اراء و مقالات

«الأردن وغزة أولاً»: ما علاقة «حي الطفايلة» بأزقة ماركا والقويسمة؟

تبرعات ومتفجرات… وتساؤلات حول ما يحصل

عمان ـ «القدس العربي»: أي نقاش عام في المشهد الأردني لمسألة تحويل بعض نشطاء حي الطفايلة الشعبي الشهير وغيرهم، للنيابة من أجل التحقق من عمليات «غير شرعية» لجمع التبرعات، سيخرج بالضرورة عن «سياقه المنطقي» والوطني والسياسي إذا تم التعاطي معه حصراً وفقط في سياق «مخالفات إدارية أو قانونية».
في المقابل، أي نقاش لوقائع محاولات «بعض المواطنين» بين فترة وأخرى تجاوز «الحدود مع فلسطين المحتلة» أو حتى «تهريب السلاح» من منظور «أمني وقانوني» فقط أقرب إلى «إجراء» أبعد عن جوهر التحديات التي فرضتها جريمة الإبادة الإسرائيلية لأهل قطاع غزة، والتي لا تزال مستمرة بكل حال، على الدولة الأردنية قبل غيرها من الدول المستقرة في جوار فلسطين المحتلة.
بالتوازي، يفهم الجميع بأن «بقاء الأردن مستقراً وآمناً» وبعيداً عن «أي مغامرات» أو مجازفات منطقة مشتركة يلتقي فيها المعارض مع الشكاك أو الموالي، الأمر الذي يعني بالضرورة عدم وجود مسوغات للتشكيك بالرأي الآخر أو للمزاعم التي ترددها بعض الأقلام وهي تحاول «شيطنة « التيار الإسلامي أو حتى المقاومة الفلسطينية خلافاً لخدش روح ومنطق الوحدة الوطنية للأردنيين تحت ستار من هتافات من طراز «الأردن أولاً» لأن الأردن مجدداً أولاً طبعاً، ولكن الأهم الإجابة على أسئلة فرعية: في ملف غزة.. كيف ومتى وماذا؟
هنا حصراً حصلت مستجدات ناقشتها نخبة عمان مؤخراً بعد عودة نشاط بعض الذباب الإلكتروني الذي يحاول خدش خطاب الثوابت الأردني السياسي في القضية الفلسطينية، والمعنى أن أصل وجذر أي محاولات للمساس بالأمن الوطني الأردني هو «الاحتلال الإسرائيلي» وجرائمه المستمرة في قطاع غزة، وليس رغبة أي شريحة اجتماعية محلية في تجاوز القوانين أو المساس بالوطن إلا في حالات إرهابية متشددة طبعاً مرفوضة ولا مساحة لها في حواضن الأردنيين.
مبكراً، طلبت المؤسسات المرجعية من دوائر الإجراء التنفيذية الانتباه لمرحلة صعبة جداً معقدة قادمة في الطريق، قوامها «اختلاط الأوراق». ومبكراً، أظهرت المنظومة البيروقراطية الأردنية الخبيرة كل الحرص على ضبط الإيقاعات بكل توازن ممكن، خصوصاً أن الأمن الوطني الأردني مسألة غير قابلة للتأويل أو المزاودة، ما دفع المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين المعارضة الشيخ مراد عضايلة، للإعلان مرتين: «اليد التي تمتد لأمن الأردن سنقطعها».
في مساحة النقاش المتأخرة، رصد وملاحظة الإجراء التي قامت به وزارة التنمية الاجتماعية تفاعلاً مع القوانين التي تحكمها، عندما أحالت مخالفات إدارية مفترضة للنيابة تحت عنوان جمعيات وشرائح قامت بـ «جمع التبرعات» وفي الأفق المتوازي تلك النقاشات والتجاذبات المكتومة التي تثيرها الإفصاحات الأمنية الأخيرة المتعلقة باكتشاف وتفكيك كميات متفجرات تم تخزينها في بعض الأحياء الشعبية المكتظة في عمان.

تبرعات ومتفجرات… وتساؤلات حول ما يحصل

طبعاً، محاولات تهريب السلاح للفلسطينيين تحت الاحتلال رغم أنها تخالف القوانين، فإنها تحظى الآن تحديداً وفي ظل العدوان الوحشي على أهل غزة، بشرعية الحواضن الاجتماعية، وهي بالتأكيد مسألة تختلف عن جمع السلاح أو صناعة المتفجرات لأغراض المساس بالأمن الداخلي، حيث دافعية غير مقبولة إطلاقاً هنا.
في ملف التبرعات انطباع عام وسط الأردنيين بأن الفرصة متاحة لإعادة فهم وقراءة محاولات التفاعل الشعبية الطبيعية مع مسار الأحداث والتجويع لأهل غزة، وصعوبات في تمرير أي اجتهاد إداري أو بيروقراطي يحاول إعاقة تبرعات الأردنيين السخية، مع أن وزارة التنمية الاجتماعية قالت إن الهدف من تطبيق القانون هو التوثق من وصول المساعدات إلى أهدافها وعدم ممارسة بأي سلوك يمس حقوق المتبرع والمتبرع له.
بالتوازي، الشارع يميل إلى استثناء حالة واحدة يمثلها شباب حي الطفايلة الشعبي تحديداً بسبب الأفضلية التي تميز بها أهالي هذا الحي في إرسال المساعدات مباشرة إلى قطاع غزة، وتحقيق اختراقات خلافاً لأن لجان الحي النشطة هنا حصراً أصبحت عنواناً للمتبرعين من مناطق وعشائر أخرى في المزاح الشعبي الأردني.
لذلك، اعتبر الناشط النقابي البارز أحمد أبو غنيمة، في تغريدة مثيرة له صباح الجمعة، بأن «شباب حي الطفايلة شامة على خد الوطن» وأن النشطاء الذين يجمعون في ذلك الحي التبرعات من أجل غزة يستحقون المعاملة اللائقة والأوسمة.
عملياً، يمثل أبو غنيمة موقف المزاج الشعبي الأردني من ملف حي الطفايلة في مفارقة من الطبيعي ألا تنسجم مع شروحات وحيثيات ما أعلنته وزارة التنمية الاجتماعية عن إحالة ملفات 14 جمعية وهيئة إلى النيابة للتحقيق بخصوص تبرعات غير مرخصة.
في المقابل، وبعيداً حتى عن الإفصاحات الرسمية، حاول بعض المتحرشين قراءة عمليات انتهت بالسيطرة على متفجرات تم تخزينها في أحياء شعبية مكتظة مثل القويسمة وماركا شرقي وجنوبي عمان العاصمة، باعتبارها مؤشرات على حراك جنائي وإجرائي مرتبط بملف التعاطف مع غزة، علماً بأن السلطات لا تقول بذلك رسمياً بعد، فيما الشارع «يتفهم» أي محاولة فردية لتهريب سلاح إلى فلسطين المحتلة ويدعم، بلا تأويلات، المقاومة غربي النهر بكل أشكالها.
في انتظار المزيد من الإفصاحات الأمنية الطابع، يمكن القول إن النخب والأوساط السياسية تتجادل الآن فيما بخص «تداعيات ما يحصل في فلسطين» على الجبهة الداخلية الأردنية، وما سمعته «القدس العربي» من متابعين خبراء بينهم الحقوقي عاصم العمري، أن الفرصة متاحة للتوقف الآن عن قراءة أي تحولات في عمق المجتمع الأردني بعيداً عن غزة وما يحصل فيها ولها. إيقاعات جريمة الإبادة الإسرائيلية هي المؤثر الأبرز في عمق المسألة الوطنية الأردنية، في رأي العمري.
وما دام الاحتلال قائماً ومستمراً، ستبقى المقاومة من الحقوق الشرعية التي يدعمها الإنسان الأردني. وما دامت العلاقات مع هذا الاحتلال مستمرة، فعلى الحكومة أن تفهم أن الأمر لا يعجب الأردنيين ولا يمثلهم في هذه المرحلة تحديداً.
بعيداً عن حيثيات ملف جمع التبرعات وحتى عن محاولات تهريب أسلحة، فإن ما لا يتسامح به الشارع الأردني هو «المساس بالأمن الداخلي».
دون ذلك، فإيقاعات غزة تحكم انحيازات المجتمع، والأهم ان أصل التحدي «الأمني الوطني الأردني» ليس مخالفات بعض المواطنين للقوانين أو اجتهاداتهم فقط بقدر ما هي أيضاً -وهذا مهم للغاية ـ سلوكيات الجريمة الإسرائيلية المتواصلة، ما يخصص الزخم اللازم لتأثير ما يحصل في غزة حتى على شعار «الأردن أولاً».

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading