اراء و مقالات

الأردن «يراقب بقلق»… وقاعدة الاشتباك الجديدة: نأي بالنفس و«لا تنظيف وراء نتنياهو»

وسط تهديدات إسرائيلية خطيرة و«الضفة الغربية تنهار»

عمان ـ «القدس العربي»: «التخشين» الدبلوماسي المرصود أمس الأول بتوقيع وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، والذي يصل إلى مستوى «الهجوم المتجدد» دبلوماسياً على الأقل على حكومة اليمين الإسرائيلي له، بصورة مرجحة، أسبابه وخلفياته ودلالاته السياسية الأبعد خلافاً لأن صيغة «لسنا معنيين بالتنظيف وراء نتنياهو» هي رسالة للداخل الأردني أيضاً تفيد في مكاسب الاحتواء وحصر ردود الفعل الشعبية التي بدأت تصبح «حادة أو غير مسبوقة أو مألوفة».
الوزير الصفدي الذي تغيب قليلاً مؤخراً عن أضواء مسرح الجريمة الإسرائيلية في غزة لصالح العمل والاختراق في الكواليس، كان يجيب على سؤال مباشر بصيغة تقترح التفاعل مع «مطلب إسرائيل بالنزول عن الشجرة عبر تشكيل قوات عربية تتولى إدارة قطاع غزة».
بوضوح، لم يقف الصفدي عند الجواب بالنفي ولم يتلزم فقط بصيغة «المقترح» الذي يعتقد أنه «أمريكي» بالأساس، بل قال إن المؤسسة الأردنية ليست معنية بـ «تنظيف ما وراء جرائم ارتكبها نتنياهو».
والجواب هنا يوحي سياسياً بأن الكواليس والخلفيات مليئة بالمستجدات في الفهم الأردني لما يحصل في غزة وغربي النهر، ما يبقي السؤال مشروعاً: لماذا تلجأ الدبلوماسية الأردنية مجدداً لهذه الخشونة؟ وعلى من ترد ولماذا؟
الإجابة قد لا تكون متاحة على المستوى المعلوماتي المباشر، لكن الحرب التي تشنها إسرائيل على الشعب الفلسطيني طالت، ولا يبدو أن الإدارة الأمريكية جدية بممارسة الضغط بقدر ما هي معنية بالتأسيس لمشهد يحل مشكلات نتنياهو في غزة وليس مشكلات عملية السلام ولا الشعب الفلسطيني.

رسالة دبلوماسية

رسالة الدبلوماسية الأردنية تعكس مجدداً ـ حتى برأي القطب البرلماني خليل عطية ـ حالة الثبات الأردنية في منطقة «الثوابت والموقف» من الجريمة والمجرم. لكن الأهم أن تلك الرسالة الدبلوماسية متأثرة بصورة مرجحة بحرص الأردن الشديد ولأسباب داخلية وأحياناً تتعلق بالأمن السياسي على إظهار سيناريو «النأي بالنفس» عن أي ترتيبات أمريكية سرية أو علنية تخص الإجابة عن سؤال: غزة اليوم التالي؟
ثمة فارق في الهامش الأردني هنا بين موقف يخطط لإخراج «معادلة المقاومة وليس فكرتها» من مشاريع إعادة الإعمار في غزة، وآخر يريد اجتثاث المقاومة ومعها الشعب الفلسطيني نفسه، ونقل الأزمة إلى الضفة الغربية على أكتاف حدود المملكة الأردنية وعلى حساب أنقاض «أوسلو ومعها وادي عربة».
الوزير الصفدي هو نفسه مرجعية العبارة التي بدأ متأخراً جداً يرددها الجيش الإسرائيلي بعنوان «حماس فكرة لا يمكن مواجهتها بالعمل العسكري».
ولاحقاً، اقترح الوزير عندما تناقشت معه «القدس العربي» أن يوقف العالم عملية القتل ويوقف إطلاق النار أولاً، ثم يعود لـ «جذر المسألة والصراع».

وسط تهديدات إسرائيلية خطيرة و«الضفة الغربية تنهار»

هنا الانطباع يتكرس أكثر في عمان بأن المنظومة الدبلوماسية والأمنية الأردنية «ليست مرتاحة» لمستجدين في مشهد حرب الإبادة الحالية هما: أولاً، إخفاق الولايات المتحدة والمجتمع الدولي في السيطرة على طاقم حكومة نتنياهو.
وثانياً، التعامل بجدية مع مشاريع وقف إطلاق النار.
في مقرات الخارجية الأردنية معطيات «متجددة إن لم تكن مستجدة» يقول أهمها بأن «الوضع في الضفة الغربية يزداد خطورة كما لم يحصل من قبل» فقد وصل عدد الاقتحامات الإسرائيلية لكل مناطق وقرى وأحياء الضفة إلى 18 حالة في المعدل اليومي في وضع «غير مسبوق» وحجم التجريف والتدمير للبنية التحتية وصل إلى منحنيات خطرة للغاية، خصوصاً في ثلاثية طولكرم وجنين وأريحا، وعمليات الترحيل القسري بدأت حكومة تل أبيب تشرعنها وتجاوزت 40 حالة لتجمعات سكانية بدوية.
ما ترصده مجدداً التقارير الأردنية الرسمية عن «مؤشرات انهيار الوضع القانوني في الضفة الغربية» قرع كل أجراس الإنذار في مقر وزارة الخارجية وفي بعض المقرات السيادية، مع أن ما اقترحه يوماً عبر «القدس العربي» الخبير الاستراتيجي العسكري البارز الفريق قاصد محمود، هو «المبادرة والتخطيط لرد الفعل بدلاً من البقاء في الصدمة والأمل».
والأمر لا يتعلق فقط بالتحديات الاستيطانية الجديدة التي تقول السفارة الأردنية في رام ألله إن الوزير سموتريتش يخطط لها في أريحا حصراً على أكتاف الأغوار الأردنية، بل يتعدى بـ «تدمير منهجي للبنية التحتية» في المناطق والمدن والمخيمات في الضفة الغربية. عضو بارز في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية زار عمان ولفت نظرها: إنهم ـ الإسرائيليين ـ يغيرون الواقع الجغرافي ولاحقاً الديموغرافي في الضفة الغربية.

ماذا يجري في الضفة الغربية

تقارير الخارجية الأردنية للداخل تتحدث عن وضع معيشي صعب وصحي معقد ونشاط «ينطوي على تهديد» للقوات الإسرائيلية في العمق الفلسطيني ومحاولات إسرائيلية لإنتاج وصناعة «تغافل» عما يجري في الضفة الغربية عبر التركيز على غزة وإخراجها من خارطة «مكان يمكن العيش فيه».
لاحظت أوساط أردنية سيادية الأسبوع الماضي أن إعادة تموقع وتوزيع قوات الكتائب العسكرية الإسرائيلية المكلفة بأمن الصفة الغربية هي عملية تجري في إطار «هجومي» وليس في إطار «الحماية والدفاع» فقط، خلافاً لأن عدد الشهداء بالقتل المباشر يلامس 1000 مع اقتراب عدد المعتقلين من 10 آلاف.
لذاك حصراً، قال الوزير الصفدي علناً لـ «مقترح جذره أمريكي»: في الواقع، لن ننظف وراء نتنياهو.
ولذلك، تتكوم انطباعات سلبية جداً أردنياً عما يمكن أن يحصل في «اليوم التالي» إذا استمر الأمريكيون بالتلاعب بالوقائع واقتراح مقاربات خاصة تصر على الفصل ما بين الضفة والقطاع، أو تقترح معالجة مشكلة الحرب على غزة بالقطعة والتقسيط بعيداً عن جوهر الصراع.
بوضوح، يمكن ملاحظة عبارات وزير الخارجية الأردني التي تلمح للكثير وهي تخرج للعلن بعد ما تردد عن «مذكرة أمريكية» أرسلت للعواصم العربية تحاول التكهن بسيناريو مستقبل غزة، وتستند فكرتها إلى الفصل بين غزة والضفة في مرحلة أولى، وبعد أيضاً ما تردد عن «تفاعل عواصم عربية» محددة مع مقترحات تشكيل «قوات بديلة عربية وإسلامية» توفر الحماية لـ «حكومة غزة الجديدة».
عملياً، الأردن وهو ينأى بنفسه عن عملية التنظيف وراء نتنياهو.. وذلك الحد الأدنى في الاشتباك قياساً بمطالب الشارع، يحاول تجنب إضفاء الشرعية على ما يتردد من تسريبات في واشنطن أو الرباط أو حتى في أبو ظبي، وبالتأكيد في تل أبيب.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading