربي»: آخر ما يحتاجه الأردن سياسياً وميدانياً الآن هو بيان صريح يتماثل فيه تماماً الجار الإسرائيلي المقلق بنيامين نتنياهو مع رفيقيه بن غفير وسموتريتش على مشروع «إسرائيل الكبرى». وآخر كمين يمكن أن يهدد عمان بالمخاطر يمكن رصده عبر إفصاح نتنياهو الجديد الذي أبلغ القناة 24 آي، بأنه لا ينكر تعلقه بإسرائيل الكبرى، لا بل زاد نتنياهو متجهاً نحو المنطقة التي حذر منها مبكراً رئيس الوزراء الأردني الأسبق والمخضرم طاهر المصري بحضور «القدس العربي»، عندما قال «أنا في مهمة روحانية – تاريخية».
تحذير المصري بقي واضحاً، وكرره مؤخراً، والفكرة أن المجموعة الحاكمة في تل أبيب لا تمانع في التأسيس لصراع وحرب دينية طويلة الأمد، وأن تلك المواقف دينية الطابع لم تعد مجرد طموحات أو شعارات انتخابية على الورق، بل تحولت إلى أطماع معلنة وإجرائية.
وهي أطماع يعبر عنها علناً نتنياهو اللعوب أول مرة تقريباً، وإن ربطها بأن المجتمع الدولي لا يقبل ذلك. والأساس هنا، أن المشهد الذي يصرح به نتنياهو إعلامياً بتبني خريطة سموتريتش الشهيرة التي رفعت يوماً في باريس تحديداً وظهر فيها مشروع إسرائيل الكبرى وهو يقضم عملياً مساحة واسعة من أراضي شرق الأردن.

مجدداً… «الملح على الجرح»

يضيف تصريح نتنياهو المثير، ارتياباً على قلق. ويؤسس مجدداً لمشهد عبثي في مقايسات الأردنيين، عنوانه العريض لم يعد يقتصر على ضم الأغوار وأراضي الضفة الغربية، بل اعتقاد نتنياهو وعصابته بأن لديهم فرصة كبيرة وتاريخية ليس فقط لحسم الصراع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بل لتنفيذ مشروع إسرائيل الكبرى، وهو ما مهد له السفير الأمريكي في الكيان مايك هاكابي، عندما نفى وجود شعب فلسطيني في الضفة الغربية قبل مشاركته شخصياً مع بن غفير في انتهاك حرمة المسجد الأقصى واتفاقية الـ ستاتس-كو الخاصة بالوصاية الأردنية والموقعة عام 2015.
طبعاً، لدى الأردن الرسمي بعض الضمانات العميقة التي لا تتحدث عنها الحكومة مع الجمهور، لكن تصريح نتنياهو بتعلقه بإسرائيل الكبرى وتصنيف ذاته بأنه في مهمة روحانية، يرش الملح مجدداً على جرح فلسطيني وأردني قديم؛ بدلالة الحيز الضخم جداً الذي حظيت به تصريحات الأخير على منصات تواصل الأردنيين من صباح الأربعاء.
وذلك الانسجام الذي أظهره نتنياهو مع خارطة سموتريتش لم يعد من اللائق لا قراءته ولا تفسيره كالمعتاد في سياق خطاب يميني دعائي لأغراض تثبيت الائتلاف؛ لأن سياسات الضم والاستيطان والتنفيذ المالي على هذا الأساس، جارية على قدم وساق، ولأن المستشار والخبير البارز في القانون الدولي الدكتور أنيس القاسم، يقرأ التحولات كما يبلغ «القدس العربي» في سياق الضم والإلحاق؛ بمعنى ليس ضم الضفة الغربية وتقويض سلطتها فحسب ولكن تحريك السكان ديمغرافياً، وبالتالي تنطبق معايير إعلان الحرب على الأردن.

«إسرائيل الكبرى تقضم عملياً مساحة واسعة من أراضينا»

ليس صدفة في السياق، أن إفصاح نتنياهو المباغت عن وظيفته الروحانية الدينية وعن إسرائيل الكبرى يبرز، فيما مظاهر الارتياب وغياب اليقين تسللت إلى بعض الأعماق في المستوى الرسمي الأردني مؤخراً.
وليس سراً أن نتنياهو يعلن فتواه الدينية، فيما الصدام الأردني حتمي ومرصود ملموس مع حكومة نتنياهو، ليس في غزة والضفة الغربية فقط، ولكن في جنوبي سوريا أيضاً، حيث إن الفكرة التي برمجت على أساسها مشاورات عمان الثلاثية أمس الأول الثلاثاء مع الأمريكيين والسوريين، هي التي تفترض بأن الهدف من التشاور وتوفير الحماية للطائفة الدرزية في السويداء وتثبيت الهدوء في درعا هو حصراً إبعاد أي تدخل إسرائيلي وفقاً لسيناريو تدعمه الولايات المتحدة بصيغة مريبة، وقد تنطوي على توريط للأردن، فيما تدعمه أيضاً عن بعد تركيا. ويعني ذلك سياسياً، أن عمان في حالة احتكاك وجاهية لأول مرة منذ عام 1994 تصطدم بأطماع اليمين الإسرائيلي في غزة والضفة والقدس وفي جنوبي سوريا أيضاً، فيما تنشط فجأة ضد الأردنيين عمليات تهريب المخدرات عبر البالونات والطائرات المسيرة من جنوبي فلسطين المحتلة، مع الاشتباه بأن عصابات منظمة في مناطق بئر السبع وجوارها أعلنت حرب المخدرات على الأردن.
وهي حرب يواجهها حرس الحدود بجرأة ومهنية وبدون تفسير أو تعليق سياسي، لكنها واضحة في قياسات الخبير الاستخباراتي والعسكري نضال أبو زيد، الذي أبلغ «القدس العربي» بأن الجيش الإسرائيلي صريح، وهو لا يفعل شيئاً للحد من محاولات تكثيف تهريب المخدرات في اتجاه شرق الأردن بعدما تم التصدي لها عبر الحدود الأردنية مع سوريا.

حضيض غير مسبوق

تصل العلاقات الأردنية الإسرائيلية إلى حضيض غير مسبوق. وعضو الكنيست أيمن عودة، كان أول من حذر عمان من أطماع النخبة الموتورة التي تحكم إسرائيل، فيما يرد الأمريكيون خلف الستائر على مخاوف الأردن الرسمي التي تطرح على الطاولة بتطمينات يمكن أن تصبح بائسة وبلا قيمة بأي وقت وبسيناريو يقترح على الأردنيين ترك الفلسطينيين والتركيز على الاهتمام بشؤون بلادهم.
الموقف والمشهد يزدادان تعقيداً، ونتنياهو ألقى وسط الجمهور الأردني قنبلة جديدة عندما أعلن تعلقه بخطة إسرائيل الكبرى وتحدث كالدجالين والمشعوذين عن مهمة روحية ما، يخطط لها. وعليه، يمكن القول بأن نتنياهو يناكف الأردن ويقلقه في خط شعوذته السياسية، على حد تعبير الناشط السياسي محمد الحجوج، رداً على الحراك الأردني النشط في دعم مسار حل الدولتين.
لا أحد في عمان حتى اللحظة، لا من النخبة التي بقيت تمتدح اتفاقية وادي عربة ولا هي من المجموعة التي تعارض تلك الاتفاقية، يقترح وصفة ما للعبور بين ألغام اليمين الإسرائيلي، حيث تصريحات نتنياهو الأخيرة تنطوي على تشويق سياسي غير متوقع.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading