الأردن وسوريا و«زحمة» البساطير
لو أن النظام السوري تصرف كما ينبغي مع حاجة شعبه للكرامة بعيدا عن العصابات التي كانت تستحكم في مصير الشعب ومؤسساته الاقتصادية لما تعرضت سوريا لكل تلك المؤامرة
نحن طبعا ودوما ضد «تدخل أي قوات أجنبية» في سوريا بنفس القدر الذي نعترض فيه على «جرائم النظام السوري» بحق شعبه… طبعا ودوما لا يمكن الترحيب بأي تواجد عسكري غير سوري على التراب الوطني السوري.
ومن الواضح لو أن النظام السوري تصرف كما ينبغي مع حاجة شعبه للكرامة بعيدا عن العصابات التي كانت تستحكم في مصير الشعب ومؤسساته الاقتصادية لما تعرضت سوريا التي نحبها لكل تلك المؤامرة التي يهتف بها الإعلام الرسمي السوري ورموز معسكر الرئيس السوري في كل الجوار وتحديدا في الأردن.
لو حصل ذلك على أي نحو لما اضطر النظام السوري الشقيق لمصادرة أموال نحو «150» شخصية رفيعة المستوى من الطائفة والعصابة التي تحكم الأسواق في ضربة واحدة لتعويض عجز ميزانية الدفاع عن الأراضي السورية.
المعترضون على التدخل التركي العسكري وخصوصا العرب منهم لم نسمع صوتهم إطلاقا ضد التدخل العسكري الأمريكي ولا الروسي ولا الإيراني ولا الإسرائيلي تحديدا في شمال سوريا وجنوبي تركيا حيث الموساد ينشط وبقوة في تسليح مقاتلين ضالين من أشقائنا الأكراد.
يكفي أن نتذكر عندما يتعلق الأمر بعمق الأزمة السورية أن العدو الإسرائيلي لم يشترك يوما في التصدي للإستثمار العابر للحدود الذي تقمص تنظيم داعش وشقيقاتها، فطوال الوقت يقدم المتشددون والإرهابيون المتوسعون في العراق وسوريا وكل مكان درسا متقدما لنا في أقصر الطرق لكي تستفيد إسرائيل وتتحقق مصالحها.
أي حرب وفي أي مكان يدفع ثمنها الإنسان البريء والمواطن العادي الذي يتحول إلى وقود وحطب لأجندات المرتزقة وأجهزة الاستخبارات المتعدد التي تسرح وتمرح داخل الأراضي السورية والعراقية وفي ظل خط متكلس تماما بعنوان «قوى الممانعة والمقاومة».
..ومن يحاجج بأن فلاديمير بوتين يحق له الحرص على مصالحه وأمنه الاستراتيجي بالتدخل العسكري في العمق السوري، لا يحق له الاعتراض على تركيا وهي تقول إنها تحارب الإرهاب أيضا.
من يتفهم أصلا وجود بسطار أمريكي بأوامر من الرئيس دونالد ترامب وبكثافة ينسحب بين الحين والآخر، لا يحق له مجددا الاعتراض على وجود بسطار تركي لديه من الحجج والبراهين والمصالح ما يفيض عن تلك التي تسوغ الوجود العسكري الأمريكي سواء على الحدود مع الأردن أو في منطقة النتف أو حتى في العمق الكردي شمالي سوريا وجنوبي الجمهورية التركية.
من وافق ومول التدخل العسكري الأمريكي وتحالف مع العمل الاستخباري الإسرائيلي ومن أنتج مشروع «بندر بن سلطان» وسمح بمعسكرات تدريب للمعارضة السورية…ومن يقصف في اليمن لأغراض حماية ترابه من الإرهاب الحوثي.. هؤلاء جميعا آخر من يحق لهم الاعتراض على عمليات الجيش التركي.. وهم أيضا آخر من يحق لهم التحدث عن حرصهم الشديد على «وحدة التراب السوري».
كل دول المنطقة وليس سوريا فقط علقت بين زحمة البساطير العسكرية في مياه بحر العرب وبين حدود دول النادي الخليجي وفي محيط لبنان والأردن.
المنطقة تحولت إلى مستودع كبير للطائرات المسيرة بدون طيار ولكل أصناف «البساطير» العسكرية البرية والبحرية والصاروخية والسايباراتية – من «الأمن السبراني».
البسطار الأجنبي هو نفسه بكل الأحوال…على من يقف مع سوريا التراب أن لا يميز بين البساطير على هذا النحو المخجل خصوصا عندما يتعلق الأمر بخطاب جامعة الدول العربية التي سبق أن شرعت لدول عربية التدخل اليومي والاستخباري والعسكري في الداخل السوري.
لا أتصور أن النظام السوري بعد كل هذا الخذلان السياسي والدبلوماسي العربي يحتاج فعلا لمقعده في جامعة عربية قال عمرو موسى قبل أيام فقط في عمان وأمام نخبة من كبار الساسة بأنها «ماتت وتحتاج فعلا لإصدار شهادة وفاة».
السؤال هو: كيف سيعيد مقعد سوريا في الجامعة العربية كرامة ذوي نحو مليون شهيد وجريح ومصاب؟..كيف سيعيد نحو 3 ملايين مهجر ونحو نصف مليون أسير على الأقل؟.. وإلى أين سيعود ملايين السوريين الذين تهدمت قراهم ومدنهم؟.
هذه أسئلة صعبة لا تستطيع الجامعة العربية الإجابة عليها وهي تذرف الدموع على التدخل التركي العسكري شمالي سوريا الذي كان مرتعا طوال الوقت للاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية ولأجهزة تابعة لعدة دول غربية. بكل حال وأردنيا على الأقل يمكن القول إن المبالغة الأردنية في الاعتراض على التدخل العسكري التركي لها أهدافها السياسية بالترجيح لكنها تنتمي على نحو أو آخر لنفس العلبة العربية التي كان لها برأي النظام السوري طوال الوقت الدور الأبرز في إنتاج وخلق الفوضى والمؤامرة في سوريا.
سبق لوزير الخارجية الأردنية أن أصر على التحدث عن النظام السوري وليس الدولة السورية.
ولم يسبق له أن طالب بانسحاب القوات الأمريكية او الروسية من الأرض السورية، الأمر الذي يرجح بأن موقف النظام الرسمي تجاه التدخل العسكري التركي قد لا تكون له علاقة بالمبادئ بقدر ما له علاقة بالتباكي مجددا على تراب سوري دنسته جميع البساطير وهي تتزاحم مع أجنداتها.
على كل البساطير مغادرة التراب السوري وبدون تمييز أو قيد أو شرط.