اراء و مقالات

الاعتداء على سفارات خارج مألوف الأردنيين: الدعاية المضادة

عمان ـ «القدس العربي»: “تجريم” الاعتداءات على بعض مقرات السفارات الأردنية خطوة منطقية ومفهومة.
والاستياء من أفعال من هذا الصنف مبرر عند الأردنيين عموماً، أخلاقياً وسياسياً.
لكن حصول هذا النمط من الاعتداءات وبصورة نادرة جداً هو محطة تحتاج لمزيد من التأمل السياسي العميق.
في الوقت الذي تقوم فيه وزارة الخارجية بواجبها في المتابعة وإظهار الرفض لمثل تلك السلوكيات، ثمة من يجب عليه في عمق مؤسسات القرار أن يقترح إجابة عن سؤال ردده الجمهور: أين النقص وأين فاتورة الرواية؟ ولماذا يتحرك بعض المجهولين لارتكاب اعتداءات على مقرات بعثات دبلوماسية أردنية؟
سؤال كبير والإجابة عنه بموضوعية وتعقل تحتاج إلى جرأة بعد استثمار كل مساحات الاستنكار، في الوقت الذي يتفهم فيه الجمهور أن تعرض سفارات دولة مثل مصر لضغط واستفزازات بحكم الانطباع العام القائل بأن مصر وحدها –إن أرادت، تستطيع تفكيك الحصار وفتح معبر رفح للمساعدات.
ليس سراً على الأقل وسط النخب الأردنية أن عمان في محطات عدة وطوال عامي الاعتداء الإسرائيلي الموصوف بالهمجية على قطاع غزة، تعاني من نقص معلومات في التقدير المصري لجزئية معبر رفح تحديداً، خصوصاً بعدما تذرع المصريون الرسميون عدة مرات بحجج غير مقنعة وهم يعطلون بروتوكولات إغاثة أردنية كانت تتطلب استخدام معبر رفح. ولم تتجاوب المؤسسة المصرية مرات عدة مع مبادرات أردنية حققت اختراقات هنا وهناك.
ونقباء مهنيون أردنيون اشتكوا عدة مرات من إجراءات مصرية غير مفهومة على معبر رفح، في الوقت الذي تصدرت فيه بعض الخطابات بصيغة عبثية وغير دقيقة وهي تضع الأردن إلى جانب مصر في اللوم على المجاعة التي يمارسها الإسرائيلي، فيما القاهرة وعمان لا تحظيان أصلاً بغطاء يساعدهما في الرد والاشتباك من النظام الرسمي العربي.

ملاحظات سياسية

خلافاً لمساحات تضليل مرصودة في الرواية ضد الأردن، لا توجد حدود متصلة في الجغرافيا والسيادة بين الأردن وقطاع غزة، كما هو الحال مع الشقيقة مصر. وخلافاً لبعض مؤشرات الفبركة الإعلامية التي قد تكون ممنهجة وقصدية، وضع الأردن قولاً وحقاً كل إمكاناته وما يستطيعه وراء تقديم المساعدة والإغاثة، فيما الوقائع المصورة والموثقة من جانب أهالي غزة رداً على فيديوهات التضليل التحريضية تقول عدة مرات بأن الأردنيين في القطاع العام والخاص هم أول من وصل في الإغاثة للمناطق المنكوبة في غزة، لا بل أول من حققوا اختراقات.
الناشط زياد عواد من أبناء حي الطفايلة، أبلغ “القدس العربي” بأن ذلك الحي تحديداً أوصل حليب الأطفال إلى المناطق التي حرقها الاحتلال شمالي قطاع غزة.
وليس سراً – كما يلاحظ العلي وآخرون- أن خبرة وقدرات هيئة الإغاثة الهاشمية الأردنية سبقت الجميع في تقديم المساعدة طبياً وجوياً وبرياً، وغالبية الاقتراحات التي تبناها في الإغاثة والمساعدات المجتمع الدولي هي في الأساس والمنطلق أردنية، سواء تعلق الأمر بالإنزالات الجوية التي حاولت وناورت، أم تعلق بالمستشفيات الميدانية، أم حتى بالعبارة المرجعية الشهيرة التي قيل فيها لأكثر من 11 مؤسسة أممية صيغة: “لا عليكم”.. أرسلوا المساعدات وسنتولى إدخالها”.
لا يحب رموز الدولة الأردنية الاسترسال في الشرح، لكن الحاضنة الاجتماعية العريضة للمقاومة في الأردن ولنصرة أهل غزة، كان لديها دوماً ملاحظات سياسية وأخرى أمنية تقال بعد الإقرار بالوقائع القائلة إن الأردن تصدر وتفوق في ملفي الإغاثة والمساعدات.
وهو في الواقع ما سمعته “القدس العربي” مباشرة وعدة مرات من قيادات أساسية في المقاومة الفلسطينية تقدمت بالشكر، وكان على رأسها الراحل الشهيد إسماعيل هنية.
مؤخراً، ترفع الناطق الرسمي باسم الحكومة الوزير الدكتور محمد المومني، عن مناقشة المشككين، وأعتبر أن الأردن يقوم بواجبه، وما يفعله ليس منة على أهل غزة.
عملياً، لا تحتاج تكتيكات واستراتيجيات الإغاثة الأردنية إلى أدلة ولا براهين على حضورها القوي ومحاولاتها الصلبة. وخلف الستائر بقي للأردن دور نشط وأساسي في تخفيض شرعية ما يسمى بمؤسسة غزة الأمريكية، عندما رفضت السلطات الأردنية كل الضغوط الأمريكية وأحياناً العربية للتعاون مع تلك المؤسسة.
تلك وقائع لا تقبل النكران. والأهم أن أذرع الإعلام فيما يبدو لا تجيد السرد ولا التعاطي ولا الترويج لتلك الوقائع، ما يظهر جانباً مسكوتاً عنه في مؤشرات التقصير البيروقراطي والحكومي إذا ما أراد صانع القرار الإجابة عن سؤال تلك المحاولات التي برزت في الاعتداء على بعض السفارات والمقرات للبعثات الدبلوماسية.
لم يألف الأردني الرسمي ولا الشعبي إطلاقاً ومنذ عقود أي مظهر من الاعتداء على مقرات السفارات. والاعتداءات الأخيرة التي تحدث عنها بيان للخارجية الأردنية خدشت هذا الانطباع عند جميع الأردنيين.
لكن حصول مثل هذا الاعتداء تحت عناوين مضللة تنتقص من دور الإغاثة الأردني أو تماثله بغيره من الصامتين العرب، هو محطة تحتاج إلى توقف وتأمل أعمق بكثير من بيانات الشجب والاستنكار، أو من توجيه اتهامات هائمة عموماً لأي جهة دون افتراض عدم وجود جهات معادية ومشككة.

مسؤوليات المملكة

التشكيك منطقياً، لا يعفي من المسؤوليات ولا يعوق المسيرة ولا يبدل في الوقائع، خصوصاً أن الموقف الرسمي الأردني من مسار العدوان الإسرائيلي منذ يوم 8 أكتوبر وقبل نحو عامين شعبياً ورسمياً، قد لا يقبل المقارنة في الدعم والإسناد لأهل غزة والشعب الفلسطيني، قياساً ببقية الأنظمة والدول العربية.
وعليه، ثمة مبرر للاستياء والانزعاج الأردني، ولا مبرر في المقابل لضم سفارات المملكة إلى لغة الاحتجاج في الخارج، وإن كان احتفاظ الأردن باتفاقية وادي عربة هو الأساس قبل غيره في النقد والاشتباك والملاحظة، مع أن تلك الاتفاقية -كما قال بوضوح لـ “القدس العربي” وزير الخارجية أيمن الصفدي سابقاً- قد تكون الجسر الذي يستخدم في الإغاثة والمساعدات.
الوضع صعب ومعقد. والغاضبون في شوارع العالم من جريمة إسرائيل في التجويع والإبادة يحتفظون بكمية لا يستهان بها من الغضب ضد النظام الرسمي العربي.
ومن يحظى بحصة الأسد من هذا الغضب هي دول معسكر ما كان يسمى بالاعتدال العربي، التي تقيم سلاماً مع الإسرائيليين. لذا، حادثة الاعتداء على سفارات أردنية استندت إلى معطيات مضللة، ودعاية مضادة ينبغي أن تسترخي عمان قليلاً وهي تحاول فهم كيف تشكلت ومن هم أطرافها الحقيقيون ولماذا؟

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading