اراء و مقالات

الرؤية العربية تتبلور… والأردن في «محور الاستجابة»: تنشيط دبلوماسي يعيد بناء موقف موحد لشرعنة حل الدولتين دولياً وإعاقة قرار الكنيست ضم الضفة

عمان- «القدس العربي»: يمكن قراءة الزيارة السريعة التي قام بها، الإثنين، العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني إلى السعودية باعتبارها جزءاً من الحراك الدبلوماسي النشط للأردن ضمن حزمة ما يسمى اليوم في عمق الأوساط الدبلوماسية بالرؤية العربية للحل والاشتباك في الملف الفلسطيني.
عودة التنسيق بين عمان والرياض على مستوى القمة، إشارة مبكرة إلى أن عواصم المنطقة العربية بصدد رسم ملامح تلك الرؤية في مواجهة الخطط والاتجاهات والمسارات التي يحاول اليمين الاسرائيلي فرضها على النظام الرسمي العربي، ابتداء من غزة، مروراً بالضفة الغربية وملف القدس.
ليس سراً أن هذا النشاط على المستوى العربي عموماً ابتدأ مع زيارة الملك عبد الله الثاني الأسبوع الماضي إلى ألمانيا تحديداً، على أمل التمكن من ممارسة ضغوط على اليمين الإسرائيلي.
وليس سراً أن الأردن بدا متحركاً أكثر من أي وقت مضى في المجالات الحيوية في القضية الفلسطينية، وأن تقاربه مع دول عربية فاعلة ومؤثرة مثل مصر والسعودية هو نمط من الاستجابة السياسية المرنة التي تحاول الاستثمار في مشروع حل الدولتين بصيغته الأوروبية، كما تحاول توفير ملاذ لمعالجة الأزمة الناتجة عن العدوان الإسرائيلي في غزة بدلاً من ترك الميكروفون لليمين الإسرائيلي وللصمت الأمريكي تحديداً.
ما يتم تطويره خلف الستائر يبدو أكثر أهمية مما يحصل الآن أمام الكاميرات، فقد تفاعلت المؤسسة الأردنية بنشاط أيضاً مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ومع مؤسسات تمثل الشرعية الفلسطينية، فيما تتكفل أطراف عربية أخرى بالتواصل مع حركة حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية.
النظام الرسمي العربي يحاول الاستجابة للمناخ الذي أسسه منتدى نيويورك ولما يسمى بالمشروع الفرنسي. والأردن وجد نفسه في محور هذه الاستجابة وفقاً لقناعة يقينية بأن البقاء في حالة حركة وتحريك أفضل من الجمود، خصوصاً بعدما أبلغت ألمانيا القيادة الأردنية بأنها جاهزة للالتحاق بالمشروع الفرنسي المعني بحل الدولتين، حيث سبق لوزير الخارجية أيمن الصفدي أن أبلغ «القدس العربي» مباشرة بأن حل الدولتين فقط هو الخيار والمسار، بصرف النظر عما يقوله عنه الآخرون، مع أن بعض النخب السياسية في عمان ومن بينها وزير الخارجية الأسبق الدكتور مروان المعشر، لا تزال تحتفظ بالتقدير القائل بأن المجتمع الدولي لم يعد معنياً بحل الدولتين.
لاحظ الجميع مؤخراً في عمان على مستوى المراقبة السياسية أن القنوات البيروقراطية تحركت في اتجاه رموز السلطة الفلسطينية أيضاً، حيث برزت إشكالية الازدحام على الجسور والمعابر في اتجاه الضفة الغربية، وتطلب الأمر ظهور وزيري الداخلية الأردني والفلسطيني معاً في اجتماع حظي بتغطية إعلامية على منطقة الجسور والمعابر.
في الأثناء، ولعدة أسباب بعضها داخلي، يتم تحريك منظومة التواصل الأردني مع نائب الرئيس الفلسطيني الحالي حسين الشيخ، ومع أقطاب حركة فتح في الضفة الغربية والموجودين في عمان، ما يوحي بأن العاصمة الأردنية قد تكون في طريقها لنفض الغبار عن ملف قديم وضع بالأرشيف منذ 3 سنوات، عنوانه الأبرز عودة تماسك قيادات وأقطاب حركة فتح، والدفع في اتجاه تفاوض الجميع مع رموز الحركة ضمن ما يسمى بهندسة المشهد الفلسطيني الداخلي.
في التفاصيل، بدت عمان مهتمة بمصالحة فتحاوية داخلية، ومهتمة بأن يشرف الرئيس عباس شخصياً على أي ترتيبات لها علاقة بمستقبل هيكل ومنظومة السلطة الفلسطينية، بما في ذلك ملف خلافته وملف توسيع وشرعنة صلاحيات من يتولى موقعي نائب الرئيس ورئيس الوزراء.
الاستشعار الأردني مع حركة «فتح» والشرعية الفلسطينية جزء من مسار الاستجابة والتجاوب لما يطرحه الأمريكيون والأوروبيون باسم إصلاح الهيكل الفلسطيني قبل الخوض في النقاشات الدولية المعنية بإعلان الاعتراف جماعياً بالدولة الفلسطينية، حتى وإن كان على الورق في المرحلة الحالية.
ويحصل كل ذلك فيما قناعة عمان في المستوى السياسي المركزي تترسخ بأن العمل مع أوروبا هو الصيغة الأفضل للتأثير في موقف وموقع الإدارة الأمريكية الحالية، وكذلك في تجنب مزالق التأزيم والصدام التي يقترحها رموز الائتلاف اليميني في حكومة تل أبيب.
والحديث هنا عن تلك الرموز التي وصفها في نقاش مع «القدس العربي» رئيس الوزراء الأسبق علي أبو الراغب، بوزراء موتورين لا يحترمون أي عهد أو اتفاق، والطريقة المثلى للتعامل معهم هي استعمال أدوات الدبلوماسية الخشنة.
لم تعرف بعد حدود الحراك النشط سواء أردنياً وعربياً، ولا المساحة التي يمكن أن تتطور في اتجاه مربع الحل العربي، فيما الإدارة الأمريكية تراقب عن بعد كل النشاطات، واليمين الاسرائيلي يحاول إعاقة أي حوار.
وأصبح التقارب الأردني السوري من جهة، والأردني المصري ثم الأردني السعودي من جهة أخرى، هو الأساس في محطة واستراتيجية الاشتباك الأردني والفلسطيني بالحد الأدنى.
تطمح المؤسسة الأردنية في بناء جدار عربي يدعم حل الدولتين، ويوحي بأن الأطراف العربية على الأقل ليست في صدد التنافس ولا التجاذب، عندما يتعلق الأمر بالصراع والقضية الفلسطينية.
لا يخفي الأردنيون خلف الكواليس انطباعهم بأن النمط الحالي من التنشيط الدبلوماسي قد يكون مفيداً في إعادة بناء موقف فلسطيني عربي موحد، ثم في وقف حالة الاستعصاء، وصولاً إلى التعاون والتأثير مع الأوروبيين. تلك هي المقترحات الملقاة على الطاولة الآن، وفكرتها الأساسية تسمى بالرؤية العربية، وتبدأ من غزة مروراً بشرعنة حل الدولتين دولياً، ثم بإنتاج مناخ يعيق قرار الكنيست الإسرائيلي بضم الضفة الغربية.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading