اراء و مقالات

الأردن و«السؤال الأكثر إحراجاً»: إذا تراجع الدولار… ما الذي ينبغي أن نفعله؟

اقتراح «مقاربة اقتصادية على الحكومة… والانفتاح على اقتصادي تركيا وإيران»

عمان ـ «القدس العربي»: «إذا تراجع الدولار الأمريكي، وسيتراجع حتماً، لا تستطيع الولايات المتحدة الأمريكية إرسال الجيوش إلى أي مكان في العالم في المرحلة المقبلة».
هذا حصراً ما قاله قبل فترة وجيزة الخبير الاقتصادي والسياسي الأردني البارز الدكتور جواد العناني، لـ «القدس العربي» وهو يقترح مقاربة اقتصادية على حكومة بلاده فكرتها الاستعداد عملياً لمرحلة ينتهي فيها مفعول جزئية الارتباط المالي الأردني بالدولار؛ لأن هذا الربط سيصبح ـ في رأي العناني ـ لا معنى له إذا ما بدأ تراجع الدولار، وفقاً للعديد من القراءات والتوقعات.
بعض مؤشرات التراجع المرجح لقيمة وقوة وصلابة الدولار بدأت تظهر. وفي المقاربة التي يقترحها العناني للتعافي الاقتصادي ومواجهة تحديات الاقتصاد، أفكار ومقترحات محددة مهمة ومثيرة، أبرزها التخلص من العلاقات «غير المفيدة» وغير المنتجة، والاقتراب أكثر من العلاقات مع المملكة العربية السعودية حتى ولو «على حساب غيرها» ثم يقترح العناني أن إيران وتركيا منطقان اقتصاديان إقليميان في الجوار في غاية الأهمية، ولا بد من تطوير العلاقات معهما.

لماذا الجفاء مع إيران؟

الجفاء مع إيران وتركيا كان دوماً من الملفات التي تثير الجدل بين الأردنيين عموماً عندما يتعلق الأمر بآفاق اقتصادية مجالها الحيوي الضفة الغربية والعراق وسوريا، وما تكشفه الواقع أن مصالح الأردن في أسواق الضفة الغربية يتحكم بها «اليمين الإسرائيلي» فيما الأسواق في العراق وسوريا هي برسم السيطرة الإيرانية، ما يعيد النقاش للمداخلة المثيرة قبل سنوات لرئيس الوزراء الأسبق عبد الكريم الكباريتي، التي دعت لمقاربة مختلفة مع إيران.
عند مقايسة العناني يمكن التوقف ملياً عند بعض الاعتبارات و«المقترحات الآمنة» والأهم هو أن الاقتراب من إيران وتركيا قد يعني ضمنياً الانتقال إلى الوصفة العلنية التي سبق أن اقترحها ساسة كثيرون، وبدأ يقترحها على عمان ساسة ومحللون لبنانيون مؤخراً بعنوان تغيير حالة التموقع الحالية في مسألة العلاقة مع إيران وإعادة إنتاج نظرة اقتصادية مصلحية، فكرتها بعد اليوم عدم التسليم بأن الدولار باق ليحتفظ بقوته.

اقتراح «مقاربة اقتصادية على الحكومة… والانفتاح على اقتصادي تركيا وإيران»

المثير أن رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري تحدث مبكراً وقبل حتى أحداث معركة طوفان الأقصى، عن ضرورة الاستعداد لمرحلة يتجنب فيها الأردن كلفة وفاتورة الانخراط التام بالمخطط الأمريكي، وبالتالي الإسرائيلي، في المنطقة والإقليم، وخصوصاً في اتجاه المسألة الإيرانية.

كيف نحدد هذه المصلحة؟

سياسيون لا بل عسكريون متقاعدون كثر في المشهد الأردني العام طرحوا أفكاراً محددة مؤخراً تعيد السؤال الأساسي للنقاش: أين تكمن مصلحة الأردن بصورة محددة في إطار تداعيات معركة طوفان الأقصى؟
مثل هذه التساؤلات تطرح سؤالاً فرعياً تطرق له حتى الجنرال العسكري والخبير الاستراتيجي المتقاعد الفريق قاصد محمود، عندما استفسرت منه «القدس العربي»: أيهما أفضل لمصلحة الأردن… مقاربة تنتهي بأن يحسم اليمين الإسرائيلي المعركة في غزة ثم الضفة الغربية لصالحه ويهزم المقاومة، أم العكس تماماً؟
مقاربة الفريق محمود كانت بصيغة تتبع المنطق، فتوازن الردع وانتصار المقاومة، فيه مصلحة مباشرة ومؤكدة للخيارات الأردنية.
أداء وتصرف الحكومة الأردنية في الجزء المحلي من تداعيات طوفان الأقصى ومساندة أهل قطاع غزة ومقاومتها، لا يظهر انحيازاً عملياً من هذا الصنف بقدر ما يظهر أن حكومة عمان وغرفة القرار فيها لا يزالان في إطار الحيرة والغموض والتردد وترتيب الملفات المرتبكة والسعي لمحاولة محمومة وهوسية، لكنها حتى الآن لم تنجز، بعنوان إعادة تدوير الزوايا.
الاقتراب من إيران حصرياً عندما يعرضه خبير من طبقة رجال الدولة مثل الدكتور العناني باعتباره وصفة في طريق الاستعداد لمرحلة يتخلص فيها الأردن من الارتباط العضوي بالدولار الأمريكي، يصبح صوتاً لا بد من الإصغاء إليه؛ لأنه بسبب أهمية مراقبة حجم التغير الكبير في ملف «العملات والتسعير» وأيضاً بسبب أهمية مراقبة حراك الصين والهند وروسيا في المنطقة والإقليم.
المطبخ الاقتصادي السياسي الأردني ومع تداول تقارير محلية تحذر من خروج الديون الخارجية عن السيطرة ملزم بالاستعانة بخبرات عميقة وحقيقية وتوقف حالة الاعتماد على الطاقم الحالي والبحث عن «اختراقات لأسواق» بالجوار للتمكن من ترسيم المصالح بدقة وبدون مجازفات. بالمقابل، ما يقترحه بارزون في فصائل المقاومة الفلسطينية تحديداً على عمان ليس تغيير موقفها ولهجتها، بل تجنب التورط أكثر في ملف حرمان المقاومة من مكاسب المعركة الجارية حالياً على أكتاف الجغرافيا والمصالح الأردنية.

رأي محلل لبناني

لا يسمع كثيرون هذا النداء في عمان، لكن ما لاحظه المراقبون أن مداخلة مصورة عن «خيارات الأردن» للمحلل اللبناني المعروف بصلاته مع محور المقاومة ناصر قنديل، حظيت بتداول متضخم وتعكس بعض الدلالات في توفير بنية اجتماعية لـ «رأي آخر» على الأقل بالمسارين: العملياتي، والاقتصادي. وقال قنديل في مداخلته المثيرة أن محور المقاومة ينغي له أن يترك الأردن وشأنه، ولا يتدخل به، وأن الأردن ينبغي أن يصوغ معادلاته وفقاً لاعتبارات الاجتماعية والسياسية بالطريقة التي يراها مناسبة شعبياً ورسمياً.
ومن هنا، كشف قنديل النقاب عن أنه كان أحد الذين تحركوا لمنع وإعادة بعض التجمعات العراقية الشيعية التي حاولت الاقتراب من الحدود الأردنية على أساس القناعة بأن محور المقاومة له مصلحة باستقرار الأردني بكل حال.
لكن – برأي المحلل اللبناني الذي يظهر اهتماماً بالأردن بين الحين والآخر- على المملكة أن تجيب عن أسئلة مهمة جداً ومحددة لترسيم مصالحها، قد يكون أهمها: ماذا إذا انسحب الأمريكيون من العراق وسوريا؟
لافت جداً للنظر أن نقاشات الاقتصاد والدولار وموقف الأردن من علاقاته واصطفافاته الإقليمية ومن محور المقاومة وتركيا، كلها مسائل بدأت يرتبط بعضها ببعض، خصوصاً عشية موسم الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي بشر بنتائجها مسبقاً وزير البلاط الأسبق الدكتور مروان المعشر، عندما توقع بأن يحسمها الرئيس دونالد ترامب لصالحه، الأمر الذي ينبغي أن يتجهز له الأردن جيداً على أساس قناعة المعشر بأن صفقة القرن معناها المباشر والأكيد والمكتوب والموثق هو تصفية القضية الفلسطينية على حساب الأردن.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading