الأردن ومسلح «الرابية» الغامض… الشارع «يتكهن»: «ذئب منفرد»… تنظيم إرهابي أم «مواطن غاضب»؟
الشرطة تقتل مسلحاً في تبادل لإطلاق النار بالقرب من السفارة الإسرائيلية
عمان ـ «القدس العربي»: قالت السلطات الأردنية إن قوات الشرطة أطلقت النار على رجل وأردته قتيلاً، بعدما أطلق النار بالقرب من السفارة الإسرائيلية، في وقت مبكر من صباح أمس الأحد.
وأصيب ثلاثة من أفراد الشرطة إثر تبادل لإطلاق النار في منطقة الرابية في العاصمة عمان. ولم تحدد السلطات هوية مطلق النار، أو الدافع وراء قيامه بذلك.
واكتنف المشهد بعض الغموض لأسباب مفهومة في حادثة الرابية الجديدة غربي العاصمة عمان، لكن الأسئلة على الرغم من البعد الجنائي المعلن في بيان رسمي للأمن العام لتلك الحادثة، فإنها طرقت وتم تناولها إعلامياً في إطار سياسي.
مفهوم تماماً أن الغموض جزء منه مقصود لأغراض إجراء تحقيقات معمقة، والجزء الآخر يفترضه المحللون الكثر من بسطاء المعلقين، خصوصاً على منصات التواصل الاجتماعي. لكن بعيداً عن الاعتبارات الأمنية المباشرة وعلى أهميتها القصوى في حادثة جنائية من هذا الصنف، يمكن الوقوف ملياً عند وصف البيان الرسمي لما حصل بالقرب من مقر السفارة الإسرائيلية المغلق والخالي من الموظفين باعتباره عملاً إرهابياً أقرب إلى صيغة تعريف قانونية وقضائية في الواقع، لكنها تعكس أيضاً الانطباع بخلفيات سياسية.
أطلق رجل فجر أمس الأحد، النار على دورية أمنية قالت تقارير محلية إنها مخصصة لحراسة مكاتب سفارة إسرائيل الفارغة، ثم أعلن الاستنفار الأمني ولوحق مطلق الرصاص الموصوف بأنه «مطلوب أمنياً ومتعاطي مخدرات وصاحب أسبقيات».
هوية غامضة
انتهت المواجهة مع المسلح الغامض حتى الآن، الذي لم تكشف السلطات هويته مع أنها ستفعل حتماً لاحقاً بمقتله إثر إصراره على إطلاق النار على من طارده من عناصر الأمن بعدما جرح ثلاثة من أفراد دورية الحراسة وأصيبوا بإصابات متوسطة، كما وصفت.
سارع كبار المسؤولين في الدولة ومن بينهم رئيس الوزراء جعفر حسان، ووزير الداخلية مازن الفراية، ورئيس الديوان الملكي يوسف العيسوي، ومعهم مدير الأمن العام وكبار الضباط، لزيارة المصابين في المستشفى.
هذه الزيارة السريعة لكبار المسؤولين تثبت مستوى الاهتمام الذي واجه تلك الحادثة الأمنية من قبل غالبية دوائر القرار، رغم أن التفاصيل والحيثيات والتصنيفات لم تتضح بعد.
السلطات الأمنية الأردنية أعلنت مسبقاً ودرءاً للتكهنات والافتراضات، المسار الجنائي للرجل المطلوب، الذي قتل لاحقاً ووصفته بصاحب أسبقيات.
تلك أيضاً خطوة احترازية يفهم منها المراقب بأن المؤسسة الرسمية لا تريد للشارع أن يتكهن أو يمارس لعبة افتراض المعطيات بعيداً عن الميدان.
الشرطة تقتل مسلحاً في تبادل لإطلاق النار بالقرب من السفارة الإسرائيلية
تعاملت الأجهزة الأمنية بمهنية واحتراف مع الحادثة، لكن المنقوص في الرواية الرسمية سمح بتأويلات وفرضيات، خصوصاً على منصات التواصل الاجتماعي وعبر بعض وسائل الإعلام الإلكترونية، فيما ثبت سياسياً وأمنياً بالوجه القاطع أن بقاء السفارة الإسرائيلية في عمان، وحصراً في ضاحية الرابية، أصبح عبئاً على أجهزة الدولة.
والأهم في الاستهداف هنا بعيداً عن أسراره وخلفياته وألغازه، هي تلك الإشارات التي يفهم منها أن منطقة الاحتفاظ بعلاقة مع الكيان الإسرائيلي أصبحت مثيرة للجدل، لا بل منتجة لأحداث أمنية؛ لأن الحفاظ أصلاً على أمن ضاحية الرابية تحديداً يتطلب طوال الوقت خصوصاً أيام الجمعة من كل أسبوع، احترازات أمنية مكثفة تطلبها بروتوكولات مصالح الدولة والتزاماتها
. إن وصف البيان الرسمي لمن أطلق الرصاص وقتل قرب بوابات البناية التي توجد فيها مكاتب خالية للسفارة الإسرائيلية، أنتج نوعاً من الالتباس عملياً.
والسبب أن هذا الوصف لم يقترن بعد بتحديد الخلفية الفكرية والتحفيزية التي تسببت أصلاً بحادثة إرهابية من هذا الصنف تثبت مجدداً ودائماً أن تداعيات ما يحصل في الإقليم وفي غزة وفلسطين ولبنان، مستمرة في الضرب على الأوتار الحساسة في الأردن. بيان الحكومة الرسمي الصادر بالمناسبة تحدث عن امتلاك الشخص الذي أطلق الرصاص لسلاح أتوماتيكي ولزجاجات حارقة.
تلك مؤشرات في التفسير الأمني بأن الهدف المخطط له قد يكون اقتحام مقر السفارة التي لا يوجد فيها أي موظفين.
وتوحي ضمناً أيضاً بأن الرجل بصرف النظر عن دوافعه وهي فردية وشخصية في كل الأحوال على الأرجح، هاجم رجال أمن دون مبرر، ولأن هدفه هو الاختراق، علماً بأن الأمن تصدى سابقاً قبل أشهر لمحاولة متظاهرين غاضبين وملثمين حمل أحدهم زجاجة مولوتوف اختراق السفارة من أسوارها بهدف إحراقها.
تقوم السلطات الأمنية بواجبها في تأمين مقرات السفارات الأجنبية، لكن الأرق الأمني في ضاحية الرابية تحديداً حيث مكاتب سفارة الكيان، يتواصل ويتخذ أشكالاً عديدة.
وثمة معطيات أولية تكشف بعض المصادر لـ«القدس العربي»: عنها، وتفيد بأن الصيغة التي حركت الرجل بعد ليلة ساخنة في الأنباء والأخبار إعلامياً، قد تكون أقرب إلى صيغة الذئب المنفرد الإرهابي، وفقا لتصنيف السلطات القانوني، وهو ما ألمحت له صحيفة «عمون» الإلكترونية المحلية ضمن سلسلة التأويلات والتكهنات.
لم يكشف النقاب بعد عن خلفية المنفذ، ولم يكشف النقاب عن مساره الفكري ولا رغبته وما خطر في ذهنه عندما هاجم رجال أمن أردنيين يقومون بواجبهم مرتكباً في كل حال سلوكاً لا أحد يمكنه أن يبرره في أوساط المجتمع حتى تحت قائمة الغضب والاحتقان الذي تثيره المجازر الإسرائيلية في وجدان الأردنيين. بهذا المعنى سياسياً، لا بد من توجيه الاتهام بصرف النظر عن الخلفية للعدو الإسرائيلي وما يفعله في الأرض المحتلة.
سؤال كبير وتداعيات
وما ينتج بالتالي عما يفعله، خصوصاً في جزئية الإبادة وقتل الأطفال والنساء، على وجدان مكونات الشعب الأردني جميعها، حيث يصر الخبراء على متهم واحد فقط وحصراً لا بد من توجيه الأصابع إليه في مثل هذه الحالات، وهو إسرائيل ومخاطر ما تفعله على الأردن والأردنيين، وإن كان ذلك ليس مبرراً لمخالفة قانونية تمس برجال الأمن تحديداً.
الحادث لا يمكن، مهما كانت خلفيته، قراءته خارج سياق تداعيات المشهد الفلسطيني على الداخل الأردني.
وإن إطلاق الرصاص على رجال الأمن سلوك مرفوض اجتماعياً، لكن يوحي سياسياً بأن الأمن الأردني مضطر ليلة تلو الأخرى لأن يسهر ليله الطويل مع أحداث متوقعة وأخرى لا يمكن توقعها.
إلى أن توضع النقاط على الحروف فيما يخص بقية تفاصيل حادثة الرابية الجديدة، لا بد من التوقف ملياً عند السؤال العميق المطروح مرحلياً: ما هي الجهة التي يمكن أن تخطط للعبث بأمن واستقرار الأردن بعد الآن، ولها مصلحة في ذلك؟ سؤال كبير يحتاج إلى إجابة صريحة وشفافة تتجاوز حادثة الرابية ذاتها.