الأردن وهو يواصل التقاط «الأخبار السيئة جداً»: «المسار التنفيذي» لصفقة القرن بدأ بتوقيع السفير فريدمان
خريطة جديدة للضفة الغربية وسط هواجس من «وقائع الميدان»
يعني ذلك الكثير سياسياً على الأقل وإن كان لا يعكس مستجداً عميقاً في الموقف الأردني. وكالة الأنباء الرسمية للأردن «بترا» بدأت تلتقط تلك الأخبار السيئة غربي نهر الأردن، حيث صولات وجولات لتكريس خطوات أحادية وواقعية بتوقيع نجم الدبلوماسية الأمريكية الموالي جداً لإسرائيل، سفير واشنطن في تل أبيب، ديفيد فريدمان.
فعلها فريدمان مجدداً، وتقدم برسالة تفيد بأن إدارته بدأت ما كان يخشاه الأردنيون طوال الشهر الماضي، وهو المسار التنفيذي لصفقة القرن.
وفقاً لـ «تويتر» نشره فريدمان صباح أمس الأحد، بدأ المسار التنفيذي بتشكيل لجنة باسم «لجنة رسم الخرائط».
اللجنة ثنائية، بمعنى أمريكية إسرائيلية فقط، ووكالة الأنباء الأردنية اكتفت بالتقاط النبأ وبثه للرأي العام والصحافة المحلية، والحديث طبعاً ودوماً عن رسم خرائط ما يسمى بالسيادة الإسرائيلية على أرض الضفة الغربية حصرياً.
فريدمان قال على «تويتر» بأنه يأمل بانطلاق أعمال اللجنة المعنية برسم خريطة السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية فوراً. وقصداً قال السفير الإسرائيلي أكثر من الإسرائيليين، كما يوصف، بأن عملية رسم الخرائط التي بدأت رسمياً، الأحد، قد لا تعكس المناطق المقصودة بدقة متناهية.. تلك رسالة أمريكية تحاول الإيحاء بأن الرئيس دونالد ترامب يترك هامشاً ولو صغيراً لعملية التفاوض التي تتضمنها صفقته المشؤومة. لاحظت غرفة القرار الأردنية مبكراً بأن اللجنة المزعومة المعنية برسم الخرائط في الضفة الغربية يفصلها في السياق الزمني أسبوع واحد فقط عن الشجرة التي زرعها بنيامين نتنياهو في خاصرة أريحا ،محتفلاً بضم الأغوار رسمياً.
لافت جداً للنظر أن من أعلن، وفقاً للصحافة الإسرائيلية، تدشين اجتماعات رسم الخرائط الأمريكية الإسرائيلية الثنائية هو الجانب الأمريكي وليس الإسرائيلي. طبعاً، يترأس اللجنة السفير فريدمان نفسه، ووظيفتها الفنية ترسيم خريطة بالمناطق التي تخضع بموجب صفقة القرن للسيادة الإسرائيلية، الأمر الذي يعني تلقائياً إسقاط خارطتين عملياً، هما تلك التي نتجت عن أوسلو، وتلك التي تضم المستوطنات ومناطق «سي» التي كان يفترض أن تخضع للتفاوض النهائي بعد توقيع أوسلو وحتى عام 1999.
يتضح هنا حجم الخطأ الذي تحدث عنه علناً المفكر السياسي الأردني عدنان أبو عودة، عندما قال بأن من فاوض باسم منظمة التحرير الفلسطينية في أوسلو ارتكب الخطأ الأفدح تاريخياً عندما وافق على فكرة نقل ملفات رئيسية وأساسية إلى ما يسمى بالتفاوض النهائي. وهي ملفات، برأي أبو عودة، لم تعد خاضعة للتفاوض بموجب صفقة القرن التي تتحول تدريجياً إلى وقائع على الأرض، وهو ما يحذر منه مسؤولون كبار في الأردن، ويعتبرونه الأخطر في سياق مرحلة الانتقال للمسار التنفيذي.
ضمنياً، يتفق -ولو تلميحاً- مع هذا الرأي رئيس الوزراء الأسبق المخضرم أيضاً عبد الرؤوف الروابدة، وهو يعبر مجدداً، في جلسة حوارية حضرت جانباً منها «القدس العربي»، عن أن القراءة الوحيدة لصفقة القرن تشير إلى أنها الترتيب الميداني لتصفية القضية الفلسطينية.
الروابدة، وفي صالون الوزير السابق الدكتور أمين محمود، حذر الفلسطينيين والأردنيين من الاسترسال فقط في انتقاد الآخر في جدار الدول العربية ومواقفها، ومن الإكثار من الشتائم فقط، فيما يصطاد الخصم ويفوز بالإبل، معتبراً أن الاستدراك والانتباه ضروريان في هذه المرحلة الحساسة، وبأن الخطر يشمل الجميع، وبأن الإكثار من نقد الموقف الرسمي بعيداً عن السياق الواقعي لحجم القوة والتأثير لن يكون مفيداً بحال من الأحوال، بل الأفيد هو الحرص على تحصين الذات داخلياً وتأجيل الخلافات إلى مرحلة لاحقة لمواجهة خطر لا يشك الروابدة مرحلياً بأنه حقيقي واستهدافي وناشط.
لا يتحرك كثيرون مجدداً في الفضاء النخبوي الأردني، على صعيد الحديث، عن أوراق القوة في مناهضة تفصيلات وتفعيلات ما يسمى بصفقة القرن.
والكرة الرئيسية، بالرغم من الإيمان بغياب المنطق والعقلانية عن تلك الصفقة برأي مسؤول أردني بارز تحدثت معه «القدس العربي»، في مرمى القيادة والشرعية الفلسطينية التي سيلحقها بالضرورة ليس الأردن فقط، ولكن أيضاً النظام الرسمي العربي، حيث رهان متواصل على إنتاج إعاقات فلسطينية منطقية وفعالة في وجه ترتيبات صفقة القرن.
من ينصح الفلسطيني هنا أردنياً على الأقل وعربياً يقترح عليه العودة لوثيقة المبادرة العربية التي وصفها الروابدة بأنها تمثل الحد الأعلى من تنازلات الموقف العربي، ويمكن التحصن خلفها مع العودة، بالتوازي، لضرورة أن يضع الفلسطينيون رؤيتهم في موازاة الرؤية الأمريكية، حيث إجماع وسط النخب الأردنية على أن هذا الهامش، وفي الوقت الذي يكثف فيه الإسرائيلي من خطواته التنفيذية لفرض وقائع على الأرض، قد يكون الوحيد المتاح أمام اللاعب الفلسطيني.