اراء و مقالات

«الأسوأ» للأردن: خريطة سموتريتش اعتمدها مكتب نتنياهو… و«الكيان العميق» في «بطن» اليمين

«مجلس النواب يستطيع التأسيس لمبادرة حراكية منتجة ضد الخرائط المتطرفة

عمان ـ «القدس العربي»: يستطيع طبعاً مجلس النواب الأردني التأسيس لمبادرة حراكية منتجة أو خارج المألوف ضد خرائط سموتريتش الإسرائيلي التي أثارت ضجيجاً واسعاً في عمان بدلاً من الوقوف مجدداً عند محطة مطالبة الحكومة بالتحرك واتخاذ موقف رادع.
رئيس مجلس النواب أحمد الصفدي، تحدث ظهر الأربعاء باسم المجلس عن خرائط اليمين الإسرائيلي التي تعكس عقلية إجرامية وأطماعاً خبيثة، ثم طرح معادلة «القيادة والجيش والشعب الأردني».
الصفدي طالب الحكومة بالمزيد من الخطوات، لكن لم يحدد تلك الخطوات المطلوبة، فيما الانطباع لدى الرأي العام أن مجلس النواب بين يديه مساحة من التحريك يمكن أن يلجأ إليها، أقلها نفض الغبار عن ملف قراره السابق في مراجعة اتفاقيات وادي عربة، ولو بمعنى التلويح بالحد الأدنى بتجميد تلك الاتفاقية.
لم يتجه مجلس النواب إلى خطوة من هذا الصنف يمكن أن تحدث فارقاً، الأمر الذي يؤشر مجدداً على أن ميزان المؤسسات الأردنية يحاول أو لا يزال يحاول التكيف ويراهن على المعادلات الدولية التي لم تعد تكفي عملياً لتوفير الحد الأدنى من الضمانات للأردنيين فيما يخص الاعتداء على بلادهم وسيادتهم.
وهنا يمكن ملاحظة أن مجلس النواب بموقفه الذي ينطوي على تلويح ضمني بوجود خيارات صدامية أو عسكرية حتى يؤسس، باستجابة مباشرة، للبيان الذي صدر أمس الأول عن خارجية الأردن، حيث لم يسبق للحكومة أن أصدرت بياناً رداً على أقاويل وخرائط اليمين الإسرائيلي.
المستجد الذي أجبر وزارة الخارجية الأردنية يتمثل في واقعة جديدة، تقصد اليمين الإسرائيلي أن يتسلل إليها بعنوان خارطة جديدة لما يسميه اليمينيون «الحقوق التاريخية لإسرائيلـ»في عدة مناطق في الجوار.
وهي نفسها على الأرجح الخريطة التي سبق أن استخدمها في باريس الوزير المتطرف سموتريتش، لكن الجديد الآن أنها أصبحت خارطة نتنياهو أيضاً بعدما اعتمدتها حسابات مكتبه.
خريطة سموتريتش المحدثة نشرتها حسابات رسمية تتبع رئاسة الوزراء الإسرائيلية، لذلك انزعجت خارجية عمان.

«مجلس النواب يستطيع التأسيس لمبادرة حراكية منتجة ضد الخرائط المتطرفة

طبعاً، تلك خطوة استفزازية بامتياز وتظهر أطماع اليمين الإسرائيلي بأجزاء من الأردن ومصر وسوريا ولبنان، وأخطر ما في اعتماد وثائق في حسابات رئاسة الوزراء من هذا الصنف في الكيان هو أن ذلك يحصل والمنطقة عموماً في حالة سيولة استراتيجية سبق أن حذر منها رئيس الوزراء الأسبق المخضرم طاهر المصري، وهو يتحدث عدة مرات مع «القدس العربي» عن المخاطر والاعتبارات.

خطوة استفزازية

رئيس مجلس النواب باستخدامه عبارة معادلة القيادة والجيش في الرد على خرائط سموتريتش يظهر حجم الاستفزاز الذي لامسته المؤسسات الأردنية. لكن حتى اللحظة ورغم القلق الذي تثيره تلك الخرائط، لا يبدو أن عمان تتجه نحو اللعب بورقة تجميد اتفاقية وادي عربة، مع أن خرائط حكومة تل أبيب الجديدة تلغي تماماً اتفاقية وادي عربة لا بل تجتثها من جذورها، فيما إسرائيل وفقاً للرأي الذي سمعته «القدس العربي» من المفاوض الخبير الدكتور دريد المحاسنة، بقيت تحترف عدم الالتزام بكل الاتفاقيات في أيام السلم وليس الحرب. الانطباع في عمان أن اليمين الإسرائيلي لم يعد يسعى لحسم الصراع في القضية الفلسطينية وإخضاع الضفة الغربية فقط، بل يحاول التنظير الآن للتمدد شرقاً وشمالاً.
وبسبب الاعتبارات والظروف التي تعيشها المنطقة، وفقاً للخبير الدكتور جواد العناني، ثمة ما يؤشر على أن يمين إسرائيل يتصور أو يتخيل الآن بأنه يستطيع توسيع الجغرافيا الإسرائيلية، حيث لم تعد اتفاقيات السلام الموقعة مع الأردن ومصر تنطوي على أي قيمة.
تعود هنا الخارجية الأردنية إلى فكرة وزيرها أيمن الصفدي المبكرة العام الماضي عندما وصف الاتفاقيات بأوراق تعلوها الغبرة ملقاة في المتحف.
عندما استفسرت «القدس العربي» مجدداً من الوزير الصفدي ذاته، أشار إلى أن بلاده سبق أن اتخذت خطوات، من بينها سحب السفراء وتجميد الاتفاقيات، لكن السؤال: من هو المستفيد إذا ما طرح خيار تجميد اتفاقية كبيرة مثل وادي عربة؟ وأشار الصفدي إلى أن القرارات بين الدول لا تتخذ بانفعال.
في كل حال، وبالتوازي، صعدت خرائط إسرائيل مجدداً بحزمة المخاوف الشعبية الأردنية، وبدا أن أبرز ارتباك انتجته تلك الخرائط التي اعتمدت بحسابات رسمية أنها تصادق في الواقع الموضوعي على رواية المخاطر التي تتبناها المعارضة الأردنية في الشارع، فيما لم يعد تيار الموالاة قادراً على الاشتباك والنفي والرد.

خرائط سموتريتش

قبل يومين ظهر تعبير مباشر عن الاعتراض وتلك المخاوف في بنية بيان أصدره الناطق الرسمي باسم الخارجية ورئيس مجلس النواب، وهو من الشخصيات المعتدلة المسيسة، يتحدث عن القيادة والجيش ويطالب الحكومة بخطوات أكبر وأعمق لتأسيس موقف يردع العدو.
لا تقف مسألة خرائط سموتريتش عند إرباك كل خطوط الاشتباك الرسمية فقط إعلامياً أو سياسياً، فحكومة اليمين تبني أصلاً جداراً أمنياً في منطقة الأغوار.
جذر الأزمة في الموقع الرسمي الأردني هو عدم وجود شريك كان دوماً يتواجد في الطرف الآخر تحت مسمى الدولة العميقة في الكيان، والتي كانت طوال الوقت تقف وراء استراتيجية إدارة أردنية فكرتها عدم الالتفات لما يقوله اليمين الإسرائيلي لأغراض الاستهلاك الإعلامي أو الانتخابي. منذ عام 1994 تقنع الأطر العميقة، والمقصود الأمنية والعسكرية في الكيان، الجار الأردني بأن الشراكة معها وليس مع المجانين المنتخبين في الحكومات.
لكن الظروف والاعتبارات أسقطت هذا المعيار تماماً؛ فاليمين الإسرائيلي لم يعد مجرد ميكروفون أو ملصق انتخابي، بل التهم وابتلع المؤسسات العميقة في الكيان، وسيطر عليها، وأصبحت عملياً في بطنه، الأمر الذي يشرح ضعف المؤسسة العسكرية الإسرائيلية حتى وإن كانت صديقة أو ودودة في مواجهة حكومة اليمين التي تسعى الآن للإخضاع والهيمنة.
نتج عن تغلغل الأجنحة الأصولية المتشددة لأجهزة الأمن والجيش في الكيان تدمير غزة والإبادة والزحف نحو جنوب لبنان واحتلال المزيد من الأراضي في سوريا، كما نتج عنه مشروع السيطرة على الحدود في الأغوار والتمركز في محور فيلادلفيا بجوار مصر.
تلك وقائع تكرس القناعات بأن الأطر العميقة زحف إليها وابتلعها اليمين، وبالتالي ظهر عمان قد ينكشف دون ترسيم وتحديد الخيارات المتاحة.. هنا حصراً تجلس الأزمة بوقار.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading