اراء و مقالات

الاستخدام «غير المشروع» للأموال أساس «محاكمة الإخوان” في الأردن

اتهامات للجماعة المحظورة بـ«جمع 30 مليون دينار بصورة غير شرعية»

عمان- «القدس العربي»: عملياً، لا توجد «مفاجآت كبيرة» أو «غير متوقعة» في صفحة «السجل الجنائي» التي كشفتها مبدئياً وقبل الوصول لمرحلة «التقاضي» عصر أمس الثلاثاء، وكالة الأنباء الحكومية ألأردنية «بترا» بعنوان «التحقيقات في مالية الجماعة المحظورة- 30 مليون دينار جمعت بصورة غير شرعية».
العبء الأكبر في السياق القانوني عند عملية التقاضي التي ستبدأ قريباً وبعد صدور ضوء أخضر سياسي بالاستمرار قد يتمثل – من باب التوقع – بإثبات جزئية «الاستخدام غير المشروع أيضاً لأموال تبرعات جمعت خارج القانون».
هنا حصراً، التفاصيل مهمة للغاية حتى سياسياً ما دام جذر التحقيقات المفصلة هدفها الحصري قد يكون «المساس بسمعة عملية جمع الأموال»، ثم ضرب «الشبكة المالية ومعها الاجتماعية والخيرية».
والاستعمال غير المشروع لمال يقول الإسلاميون إنه جمع من «أجل غزة وأعمال الخير» هو المحور الأكثر أهمية في «لوائح الاتهام «ثم «الدفوع» التي ستتولى «حق الدفاع» عن نحو 11 شخصية من الجمعية المحظورة.
وهي طبعاً جمعية الإخوان المسلمين، فيما الرقم 11 قابل للزيادة؛ لأن تقرير وكالة «بترا» استعمل عبارة «حتى الآن» التي توحي ضمناً بأن ملف التحقيقات مفتوح وقد تبرز المزيد من المفاجآت.
الأهم في الحسابات الشعبية والسياسية وليس القانونية هو إثبات «رابطين» بين الجمعية المحظورة وبين أولاً «تمويل ولو جزئي لأعمال خلية إرهابية» والمقصود حصراً ملف «خلية التصنيع»، وثانياً «استثمارات مشبوهة بالخارج والداخل» انتهت بـ «توزيع مخصصات ورواتب» وبالإنفاق على «طموحات سياسية وانتخابية».
في بند «أولاً» إذا ما تم تثبيت التهمة، سيمس مشهد الحظر برمته على فكرة أن من انقلب على القانون والدولة وتجاوز المحظور هي الجهة التي حظرت، حيث لا تتسامح لا المؤسسات ولا الرأي العام بالعادة في أي مسار له علاقة بـ «هيبة الدولة والقانون».

اتهامات للجماعة المحظورة بـ«جمع 30 مليون دينار بصورة غير شرعية»

تلك طبعاً جزئية تقررها المحكمة التي لم يعرف بعد ما إذا كانت ستكون علنية أم مغلقة، وإن كان النجاح في «حرق أوراق شعبية» وإظهار جدية الاتهامات يتطلب محاكمة علنية للغاية وفيها فرصة دفاع منصفة عن المتهمين، وفقاً طبعاً لغالية الخبراء القانونيون حتى لا تستفيد الجمعية المحظورة أو التيار برمته من سيناريو «السردية المغلقة» شعبوياً.
لذلك، محاكمة علنية بإجراءات قانونية قد تصبح مطلباً ملحاً وأساسياً لتحقيق «انعطافة» منطقية بعد مسألة «الحظر» وموجباتها على مستوى المشهد السياسي الوطني برمته، وإن كانت في كل حال تلك صلاحية تقررها المحكمة.
وفي بند «ثانياً» ألمحت وكالة بترا إلى «وجود اعترافات»، كما ألمحت إلى أن «سائقاً يعمل مع قيادي كبير في الجمعية المحظورة» له صلة بملف «جمع وإخفاء أموال»، ويبدو أن موظفاً مالياً أيضاً له صلة بمحاولة «إخفاء 4 ملايين دينار» مباشرة بعد إعلان قرار الحظر، فيما عرف إعلامياً لاحقاً بـ «تهريب أو إتلاف وثائق».
الإيحاء في «ثانياً» موجود ضمناً بأن «إنفاق الأموال» التي تجمع بصورة غير مرخصة يحصل في مسارات «غير مشروعة»، من بينها رواتب ومخصصات فردية، واستثمارات عقارية خارجية، والأهم الإنفاق على دعايات انتخابية أو لمصالح سياسية لأفراد، ما يؤشر إلى أن «جهات التحقيق» تريد أن تقدم أدلة وقرائن أمام القضاء والجمهور على أن معايير «النزاهة والشفافية المالية» غير موجودة، وأن بعض الأموال التي تجمع من «بسطاء وأحياء شعبية» بغطاء «التدين والوطنية ودعم غزة» في واقعها تصرف لأفراد وأشخاص وقادة، بمعنى «خارج حتى سياقها الشرعي».
وتلك حيثية مؤذية إذا تم إقرارها وإثباتها؛ لأن التيار الإسلامي برمته أقام «مجده الشعبوي» ثم السياسي على قاعدة التناقض مع كل أنماط الفساد. ودون عبارة «التحقيقات حتى الآن» والتلميحات الثلاثية المثيرة، يمكن القول سياسياً إن «كشف المخالفات» الذي قدمته وكالة بترا للرأي العام علناً مساء الثلاثاء وتلقفته «جميع وسائل الإعلام» المحلية في نهاياته ومآلاته يحدد مصيره القضاء النزيه؛ لأنه كشف في الواقع لا يأتي بكثير من المثير أو المفاجئ جداً.
عملياً، الجميع في الحكومة والشارع يعلم مسبقاً أن الجمعية المحظورة تحصل على «اشتراكات أعضاء» و»تدير استثمارات» في الداخل والخارج منذ أكثر من 60 عاماً، لا بل تجمع التبرعات علناً وأمام أعين السلطات. وبالتوازي، «أخفقت» بالتأكيد في «تصويب أوضاعها القانونية» مع قرار القضاء لعام 2020.
وفيما راكم الإسلاميون المحظورون وغيرهم «خبرات في عمق المجتمع» على الصعيد الخيري والانتخابي والسياسي والاجتماعي، صمدت «المخالفات» التي تتحدث عنها «بترا» الآن لعقود، وأخفقت «حكومات متعاقبة» في مواجهتها، ما نتج عنه تفاعلات أوصلت الأمور لما وصلت إليه قبل نحو 3 أشهر، وفي المقابل الإفصاح العلني عن «سجل جنائي» مؤشر حيوي على «ضوء أخضر في المضي قدماً باتجاه المحكمة»، ما يعني ضمناً وسياسياً أن رهان «المحظورين» على «تعب السلطات» وتفكك الرواية وتجنب التصعيد أكثر ليس رهاناً في موقعه الجوهري المنتج.
الاقتراب من «التقاضي» والإفصاح عبر «بترا» بعد «تحقيقات اللجان والنيابة» إشارة مبكرة تقول بـ»فيتو واضح وكبير» ضد سيناريو «تسوية سياسية» للأزمة يترقبها بعض رموز التيار المحظور أو يتحدثون عنها لتبرير «التسبب أصلاً بالأزمة». لا تسوية سياسية، والجمعية المحظورة «انتهت» وبالقانون، والمحكمة تنتظر كل فرد أو جماعة يحاولون «تجاوز القرار هنا».
تلك الرسالة أوضح من أي إمكانية لإنكارها، وفيما حسم تقرير «بترا» في الجانبين «الجنائي والقانوني» ستبقى «الأسئلة السياسية» معلقة لعدة أسابيع، خصوصاً تلك التي تستفسر عن «مصير الحزب» و»بديل المحظورين الفيزيائي» والأهم «من سيملأ الفراغ؟».

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading