الرياض استبدلت بـ «الأمير الصاخب» «سفيراً رومانسياً» في عمان… خلاف مخفي بسبب «صفقة القرن»
أول اختبار «أردني» للسديري… واستثمارات سعودية «وهمية»
الاحتفالية «الإعلامية» على الأقل التي رافقت حضور السفير السعودي المعين حديثاً للعاصمة الأردنية عمان، نايف بن بندر السديري، يراد لها أن «تغطي» على تفاصيل «خلاف مخفي» متجدد له علاقة هذه المرة بصفقة القرن وليس بأي مسار ثنائي أو أي من ملفات المنطقة والإقليم.
المؤسستان السعودية والأردنية ليستا على الخط المستقيم نفسه في ملف «صفقة القرن»، بالرغم من اتصالين هاتفيين تلقاهما الرئيس محمود عباس من العاهلين الملك سليمان وعبد الله الثاني بهدف التضامن.
حسناً، حضر السفير السديري، وهو دبلوماسي عتيق وهادئ وفقاً للتعريف المتداول، بديلاً عن «أمير صاخب» أغضب السلطات الأردنية عدة مرات بسبب تعليقاته وتدخلاته في الشأن المحلي، وهو السفير السابق خالد بن فيصل، ابن شقيقة الملك سلمان بن عبد العزيز.
حتى اللحظة لم تتضح «التوجيهات» التي زود بها السديري في إطار «هندسة ما يمكن» من تأطير للعلاقات بين الجانبين. لكن يمكن ملاحظة مسألتين في السياق.
أولاً، إن السفير السابق الذي طالما اشتكى من البيروقراطية الأردنية ودورها في إعاقة «استثمارات سعودية» وهمية، على الأرجح، «اختفى» تماماً عن الرادار بعد استدعائه منذ عشرة أسابيع تقريباً فجأة إلى الرياض وإنهاء تكليفه بمهمته في عمان. يعلم الجميع أن استدعاء السفير السابق كان له علاقة بالفيديو الشهير الذي شوهد فيه بمطار عمان يشعل «سيجارة» لشيخ قطري.
وثانياً، إن السفير الجديد يبدأ وظيفته في مرحلة «عصيبة» ليس فقط على صعيد المسار الثنائي للعلاقات، لكن أيضاً على صعيد الاستحقاقات والتداعيات التي تنتج عن صفقة القرن الأمريكية، وحصرياً عن حضور سفراء ثلاثة دول حليفة جداً للرياض لإعلان تلك الصفقة، في خطوة ضمنية يعتقد أنها تنطوي على «مباركة سعودية» خلف الستارة وسط الأنباء عن مساهمة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في «هندسة» صفقة ترامب، ما يبرر أصلاً حضور سفراء البحرين ومسقط وأبو ظبي لاحتفالية ترامب- نتنياهو.
هنا يتمسك مفكر سياسي أردني من وزن عدنان أبو عودة بروايته المتعلقة بصفقة تحول الضفة الغربية إلى «سجن» وتطرح سلاماً اقتصادياً فقط يتضمن توفير آلاف من فرص العمل للفلسطينيين في مشاريع «سعودية»، مثل «نيوم» على البحر الأحمر.
حتى اللحظة، لا يرى أبو عودة في الوقائع ما يعاند تصوره ويشاركه طبعاً المخضرم طاهر المصري بالإشارة إلى أن المطلوب بعد تصفية القضية الفلسطينية «تفريغ الأرض» من أهلها بالقطعة، وتهجيرهم ببطء بعد الضم والسيطرة، وعبر لافتة اقتصادية.
لا يحصل كل ذلك دون سلسلة «أضواء خضراء» سعودية.. هذا هو الانطباع المتشكل اليوم وسط النخبة الأردنية العليمة والخبيرة.
وهو انطباع سيخضع للاختيار مع أول جولة في العمق النخبوي يسجلها السفير الجديد السديري.
عموماً، غادر السفير الأمير بصمت شديد ودون ترتيب مسبق، وبقيت سفارة خادم الحرمين بلا سفير نحو ثلاثة أشهر قبل أن يبدأ السديري مهمته تماماً الخميس الماضي، وسط جملة من الاستعراضات.
بمجرد نزوله أرض المطار، نشر السديري تغريدة التقطتها صحافة محلية في عمان معلناً فيها حضوره لـ»وطنه الأردني الثاني»، قائلاً إنه وجد الأردن «جميلاً مزدهراً» في ظل «جلالة» الملك عبد الله الثاني.
تلك طبعاً مجاملة مغرقة بالدبلوماسية، تتعاكس في الاتجاه مع السفير السابق الذي كان ينتقد ضعف الإدارة الأردنية في الأطراف والمحافظات، ولم يتحدث عن جمال المملكة يوماً، ولا عن ازدهارها، مع أن «الازدهار» قد لا تكون المفردة المعتمدة أو المناسبة لأي انطباع له علاقة بالوضع الاقتصادي الصعب الحالي في الأردن.
بعد المجاملات والرومانسية الدبلوماسية بتوقيع السديري، استقبله وزير الخارجية أيمن الصفدي في أول يوم عمل له، وفوراً نشرت صورة للوزير والسفير تحاول الإيحاء بأن «العلاقات» مميزة، وهي ليست كذلك برأي غالبية المراقبين، وإن كانت «أكثر وضوحاً وأقل تشويشاً» الآن برأي مسؤول بارز في الطاقم الملكي الأردني، تحدث مع «القدس العربي» عن «معطيات ومعلومات خاطئة» كانت تتجول بين مؤسستي البلدين طوال العامين الماضيين.
التواصل بين عمان والرياض بدأ يخضع لـ»فلترة»، ويعتمد على الاتصال الوجاهي، ولا يجتهد بتقديم روايات الأفراد أو يعتمد على تسريبات الآخرين.
تلك حالة ملائمة لأن يعمل السفير السديري بهدوء وصمت بعد مصارحة بين الجانبين انتهت بترسيم الحد الذي يمكن للسعودي أن يتضامن عبره مع أزمة الاقتصاد الأردني، وعلى أساس لا يتجاوز الآن تقديم «قرض ميسر» بقيمة 350 مليون دولار مودعة أصلاً في البنك المركزي في عمان. لكن أجندة صفقة القرن وتوابعها قد تكون بمثابة أول اختبار نوايا حقيقي لعمق العلاقة الواقعي.