الجميع يسأل في الأردن «من هم الذين يتلقون أوامر خارجية؟»: جدل وتأويل وتكهن و«شخصنة»… والحكومة «صامتة»

عمان- «القدس العربي»: يلتقط الخبير الاستراتيجي والعسكري الأردني الفريق قاصد محمود، ما هو جوهري في المسألة والمفارقة عندما يرى أن واجب المؤسسات الرسمية والأجهزة المختصة اتخاذ إجراءات لتحديد تلك «الفئة القليلة» التي تتلقى أوامر من الخارج، محذراً عبر «القدس العربي» من ترك هذا الملف للاجتهادات الشخصانية والتكهنات وبعض التحليلات.
«أمر ضار» في المصلحة الوطنية، وقد يقود إلى إطلاق اتهامات جزافية من جهة أفراد أو أجندات خارج السياق الوطني والمرجعي.
شعر الجنرال محمود، ببعض القلق عندما تابع بعض ردود الفعل عبر منصات التواصل والإعلام على التحذيرات المرجعية التي شغلت المناخ الداخلي منذ يومين.
شعر مراقبون آخرون بالفزع في المقابل، ليس لأن تلك التحذيرات تعكس غضباً وتساؤلاً، بل لأن غياب التعريفات والتوضيحات قد يسمح بالشخصنة أو الافتراء.
تلك مسألة يفترض ألا تكون إشكالية؛ لأن مسؤولية الحكومة والسلطات المختصة هي تحديد وتعريف ما ورد في مداخلة ملكية في إطار انتقاد تشكيك بمواقف المملكة عن وجود أفراد في الداخل يأتمرون أو يتلقون الأوامر من الخارج.
وردت الملاحظة الملكية مخلوطة ببعض الغضب والأسف في لقاء بمناسبة يوم الوفاء للمحاربين القدامى أمس الأول، حيث أشار الملك شخصياً إلى وجود مثل تلك الفئة، ثم قال «عيب عليهم».
بدت الأدبيات المرجعية هنا آسفة للغاية من استمرار حبال التشكيك بمواقف الدولة. لكن مع غياب نص حكومي يشرح ويوضح، أو حتى مع غياب إجراءات تعمل على تعريف من يتلقون تعليمات وأوامر من الخارج، فقد حصل قدر من الضجيج والفوضى والتأويل خارج النص، وبات واضحاً أن البعض يمكنه -ما بقيت الحكومة صامتة هنا- تفسير التحذير المرجعي بالطرق غير الملائمة.
لذلك، حصراً، طالب عضو البرلمان الدكتور حسين العموش، الجهات الرسمية بالبحث والتـحري عن هؤلاء الأشخاص، ثم أثار طلباً تحت القبة: نريد أن نعرف من هم المقصودون بذلك.
القطب البرلماني صالح العرموطي، استبق الحدث وقرر في جلسة أمس الأربعاء لأغراض مفهومة وبعدما برزت إشارات تفسيرية تعيد إنتاج شيطنة الإخوان المسلمين، تقديم سردية عن العلاقة القديمة ما بين النظام في الأردن وجماعة الإخوان المسلمين، والتي بدأت باتهام الجماعة بأنها ارتمت في أحضان النظام لأنها دافعت عنه عام 1956.
الفريق محمود، يستبعد أن يكون المقصودون بتلقي الأوامر من الخارج هم من الحركة الإسلامية؛ لأنها تقف تماماً في الشارع مع «لاءات» الدولة المرجعية المعلنة ضد التهجير والتوطين والوطن البديل.
رغم ذلك، لم يشرح العرموطي الأسباب الخلفية لمداخلته المهمة باسم جبهة العمل الإسلامي ونوابها، فقد أعلن أن الجبهة تتطلع للقاء قريب مع الملك للتعبير عن ولائها وانتمائها الوطني. والحركة الاسلامية وقفت خلف «كلا» الملكية الثلاثية، وولاؤها دائماً للوطن، ولا يمكنها أن تسعى إلى فتنة وترفض المزاودة عليها في الانتماء الوطني.
لسبب مفهوم على الأرجح، تقدم العرموطي بخطابه نيابة عن الحركة الإسلامية، مع أن الدولة لم توجه اتهاماً لها بعناوين تلقي الأوامر والتعليمات من الخارج، لكن ما قاله العرموطي يعكس وجود حذر من جهة التيار الإسلامي بأن لا تستخدم الملاحظة المرجعية لاحقاً لإعادة تصنيف الحركة الإسلامية، وهو ما استدعى مطالبة العرموطي أصلاً بإزالة ما سماه «الأقلام الصفراء».
في الأثناء، كان الناشط النقابي الإسلامي البارز أحمد زياد أبو غنيمة، ينشر تغريدة يحذر فيها من وصفهم بـ«كتاب التدخل السريع» والأبواق المأجورة، لاختلاق أزمة داخلية وعدو وهمي، معتبراً أن صناعة الفتنة هنا هي التي تتآمر على الأردن قيادة وشعباً، بصيغة يستفيد منها العدو الصهيوني فقط.
لا يتعلق الأمر طبعاً بتلمس أي تيار سياسي في البلاد رأسه بعد الملاحظة الملكية المهمة، لكن التحذيرات عادت للتفاعل من سيناريو استغلال بعض الأقلام والاجتهادات لملاحظة مرجعية تستوجب التأمل والوقوف عندها لتصفية حسابات خاصة أو ذاتية وبصورة مؤذية لنظام القانون والعدالة، علماً بأن بعض مظاهر ومؤشرات الانفلات برزت مبكراً في محاولة استباقية لشرح ما لم تقدم له السلطات الشرعية شرحاً.
ثمة أصوات هاجمت، مبكراً، الإخوان المسلمين لا بل اتهمتهم قبل الدولة بأنهم المقصودون بتلقي الأوامر من الخارج.
وتوسعت عبر منصات التواصل حصراً بعض المصطلحات مثل «مزدوجي الولاء»، لا بل بعض الآراء لنواب سابقين قالت: هؤلاء المشكوك في ولائهم موجودين في مواقع رفيعة بمؤسسات الدولة الأردنية المهمة.
آراء أخرى تحدثت تشكيكاً في ولاء وانتماء من تصفهم بـ «المجنسين»، وبعض الآراء اعتبرت أن ما ورد في الملاحظات المرجعية هو ما تسبب سابقاً منذ أكثر من 20 عاماً في سجن الوطنيين والأحرار الذين كانوا يتحدثون عن اختراق في الدولة لصالح من يتم توجيهه من الخارج.
وهو رأي نشر باسم نائب سابق في البرلمان، فيما تحدث زميل برلماني آخر له عن مزدوجي الولاء، الذين تسللوا لمواقع القرار.
تثبت مثل هذه الطروحات أن ضحايا الاستنتاجات والاجتهادات الشخصانية في تأويل النص ليسوا فقط المعارضة ولا الإسلاميين، بل أيضاً نخب ورموز موجودة في مواقع القرار، فيما استمرار الصمت الرسمي على التفاصيل قد يمنح أي شخص أو جهة حق التكهن والتأويل والافتراض، لا بل الاتهام والفبركة.
المقصود في الملاحظات المرجعية هو حصراً تحصين الجبهة الداخلية، خصوصاً من التسريبات والشائعات الإلكترونية، وليس تمكين أي جهة أو فرد من إعلان التفسير الذي يراه مناسباً.
الأردن هدف علني لإسرائيل وللولايات المتحدة، وظاهرة الذباب الإلكتروني البطل الرئيسي في كل موجات التشكيك وسط الأردنيين، ومصدرها -بإقرار خبراء رسميين- هي غرف الدردشة وصناعة الشائعات التي تتبع بعض الحكومات الصديقة للدولة الأردنية خلافاً للجهد الخاص الذي اتضح بالتوثيق أنها تقوم به وحدة التجسس الإسرائيلية 8200 التي أصبحت -وفقاً للناشط السياسي محمد خلف الحديد- أكثر نشاطاً وفعالية في صناعة الفتنة واصطياد بعض السذج في الداخل.
تعلم السلطات المختصة بصورة محددة من هم الأشخاص الذين يمكن إثبات ارتباطهم بالخارج.
يتفاعل النقاش وسط صمت بيروقراطي هنا من الصنف الذي يسيء إلى السردية المرجعية بدلاً من القيام بواجب متابعتها.
لذلك وفي الخلاصة، شعر الجنرال محمود وغيره كثر من المراقبين السياسيين، بالقلق وأحياناً الفزع.