«الباقورة والغمر»: نتنياهو يبحث عن «صفقة» و«دروز الأردن» لـ «القدس العربي»: لا مساومة على «قطعة من جسدنا»
الأعور رفض حضور دعوة بطلب من الوزير الإسرائيلي السابق أيوب قرة
يمكن ببساطة استخلاص الهدف الأبعد لتسريبات مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول عقد تأجير أراضي الباقورة والغمر وعلى أساس قناعة مؤسسات أردنية بأن الهدف الاسترسال بالمقايضة والابتزاز مجدداً ثم التشويش، وأخيراً إنتاج انطباع تمهيدي لدى الرأي العام الأردني معاكس لقرار المملكة إنهاء اتفاقية هذه الأراضي المؤجرة.
دققت وحققت السفارة الأردنية في تل أبيب، بتكليف رسمي من مقر الخارجية في عمان، في الطريقة التي تم تسريب نبأ من خلالها يتحدث عن موافقة الأردن على تمديد عقد الإيجار الإسرائيلي لتلك الرقعة الجغرافية من البلاد لمدة عام على الأقل. الانطباع توصلت له عمان مبكراً، فنتنياهو ومكبته هما مصدر التسريب، وفقاً لتقييم أردني أمني. ونتنياهو بحاجة ملحة إلى تقديم أي معلومة من أي صنف، فيها إنجاز لصالح إسرائيل لأغراض ما بعد الانتخابات المربكة في تل أبيب.
ونتنياهو هنا بوضوح يحاول تضليل الرأي العام الإسرائيلي بالإشارة إلى أنه قادر على استعادة العلاقات مع الحكومة الأردنية، رغم أن الملك عبد الله الثاني رفض استقباله مرتين مؤخراً وأعلن في خطاب شهير قبل أشهر إنهاء اتفاقية تأجير الباقورة والغمر، وعدم رغبة بلاده في تمديد أو تجديد عقد إيجاره، حيث ينتهي العقد الإسرائيلي بتاريخ 25 من الشهر الجاري. لكن نتنياهو آنذاك أعلن أنه سيفاوض.
قبل أيام فقط ، بدأ مبعوثون إسرائيليون لديهم صداقات مع أردنيين أو علاقات أو اتصالات، بالتوافد على أساس اختبار المفاوضات.
بين هؤلاء الليكودي الدرزي الشهير «أيوب قرة» الذي ظهر، كما قالت «القدس العربي» في تقرير سابق لها علناً في أحد المطاعم ونظمت له مأدبة من قبل أحد الأشخاص.
قرة، ووفقاً للرواية التي تعرفها «القدس العربي»، اشترط على «مضيف أردني» أن يحضر اللقاء عضو البرلمان الممثل الوحيد للدروز الأردنيين الدكتور فيصل الأعور، وهو أحد البرلمانيين البارزين من أصحاب المواقف الوطنية. الدكتور الأعور رفض الفكرة تماماً من حيث الشكل والمضمون، واعتذر عن عدم الحضور، رافضاً حتى مشاهدة الوزير الإسرائيلي وفي أي مكان. الهدف من فكرة قرة كان خبيثاً بإجماع المراقبين المحليين. وبالنسبة للأعور، لا يقبل الدروز من أبناء الأردن أي مساومة من أي صنف مع أي شخص إسرائيلي.
وبالنسبة له، يعلم المدعو قرة فعلاً، أكثر من غيره، موقف الدروز الوطني الأردني. وعليه، لم يحاول أصلاً، حيث لا يملك الحق، لا هو ولا غيره، بمساومة الدروز على ما تربوا عليه؛ لأنهم يتكاتفون من أجل الكرامة ولا يلتقون على باطل.
تحدث الدكتور الأعور مباشرة عبر رسالة توضيحية خاصة لـ «القدس العربي»، موضحاً موقفه من قصة زيارة قرة ورغبته في اللقاء به أو بغيره، نافياً -خلافاً لما سربته بعض المواقع الإسرائيلية- أن يكون قد التقى قره في الأردن أو في أي مكان آخر في العالم.
وشدد الأعور على أن أي ممثل للدروز لم يلتق قرة، وقال: نحن في الأردن لا نساوم أو نجامل على حساب الوطن، وهذا تاريخنا شاهد، ونحن حماة تراب ووطن.
ومن المرجح أن زيارة قرة التي احتفى بها ثلاثة أردنيين فقط كان لها علاقة بالاستطلاع حول ملف الباقورة والغمر. ويبدو أن إسرائيليين غيره يحاولون جس النبض. لكن لافت جداً أن الحكومة الأردنية لم تعلن عن حصول أي جولة مفاوضات مع الإسرائيليين بعنوان الباقورة والغمر، الأمر الذي يزيد من منسوب الارتياب بأجندة التسريب المنتجة في مكتب نتنياهو.
وعندما يتعلق الأمر بالباقورة، أبلغ الدكتور الأعور: هذه قطعة من الجسد الأردني الهاشمي التاريخي، نسقيها بماء القلب، ونكسوها بالزهور، ولا مساومة عندما يتعلق الأمر بالوطن والشرف.
وهنا يبدو الاشتباك المفترض متعلقاً بالتفاصيل، فحكومة عمان تعرف بأن تل أبيب ترغب في التمديد لمدة عام وبذريعة وجود محطة كهرباء ومعدات ولوجستيات من النوع الذي يحتاج إلى مزيد من الوقت حتى يتم تفكيكه.
وتلك تبقى حجة في كل حال، لأن الأردن أعلن، ومنذ سبعة أشهر تقريباً، إنهاء عقد التأجير، ورغبته في استعادة سيادته على المنطقتين، في الوقت الذي لم يحسب فيه الإسرائيليون التأزيم الناتج عن إعلان نتنياهو نيته قبل الانتخابات ضم مناطق شمالي البحر الميت والأغوار.
يبدو المشهد الأردني الإسرائيلي مشتبكاً على بعضه، ومرتبكاً في التفاصيل؛ لأن اليمين الإسرائيلي يعرف بأن الأردن قد يفكر بالحصول على ثمن كبير سياسياً مقابل أي خطوة تسمح قانونياً بتمديد اتفاقية تأجير الأراضي المشار إليها إلى مدة عام على الأقل.
وهنا، من المرجح أن التمديد لمدة عام ليس مستحيلاً بالنسبة لدوائر القرار الأردني في هذه المرحلة الصعبة، ويمكن على نحو أو آخر تسويقه لدى الرأي العام الأردني وعلى أساس السعي لتمرير مصالح أبعد وأعمق.
حاجة اليمين الإسرائيلي إلى تمديد عقد التأجير لمدة عام قد تبدو سياسياً أكبر بكثير من المرونة التي يمكن أن يظهرها الأردن في هذا المجال، وبالتالي.. الحديث، بكل حال، عن صفقة.
وهي صفقة، اليوم، من غير المتوقع أن تقبلها الحكومة الأردنية في توقيت حرج وظهرها منكشف إقليمياً في نفس الوقت الذي تتشدد فيه المخابرات الإسرائيلية وعلناً وبطريقة مستفزة في الإفراج عن الأسيرة الأردنية هبة اللبدي، التي تدحرجت قضية اعتقالها اليوم بحيث أصبحت قضية رأي عام أردني ووطني تغذيه حكومة اليمين الإسرائيلي بقرار استفزازي محرج قوامه تمديد فترة حبسها –أي اللبدي– لخمسة أشهر.
تلك خطوة «وقحة جداً»، يؤكد القطب البرلماني البارز خليل عطية وهو يحاول تذكير الحكومة بأن إسرائيل تقدم الأدلة والبراهين على أنها دعوة وعلى أن الحلم الصهيوني المريض المختل هو الذي يحكم مسارات مؤسساتها.
ينضم عطية إلى كثيرين اليوم في الأردن وهم يطالبون حكومة بلادهم بمواقف صلبة وحقيقية تخدم مصالح الدولة والشعب الأردني، بالرغم من سلسلة الجرائم التي تنتهك إسرائيل بها يومياً كل المواثيق والقوانين.
مرة أخيرة، العلاقات الإسرائيلية الأردنية في مأزق، وعناصر وفية لاتفاقية وادي عربة في الجانبين تحاول البحث عن صيغة تعيد تنشيط حلقات التواصل تحت عنوان تمديد اتفاقية الباقورة والغمر لمدة عام فقط.