الأردن: هندسة «الفتنة» وإعادة ضبط مرجعية «الديوان» ونواقص «الخارجية»
ألغاز وخفايا عودة جعفر حسان للقصر الملكي
عمان – «القدس العربي»: هي على الأرجح «هندسة ما ولأسباب سياسية ومفصلية، والأهم أنها من الطراز الذي فوجئ به أو لم يكن على علم بحيثياته حتى كبار المسؤولين الحاليين في الدولة الأردنية.
عودة الدكتور جعفر حسان، وبمساحة صلاحيات وعزف منفرد وهوامش واسعة نسبياً، هي الخبر الطازج المثير للحيرة والتكهن ببصمات الهندسة الغامضة والأكثر إثارة منذ الثالث من نيسان في خريطة واقع الحالة الأردنية.
ليس سراً على الأقل وسط نخبة عمان العاصمة أن مدير المكتب الملكي الجديد، وهو شاب وخبير وديناميكي وجريء ربطته طوال الوقت علاقات عميقة جداً في البعد الشخصي والوظيفي بالمتهم الأبرز الآن بفتنة نيسان الدكتور باسم عوض الله.
وليس سراً إطلاقاً ما يؤشر عليه واقع الحال المعروف، وهو أن الدكتور حسان وحتى عام 2018 على الأقل، يعرف غالبية الأشياء إن لم تكن كل الأشياء المرتبطة بملفات وفترات الدكتور عوض الله.
الاستنتاج واضح هنا سياسياً على الأقل، لكن المبالغة فيه قد تنطوي على «خطأ بصري» إذا ما سعت إلى ربط عودة الدكتور جعفر حسان إلى موقعه القديم بمحاكمة الفتنة أو بما سيجري لاحقاً وبعد العيد مع الدكتور عوض الله، الذي يمكن وصفه الآن بأنه من أبرز كبار المسؤولين الذين سجنوا في العقدين الأخيرين، لا بل الوحيد الذي سجن بتهمة سياسية أمنية وفي محكمة لم تعقد بعد.
في كل حال، إذا توفر رابط ما في الهندسة الملكية الخبيرة بين قرار عودة حسان مديراً لمكتب الملك وملف عوض الله فسوف يتضح لاحقاً، حتى وإن تراوح ما بين احتمالين هما التكثيف في الإدانة بعد الألم، أو الاسترخاء بعد المحاكمة.
في مسألة الفتنة والمتهمين فيها، الملف بين يدي القضاء المستقل.
لكن في مسألة الهيكل الاستشاري الجديد والمثير المعلن بعد ظهر الخميس في طاقم القصر الملكي، فالأمر بين يدي صاحب القرار. والاعتبارات الهندسية العميقة يمكن اشتمامها، وإن كانت عودة الدكتور حسان مفاجأة من الوزن الثقيل حتى بالنسبة لنافذين كبار في مراكز القرار والمؤسسات، لأن تلك العودة لم تكن متوقعة.
ألغاز وخفايا عودة جعفر حسان للقصر الملكي
في كل حال، عاد حسان – وهو أصلاً شخصية مثيرة للجدل – إلى رئاسة مكتب ملك الأردن، والأخير موصوف بأنه «فلتر شرس» توفرت لديه الكثير من الخبرة، وأحد المتحمسين لفكرة إعادة إنتاج وتشكيل المشهد الدستوري بإعادة ضبط إيقاع أدوار ونشاطات أفراد العائلة المالكة تحديداً، مما يؤشر على أن أحد مرامي الهندسة المحتملة هنا قد تكون في اتجاه إحياء النظام القديم الذي ضبط الإيقاعات فيما يخص الشرعية الدستورية وكيفية تصرف أعضاء العائلة المالكة والإشراف ومتى وبأي صيغة.
تلك في طبيعة الحال، مسألة تخص القصر والديوان الملكي، وإن كان المهم هو ملاحظة توفير أرضية واسعة لحركة ومركزية دور مدير مكتب الملك الجديد. فحسان وحيد الآن في أعلى هرم المكتب الإداري بلا منافسين وبخلفية اقتصادية وسياسية، لا بل أضيف لها الدبلوماسية مؤخراً.
ومن المرجح أن إقالة او استقالة ثلاثة مستشارين كبار في الديوان الملكي بالتزامن مع تعيين حسان مسألة متفق عليها في إطار الهندسة المشار إليها، ودلالتها أن حسان سيقوم بواجباته ضمن التوجيهات الملكية في مرحلة ما بعد الفتنة وتفاصيلها المقلقة الكثيرة المتزاحمة.
وعليه، يلاحظ هنا بأن حسان لم يعين مستشاراً للملك قائماً بأعمال مدير المكتب، بل عين مباشرة مديراً للمكتب. ويعني ذلك أن هذه الوظيفة الرفيعة التي اختفت لسنوات من الهيكل البيروقراطي عادت مع حسان أو من أجله، فيما تم إخلاء الساحة بانسحاب ثلاثة مستشارين كانوا في مواقع أساسية، وهم: مسؤولة السياسات هيفاء الخريشا، ومسؤولة الدائرة الاقتصادية زينة طوقان، ومستشار الظل المتخصص بعدة ملفات الدكتور كمال الناصر.
طبعاً، لا يعرف الأردنيون عموماً ما الذي كان يفعله الدكتور الناصر بشكل خاص، لكن دوره تراجع في الضوء على الأقل بعد تسليم الدكتور بشر الخصاونة رئاسة الوزراء. وطبيعة الوظيفة التي كانت تشغلها زينة طوقان لا تتطلب منها زحاماً أو تنافساً مع أحد، لكن طوقان حسبت على الصف البيروقراطي الملتزم والمتحفظ على التفكير الليبرالي الاقتصادي.
بمعنى أن وجود طوقان قد لا ينسجم مع وجود مدير مكتب بخلفية اقتصادية ومتحمس جداً للتيار الليبرالي في الإدارة الاقتصادية مثل الدكتور جعفر حسان. وهو تيار دخل جعفر حسان أصلاً منذ 13 عاماً إلى مواقع الوظيفة الحساسة عبر مظلته وبرعاية الدكتور باسم عوض الله آنذاك.
خبرة حسان بدأت مع برنامج الاتصالات الدولية، وهو في السياق البيروقراطي لم يكن من الشخصيات المحببة للحراك الشعبي، وإن كان عمل مع فريق ثلاثي نافذ لعدة سنوات، وكان جناحاه الآخران رئيس التشريفات الملكي الأسبق عامر الفايز، والمرافق وقائد الحرس الخاص للملك وقتها الجنرال أمين القطارنة.
استفسر كثيرون عن مكان الفايز والقطارنة الآن بعد عودة جعفر حسان إلى موقعه. وحسان يفترض أن يتعاون مع الحكومة ورئيسها الدكتور بشر الخصاونة في سياق جزئية أصغر من العادة، لها علاقة بنقل التوجيهات وبرنامج مكتب الملك فقط، فيما أُخلي موقعا الدائرة الاقتصادية ودائرة السياسات ولو مؤقتاً، الأمر الذي يوفر مساحات أكبر للحكومة في ملفاتها وأعمالها، مع أن الخبرة الدولية عند حسان قد تساهم في إدارة ملف العلاقات الدولية في الوقت الذي يتراجع فيه أو ينحسر قليلاً دور وزير الخارجية أيمن الصفدي لعدة أسباب قد يكون من بيها غياب ناتج عن عارض صحي طارئ في مرحلة حساسة تتطلب إعادة بناء وهندسة علاقات المملكة الدولية، وهي تمثل الجزء الذي يعتقد بأن حسان لاعب محترف فيه.
وفي مطلق أحوال الواقع الأردني النخبوي اليوم، يوجه القصر رسالته الهندسية بتغييرات، الخميس، وسط حالة العصف الذهني التي اجتاحت مفاصل المؤسسات في الداخل والخارج بعد أحداث الثالث من نيسان وفي وسط النزاعات التي تصدر الآن تحت عنوان ورشة عصف ذهني لحوار سياسي في سياق الإصلاح الوطني الشامل.