«أوراق أردنية» لم تستعمل بعد… وإسرائيل تعبث بـ«منظومة الجسور»
بعد «عسكرة» الأغوار و«تسييس» حادثة مقتل جنديين إسرائيليين

عمان ـ «القدس العربي»: الاضطراب بحد ذاته «مقصود» من «الجانب الآخر» ـ أي الإسرائيلي ـ عندما يتعلق الأمر مجدداً بـ «حركة المسافرين» على الجسور والمعابر الأردنية مع الضفة الغربية المحتلة ضمن معطيات «توظيف إسرائيلي منهجي» ومبرمج لعملية جسر الكرامة الأخيرة بتوقيع الشهيد السائق عبد المطلب القيسي.
مساء السبت، أعلنت السلطات الإسرائيلية إعادة فتح المعبر الرئيسي الذي يمثل «شريان الحياة» لأهالي الضفة الغربية. وفيما تجاوب الجانب الأردني صباح أمس الأحد، وتوجه عشرات المسافرين للتنقل بالاتجاهين، قرر الجانب الإسرائيلي إعادة الحافلات التي توجهت فعلاً بالاتجاهين بعد إكمال الإجراءات المعتادة.
هنا اضطرت مديرية الأمن الأردنية ظهر الأحد، لمخاطبة المسافرين في الاتجاهين ومطالبتهم بمراقبة وسائل الإعلام قبل التواجد على جسر اللنبي العريق بهدف الانتقال بين الضفتين.
طبعاً، تثير إجراءات إسرائيل حالة فوضى واضطراب بدأت السلطات الأردنية تعتبرها مقصودة، وجزءاً بروتوكولياً من الضغوط التي تمارس يومياً وفي كل المسارات على أبناء الضفة الغربية، ما يوحي بتدشين بروتوكولات «المضايقة والتهجير الناعم» برأي الناشط السياسي محمد خلف الحديد.
وسط أزمة عميقة بين عمان وحكومة تل أبيب، تستغل إسرائيل بوضوح حادثة «عملية القيسي» وتزعم أنها ستضع بروتوكولات تفتيش أمني جديد على منطقة الجسور. لكن لأول مرة يقوم «الجانب الآخر» بهذه الإجراءات منفرداً وبدون الرجوع لبروتوكولات اللجان الأمنية الثنائية التي تدير شؤون المعابر والجسور بالعادة.
إثارة الاضطراب على الجسور
تلاحظ غرفة عمان السياسية أن الإسرائيلي يبالغ في إثارة الاضطراب على الجسور والمعابر قصداً، ولكي يربك أهالي الضفة الغربية والسلطات الأردنية معاً، في الوقت الذي ينتظر فيه الجميع خطاباً مهماً، الإثنين، للملك عبد الله الثاني ضمن اجتماعات الجمعية العمومية في نيويورك ضمن مبادرة «حل الدولتين» وإعلان عدة دول أوروبية الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
الحضور الأردني في نيويورك يفترض أن «يعوض» في شرعنة حل الدولتين «غياب» السلطة الفلسطينية بعد حظر التأشيرات الأمريكية، كما يفترض بالحضور الأردني أن يمثل حالة «تفاعل» مع المبادرة الفرنسية ـ السعودية من جهة الدولة الأكثر خبرة في معطيات «واقع الحال» في الضفة الغربية، وهي الأردن.
والانطباع في عمان سياسياً، أن الإدارة الأمريكية ضد مبادرات الحراك الدولي للاعتراف بالدولة الفلسطينية، لكنها «سمحت بالنشاط» ولم تسعَ لإعاقته مع الحلفاء الأوروبيين. ومقابل ذلك، تقايض الإدارة الأمريكية العرب والأوروبيين بالسماح لليمين الإسرائيلي يومياً بسياسة «فرض وقائع على الأرض».
في رأي الحديد ونشطاء سياسيين آخرين في عمان، فإن ما يؤسسه العدو من سلسلة مضايقات وإجراءات بمبررات أمنية على الجسور والمعابر الأردنية مع الضفة الغربية هو تعبير عن سعي منهجي لتأسيس واقع «حدودي ـ أمني» في منطقة الأغوار يخطط لـ «مضايقة» الأردن الرسمي وأهالي الضفة الغربية.
بعد «عسكرة» الأغوار و«تسييس» حادثة مقتل جنديين إسرائيليين
وما يجري على المعابر ـ حتى بتقدير الخبير الاستراتيجي والعسكري الجنرال المتقاعد قاصد محمود عندما تحدث مع «القدس العربي» ـ هو جزء من مشهد أعمق يخطط فيه الإسرائيليون لـ «صراع جيوسياسي» مع الأردن لا يقف عند حدود الأغوار والجسور والمعابر، بل يمتد إلى مناطق الحدود السورية الجنوبية مع شمالي الأردن.
إسرائيل بهذا المعنى، تعتبر «الجسور والمعابر» ورقة ضغط على الأردن لأهداف سياسية تنتهي بإقرار وقائع «الضم» الذي يرى الجنرال محمود أنه يحصل يومياً في الواقع القانوني والاجتماعي والعقاري ضمن رؤية خبيثة عنوانها «ابتزاز» الأردن جيوسياسياً بورقة التهجير وتحريك السكان، وإن كان قبول الأردن به واقعياً يتصور الإسرائيليون أنه عنصر ناشط وفعال في تحويل المشاريع غير الشرعية إلى وقائع حدودي.
طبعاً، المرحلة اللاحقة ستكون بعد إنتاج سلسلة لا تنتهي من «مضايقات الجسور والمعابر» بدعوى حصول «اختراقات أمنية» والاجتهاد ـ إسرائيلياً ـ بنقل وتصدير «أزمة سكان الضفة الغربية» إلى الدولة الأردنية، ما يعني المساس مباشرة بكل استراتيجيات الأردن في مجال الأمن القومي والوطني.
أوراق أردنية قوية
عمان تدرك الأهداف التي يحاول تسجيلها اليمين الإسرائيلي في ملف جسور ومعابر الضفة الغربية. لكن ـ في رأي الجنرال محمود والحديد ـ فإن لدى الأردن «أوراق رد واشتباك» في المقابل لا يمكن الاستهانة بها ولم تستخدم بعد، و«جوهرها» الجغرافيا والديمزغرافيا» مع التذكير بأن العامل الديموغرافي حصراً ليس سلاحاً يستخدمه الإسرائيليون فقط، بل يمكن استعماله عند أي مواجهة من جهة الأردن أيضاً، مع وجود أكثر من 4 ملايين لاجئ فلسطيني في الأردن لديهم بموجب القانون الدولي حق العودة وفي أي وقت.
مجدداً، نصح الخبير القانوني الدولي الدكتور أنيس القاسم، بأن حرص الحكومة الإسرائيلية على تحريك أي كتلة سكانية تنطبق عليه معايير «إعلان الحرب على الأردن» ويمنح الشرعية للدولة الأردنية للتصرف حتى عسكرياً على هذا الأساس.
ومجدداً، بعد الإبلاغات المتناقضة من جهة الإسرائيليين على جسر معبر الكرامة ليلة السبت ونهار الأحد، يمكن القول إن الجانب الإسرائيلي يحاول الآن «تسييس» لعبة المعابر بعدما نفذ سيناريو «عسكرة الأغوار» باستقدام 12 ألفاً من جنود الاحتياط لما يسمى بفرقة «جلعاد».
العبث الإسرائيلي بهيكل «منظومة العمل على الجسور» والسعي لتسجيل أهداف أمنية وسياسية عبر ذلك هو سلوك عدائي واضح ضد الدولة الأردنية وليس ضد أهالي الضفتين فقط.
والصراع في جذره ـ حسب قراءة الجنرالات المتقاعدين ـ يتحول إلى «جيوسياسي» هدفه «خنق الأردن حدودياً». الرد الأردني حتى الآن يتخذ إطاراً يدعم مسار نيويورك والمبادرة الفرنسية. لكن مثل هذا الرد قد لا يكفي قريباً، مع التذكير بأن الأغوار والمعابر والحدود ليست سلاحاً سياسياً بيد إسرائيل فقط.