اراء و مقالات

الجريمة ضد غزة توقظ مخاوف الأردنيين على «الهوية الوطنية»

بينما هامش مناورة المملكة الهاشمية مع الإسرائيليين ضيق للغاية

عمان ـ «القدس العربي»: يمكن ملاحظة الخطاب السياسي والرسمي الأردني وهو يتمسك بثلاثية محددة في المسألة الفلسطينية بصيغة تعكس مواطن القلق العميقة في دوائر القرار الأردني وسط تصدع كبير في منظومة الاتصالات الكلاسيكية مع الإسرائيليين ومؤشرات اشتباك وتصعيد مع اليمين الإسرائيلي الحاكم في تل أبيب.
واضح تماماً لكل مراقب أن منطقة إعادة تدوير الزوايا في هامش المناورة الأردني مع الإسرائيليين ضيقة للغاية، ولا يوجد فيها مستجدات يمكن أن تجيب عن الأسئلة العالقة، خصوصا ًبعد إبلاغ قادة أساسيين في المقاومة الفلسطينية لشخصيات سياسية أردنية مؤخراً عن قناعتهم بأن الصفقة مع الإسرائيليين بشأن العدوان على غزة في طريقها للتأجيل والتجميد إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
مربع القرار الأردني قلق جداً من هذا التجميد، ويتصور بأن الصراع سيبقى مفتوحاً على احتمالات الاستنزاف إقليمياً إذا ما تعاظم الوضع الإنساني الكارثي في قطاع غزة، وإذا لم يتدخل المجتمع الدولي لوضع حد للعدوان الإسرائيلي.
لكن عندما يتعلق الأمر بتجليات وتداعيات هذا العدوان على مصالح الأردن، تضيق الزوايا مجدداً؛ فعمان في كل أدبياتها وخطاباتها تتحدث عن 3 مسائل مركزية دوماً يتجاهلها اليمين الإسرائيلي بكل حال.

3 مسائل

وهي، أولاً، وقف إطلاق النار في غزة ثم تكثيف المساعدات. وثانياً، وقف ما يسميه الأردنيون بالاستفزازات في القدس والمسجد الأقصى. وثالثاً، وضع حد للتوسع الاستيطاني واعتداءات المستوطنين في الضفة الغربية.
ويراقب الأردن الضفة الغربية تحديداً بكثافة، ويعبر عن خشيته علناً من انهيار الوضع القانوني فيها، ولعل ذلك هو الأساس في تكثيف الخطاب الدبلوماسي الأردني الحديث عن اعتداءات المستوطنين المنفلتة واستمرار الاستفزازات في القدس، إضافة إلى الجزء المتعلق بالاغاثة ولوجستياتها.
وبسبب تعاظم وتكرار استفزازات الإسرائيليين للوصاية الأردنية على أوقاف القدس، تتكرر تلك الأسئلة الحرجة التي توجه لحكومة عمان بين الحين والآخر، وتطرح تساؤلات بعنوان مستقبل العلاقة مع ما يسميه السياسي البارز طاهر المصري بأطماع اليمين الإسرائيلي، وما يسترسل ساسة آخرون كثر – من بينهم الدكتور مروان المعشر – بتسميته مربع العودة مجدداً لحل القضية الفلسطينية على حساب الأردن والأردنيين.
الخبير الاستراتيجي الدكتور أنور الخفش، كان قد قدر مبكراً في نقاش مع «القدس العربي» بأن الاستمرار في أي رهان له علاقة بملاعبة اليمين الإسرائيلي وترك الرهان على الطرف الذي يكسب الآن بالمعنى الاستراتيجي وهو المقاومة، هو خطأ استراتيجي فادح.

بينما هامش مناورة المملكة الهاشمية مع الإسرائيليين ضيق للغاية

يكثف أردنيون من تحذيراتهم بضرورة التأسيس لمقاربة رسمية جديدة تعامل مع وقائع الأمور، عنوانها الأساسي التنويع والتشبيك بعد التوقف عن إنكار مخاطر اليمين الإسرائيلي على المملكة.
وهي مخاطر لا يخفف منها تقارب الأردن الرسمي مع سيناريو حرمان فصائل المقاومة في غزة من مكاسب سياسية في مرحلة ما بعد وقف العدوان، ولا يخفف منها أيضاً الانتظار مطولاً إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
عملياً، لا تجد الحكومة الأردنية وسيلة مقنعة لإقناع الرأي العام المحلي بالتخفيف من هواجسه بعدما قفز سياسيون معتدلون، من بينهم المعشر، علناً بسيناريو يفترض أن عودة الرئيس دونالد ترامب للحكم ستعني عودة صفقة القرن وحل القضية على حساب الأردن.
ولا تبرز حتى في وسائل الإعلام الرسمية سرديات أو لهجات من الصنف الذي يخفف من حدة مخاوف الأردنيين، حيث قفزت تعبيرات الحرص على الهوية الوطنية الأردنية بصورة فيها قدر من الحساسية مع استمرار الجريمة الإسرائيلية ضد أهالي غزة، وهو ما يحذر منه عضو مجلس الأعيان الدكتور محمد مومني في هامش نقاش مع «القدس العربي» عن «محددات» التعبير الداخلي عن التضامن مع الأهل في غزة، وحيث وقوف طويل للخطاب الحكومي أمام عبارة «حل الدولتين وإنهاء الصراع».
وهي عبارة لم تعد مقنعة بأي مستوى، وعند الرغبة في التجديد تستهلك عبارة «المجتمع الدولي والشرعية الدولية» وكلتاهما سقطت تماماً من اعتبارات وحسابات المنطق والقيم، برأي الدكتور الخفش والرئيس المصري، وهو الأمر الذي يدفع وزير الخارجية أيمن الصفدي لمحاولة محمومة مرة تلو الأخرى لتذكير المجتمع الدولي بأنه فاشل وعاجز عن محاسبة إسرائيل أو ردعها.

مقاربة وطنية؟

وإذا كان وزير الخارجية يعتقد بذلك ويتحدث عنه، فذهنية الأردنيين الجماعية اليوم تفترض بأن إسرائيل التي لا أحد يردعها، يمكنها أن تؤذي الأردن الآن بكل بساطة، أو تحاول المساس بدولة الأردنيين ومؤسساتهم ووضعهم الأمني المستقر، حيث لا مانع ولا رادع أمام أيديولوجيا حكام تل أبيب الشريرة، كما يصفها رئيس الوزراء الأسبق علي أبو الراغب وهو يتفق مع دعاة البحث عن مقاربة وطنية تتمأسس على قراءة واقعية لمسار الأحداث.
القاموس السياسي والدبلوماسي الأردني يستهلك أكثر الآن تلك العبارات التي لا تعني شيئاً في الواقع، لكنها تؤشر في الوقت ذاته على ضيق هوامش المبادرة أمام الحكومة الأردنية، مثل تلك الكلمات التي تستخدم في الحديث عن عملية سلام تجاوزها تماماً الواقع الإقليمي والفلسطيني الآن في اتجاه صراع اقترحه أصلاً عضو الكنيست العربي أيمن عودة، عندما زار عمان ونصح الأردنيين بعنوان «اعتقاد اليمين الرئيس الحاكم الراسخ بعدم وجود أي جهة تردع حسم الصراع بدلاً من إدارته».
قالها عودة مرتين بحضور «القدس العربي» في عمان ناصحاً: «حكام اليمين في تل أبيب مقتنعون بأنهم يستطيعون حسم الصراع، لا بل يتصرفون على هذا الأساس».
باختصار، فعلى الرغم من المتابعة الأردنية الرسمية الحثيثة لكل التداعيات والتفاصيل، وعلى الرغم الخبرة المتراكمة بيروقراطياً، لا تريد الحكومة الأردنية حتى اللحظة على الأقل شراء تلك الرواية التي تقول إن عملية السلام انتهت والصراع مفتوح… ذلك طبعاً يبرر الاستمرار في الجلوس في منطقة المناورة الضيقة.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading