الأزمة مع «الإسلاميين» في الأردن: «مناورات ومقترحات» في «زوايا ضيقة للغاية»… وتبادل رسائل مع «الصقور والمعتدلين»

عمان- «القدس العربي»: الأزمة بين السلطات الأردنية والحركة الإسلامية أو التيار الإسلامي بصفة عامة الآن بعد الوجبة الأولى من إفصاحات «التحقيقات المالية» حصراً، تجلس عملياً في «أضيق الزوايا» لمرحلة ما بعد «التطبيق الحرفي لقرارات حظر الجماعة الإخوانية».
في المقابل، بدأت الاتصالات والمبادرات والحراكات تطرح بعض الأسئلة الضرورية وهي تستقر في الزاوية الأضيق، حيث الاقتراح والافتراض وسط تكلس متراكم ومتكدس من الاحتمالات والسيناريوهات والمواقف.
عدة أطراف تجتهد الآن للبحث عن «ملاذ» لترسيم خطوات ما بعد الحظر على أمل إيجاد مخرج للأزمة الحالية من باب الحرص على نحو أو آخر على بقاء حزب جبهة العمل الإسلامي بالرغم من تسجيل مخالفات عليه ضمن «المعادلة السياسية» مع تصويب الأوضاع في عمق مؤسساته بعيداً عن «تراث الجماعة» وليس عن «قواعدها».
وذلك مؤشر على حاجات مطلوبة من قيادة الحزب التي تجلس هي الأخرى في زاوية ضيقة تحت عنوان نصائح مخضرمين من الحركة الإسلامية بتجنب «التنكر للتاريخ».
ما تقوله السلطات تصريحاً وتلميحاً واضح تماماً تحت عنوان «لا تسوية سياسية من أي صنف مع الجمعية المحظورة» و»لا عودة للحوار معها»، ولا قبولها في الجسم الاجتماعي وفي الخارطة الوطنية في اتجاه لا يستطيع حتى أبناء الجمعية المحظورة الادعاء بأنه لم يعد واضحاً.
وجهت رسائل طُلب نقلها إلى «القيادة» بصورة مباشرة وفي عدة مواقع من دوائر القرار وعبر شخصيات إسلامية خضعت للتحقيق.
المطلوب هنا من الجمعية المحظورة هو الحرص على عدم تنظيم أي اجتماع أو نشاط أو فعالية، وهو أمر تحقق بنسبة امتثال كبيرة في الواقع.
الهدف المرجح لتلك الرسائل هو وقف أي رهان على «الوقت»، والحرص على أن يلتقط «صقور التيار» تلك القناعة بعيداً عن أي حسابات أو رهانات تضغط حصراً على «معتدلي الحزب».
الرواية التي يرددها الجناح الصقوري تقول بأن الإجراءات الأخيرة جزء من «إملاءات أمريكية» معقدة ومن الصعب تنفيذها، والحكومة صعدت فيها إلى الشجرة. وعلى ضحايا الإجراءات الأخيرة أن لا يساعدوها -أي الحكومة- في النزول عن الشجرة.
طبعاً، مثل هذا المنطق لا يخلو من بعض «الغرور»، وقد يؤشر على قراءة غير ناضجة للمشهد بحلته الجديدة، مع أن الحكومة في المقابل قالت بكل اللغات إن «التسوية السياسية» غير قادمة، والجدار القانوني الإجرائي سيكتمل.
الانتظار نفسه على أساس أنه سيقود إلى تسوية سياسية ما لاحقاً، هو الذي استهدف في بعض الرسائل التي طلب من أبناء الحركة الإسلامية نقلها لقياداتهم. والفكرة تقول «الانتظار لن يقود إلى تسوية سياسية»، والاستمرار في الانتظار حتى تحت بند الكمون التكتيكي لن يؤدي إلى أي تراجع عن قرارات الحظر ولا الي عودة أي حوار.
وبالتالي، نصائح الرسالة الرسمية هنا واضحة للإسلاميين، وهي تتمركز في إغلاق ملف تنظيم جمعية الإخوان المسلمين مرة واحدة وإلى الأبد، الأمر الذي لا يخدمه في الواقع نشر مقالات وتصريحات تسترسل في «شيطنة التيار» لأشخاص لا يصدقهم الرأي العام بالعادة. وفي المقابل، الآراء التي تصدر عن نخبة من كبار المسؤولين التنفيذيين هي تلك التي تؤكد أن الحزب ليس هدفاً، والسلطات لا تنوي حل الحزب، لكن عليه القيام بمبادرات محددة، والمطالب أصبحت معروضة على طاولته تجنباً لانتقال الأزمة إلى مؤسساته.
هنا يكمن الشيطان مجدداً في التفاصيل؛ لأن الحزب في وضعه الحالي مرفوض، ولأن الهيئة المستقلة لإدارة الانتخابات لديها مذكرات أرسلت للحزب تتضمن مخالفات.
وبالتالي، بات على الحزب حتى يضمن ديمومته أن يتحول تماماً إلى حزب لا علاقة له تنظيمياً بأي شكل من الأشكال بالجمعية المحظورة.
وهي مهمة تبدو صعبة ومعقدة في ظل توازنات سيطرة جناح الصقور حتى على مؤسسات الحزب، بالرغم من اعتقال بعض قادة الحزب الأساسيين، وأيضاً بسبب تراثيات الارتباط والانتماء الفكري.
يمكن الافتراض بالموجب بأن الأزمة قد تكون تراوح مكانها، لكن دون اعتبارات قوية الى حد ما، توحي بأن التغيير قادم أو في طريقه لفرض بصماته على أساس تسوية سياسية.
ليس المطلوب من الحزب فقط الالتزام بالجزء السياسي كحزب سياسي مرخص قانونياً في الأداء والبرامج والتنظيم الداخلي، بل المطلوب منه منع تسلل فكرة التنظيم إلى داخل مؤسسات الحزب ومنع الاعتماد عليها، ثم التقدم لاحقاً بقيادة معتدلة تتولى مهام التحاور مع السلطات والحكومة بعيداً عن القيادات المتشددة.
دون ذلك، ستبقى مذكرات الهيئة المستقلة لإدارة الانتخابات واحدة من المطبات التي يمكن أن تنقل أزمة الحظر إلى الحزب ما دام الحزب يجد نفسه غير قادر على الالتزام بالإجراءات المطلوبة، مع أن المهمة معقدة وليست سهلة بالنسبة لأي قيادي في الحزب بعد صدمة الحظر.
الحزب بدوره ينقسم الى شريحتين:
الأولى تريد الذهاب نحو انتخابات جديدة تقود إلى تجديد في مؤسسات الحزب وقياداته وتحضر نخبة من المعتدلين إلى إدارته، لكن ذلك يتطلب ضمانات من السلطات بأن ذلك لن يؤدي إلى المساس بالحزب وملاحقته مستقبلاً والتضييق عليه تحت نفس العناوين التي أدت إلى قرار الحظر؛ لأن الأسباب المرتبطة بالإسلام السياسي واستهداف الأمريكيين له في عدة ساحات -قد يكون أهمها الأردن- لا تزال وقد تبقى موجودة.
وبالتالي، في الزوايا الضيقة، فإن أي مناورة أو مبادرة معتدلة داخل الحزب تبحث اليوم عن ضمانات من السلطات.