الأردن والإنفاق من «مخصصات الطوارئ»: تفكيك شيفرة عودة خدمة العلم
«ترميز سياسي… ورسالة لمن يهمه الأمر»

عمان ـ «القدس العربي»: لا يقف «الترميز السياسي» في إعلان ولي عهد الأردن الأمير حسين بن عبد الله عن «تفعيل خدمة العلم العسكرية» عند محطة «التوقيت» فقط، حيث أيام قليلة فصلت بين إعلان القرار المهم ثم تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعنوان «مشروع إسرائيل الكبرى»، لا بل يتجاوز- ونقصد الترميز المسيس- في اتجاه «استجابات فعالة» لمطلب شعبي ملح من أكثر من عامين. ورغم أن الإفصاحات الرسمية التي أعقبت إعلان ولي العهد تجنبت أي إشارة لعنصر التوقيت تربط القرار بتصريحات نتنياهو، فإن الانطباع في رمزيته الشعبية على الأقل تكرس تماماً بأن خدمة العلم العسكرية التي يتخللها تدريب عشرات الآلاف من الشباب الأردنيين على السلاح تصدرت؛ لأنها «الخطوة الأولى في سلسلة» ردود فعل أردنية تنطوي على «رسائل» يمكن لإسرائيل والمعنيين في وجودها ومصالحها تفكيك شيفرتها.
تفكيك الشيفرة ممكن من خلال تتبع اللهجة التي استخدمت في الحديث عن قرار «غير مفصل بعد» بإعادة خدمة العلم، حيث ربط الأمير الشاب بين التفعيل لتلك الخدمة و«إشراك الشباب في الدفاع عن الوطن»، فيما حضر بعد نحو 5 ساعات إفصاح لمجلس الوزراء أضاف تعريفاً لجزئية الدفاع، وهو «ضد أي مخاطر مع استمرار البناء الوطني».
تفكيك «الشيفرة»
وفي تفكيك الشيفرة أيضاً يمكن ملاحظة أن الحكومة أبلغت عن بعض التفاصيل وقالت إن المشروع قديم وفيه «توجيه ملكي»، دون الإجابة عن السؤال: على أي أساس تقرر السلطات الإعلان الآن حصراً؟
جزء من الشيفرة مرتبط على الأرجح بإبلاغ الرأي العام الوطني بأن دوائر القرار مع نبض الشارع، وتصغى إليه، خصوصاً بعدما تحولت عودة خدمة العلم إلى مطلب وطني وشعبي عارم.
وفي وقت بقيت الحكومات تشير فيه إلى أن قرار تجميد خدمة العلم أساساً تحول إلى سياسة عامة من 30 عاماً ولم يتم التراجع عنه لأسباب مالية، لاحظ الجميع الخطاب التوضيحي لمجلس الوزراء عقب إعلان ولي العهد، القائل بأن الحكومة ستبدأ في التطبيق اعتباراً من بداية العام المقبل؛ أي عام 2026 وبموجب نفقات مالية من «ميزانية الطوارئ».
مفردة «طوارئ» هنا في شروحات مجلس الوزراء أيضاً لها دلالاتها، والحديث عن بند بالعادة لا يتم ترحيله ولا استخدامه في ميزانية الدولة المالية. والإيحاء في الترميز هنا واضح ويؤشر على أن مجلس الوزراء قرر استعمال بند الطوارئ المالي لتفعيل أحد برامج خدمة العلم، ما يعني ضمناً أن المسألة التي استوجبت الأمر «طارئة»، فيما الطارئ الوحيد المستجد عملياً في آخر عامين هو تلميحات نتنياهو لإسرائيل الكبرى وتهديده الضمني لـ 6 دول عربية، أهمها وأكثرها تعرضاً للمخاطر هو الأردن.
شروحات الحكومة، ظهر الإثنين، تقول إن البرنامج سيطبق على جزء من الشباب الأردني وضمن سياق تنموي نشط وفعال في إطار خدمة وطنية حتى يتم التخفيف من الجرعة العسكرية في القرار والتوجه أملاً في حصول استدراكات من الجانب الإسرائيلي أو من الولايات المتحدة.
«ترميز سياسي… ورسالة لمن يهمه الأمر»
لكن في الزاوية الأضيق للترميزات، فإن العودة لعبارات «الاستعداد للمواجهة» وفكرة الدفاع عن الوطن وعودة دور القوات المسلحة في سلسلة أدبيات، استبدلت سريعاً بعد مقابلة نتنياهو الشهيرة المستفزة، بحيث توارت لغة عملية السلام والتعايش والتطبيع ليحل مكانها «خطاب تعبوي» ليس صدفة بالتأكيد أن يصدر في بيانات رسمية ظرفياً وليس بيانات شعبوية أو حزبية فقط.
قرار عودة التجنيد العسكري «خدمة العلم» حقق معدلات سريعة ومتقدمة جداً من التصفيق الشعبي الحار، ويمكن في الأثناء رصد أن القرار أعلن عنه بعد صبر تكتيكي لـ 5 أيام أعقبت تصريحات نتنياهو عن إسرائيل الكبرى، التي لا يمكنها القيام منطقياً وجغرافياً بدون «تهجير الفلسطينيين» أولاً، وضم أراض أردنية ثانياً، فيما يعتبر بمثابة إعلان حرب على المملكة، بموجب فهم المستشار القانوني الدولي الدكتور أنيس القاسم، بعدما تحدث لـ «القدس العربي» عدة مرات في السياق.
وفي الواقع، لم يقف القاسم وحده على تلك الضفة؛ فقد نقلت صحيفة جفرا الإلكترونية عن السياسي المخضرم الدكتور محمد حلايقة، ما هو استثنائي عندما اعتبر تصريحات نتنياهو مدخلاً لما هو أخطر بكثير من «الوطن البديل»، ملمحاً لتفكير اليمين الإسرائيلي بالاعتداء على الأردن أيضاً، وبالخيار العسكري أيضاً، كما يفهم من تعليقات الحلايقة وهو يشدد على أن القيادة الأردنية تقرأ المخاطر ولديها القدرة على التصرف.
عملياً، يطالب السياسي والبرلماني ممدوح العبادي بعودة خدمة العلم من عامين على الأقل وعدة مرات، وهو المؤمن بأن المعركة «آتية لا ريب» بين الشعب الأردني واليمين الإسرائيلي، فيما المسألة مسألة وقت.
وكان رئيس مجلس النواب الأسبق عبد الكريم الدغمي، قد طالب أيضاً بتشكيل حكومة عسكرية وعودة خدمة العلم والجيش الشعبي لمواجهة نتنياهو وعدوانه المرجح، بعدما اعتبر الدغمي أن الأخير هدد بوضوح الأردن شعباً ومؤسسة.
إجماع شعبي
إجماع النخب وأقطاب العمل الشعبي الأردني على مخاطر تصريحات نتنياهو ورفع مستوى الصوت في الخطاب المقاوم الاشتباكي من المسوغات التي توحي بأن الدولة قررت الاستجابة في ملف خدمة العلم، وفقاً للقناعة بأن نتنياهو تلاعب في كل الاعتبارات والإعدادات، وخلط الأوراق، والحكومة لا تستطيع البقاء في حالة «تسكين» وصمت خلف ميكروفون الشارع.
الشارع بدوره مرجح لأن يطالب بالمزيد من الإجراءات التي أصبحت ممكنة الآن وبين الاحتمالات ما دام مجلس الوزراء قرر «الإنفاق من ميزانية الطوارئ، كما قال بيان إعلامي رسمي، فيما الفرصة متاحة لدراسة عودة الجيش الشعبي وتوجيه رسالة ما «ضد التطبيع» ما لم يحسم حلفاء إسرائيل ومموليها ملف «إسرائيل الكبرى» بما يضمن على الأقل ليس تأسيس الدولة الفلسطينية، بل تأمين الأردن وحدوده من أي عدوان أو أطماع يمينية إسرائيلية.
تفعيل خدمة العلم رسالة سياسية من عمان بامتياز لكل «من يهمه الأمر»، توحي بأن كل السيناريوهات أردنياً أيضاً مطروحة على الطاولة، وأن لدى الأردن خطوطاً حمراء حقاً يختصر عنوانها رئيس مجلس الأعيان المخضرم فيصل الفايز، وهو يشرح المعادلة سابقاً لـ «القدس العربي»: الشعب الأردني مسالم… قد لا نستطيع محاربة إسرائيل عسكرياً، لكن، لدينا فهم متقدم لكيفية الدفاع عن ترابنا ووطننا ودولتنا ونظامنا. تفكيك شيفرة رسالة «خدمة العلم» هو المطلوب حتى لا تنفلت الأمور بسبب حماقات نتنياهو.