اراء و مقالات

الساحة الأردنية: نشاط مفاجئ على جبهة «حل البرلمان ووقف الديمقراطية» وإنكار «نخبوي» لأهمية «الإخوان»

عمان- «القدس العربي» : لا أحد من المجتهدين وأصحاب الاقتراحات المستنيرة مؤخراً في الساحة الأردنية يجيب عن السؤال المركزي التالي: كيف يمكن للدولة باعتبارها عنوان الاستقرار الأهلي والسلم الاجتماعي، أن تستفيد من تعطيل الحياة الدستورية والبرلمانية ووقف الانتخابات أو تجميد مسار تحديث المنظومة السياسية في البلاد مرحلياً؟
سؤال صعب، وفي الواقع ليس معقداً.
لكن ما يجعله ملغوماً أصحاب بعض الآراء التي برزت وتكاثرت وتزاحمت خلال الأسبوع الماضي، التي تقترح على دوائر صناعة القرار وقف كل مظاهر الحياة الديمقراطية في البلاد نكاية في تيار الإخوان المسلمين ولأن الوضع الإقليمي غير مستقر.
مناكفة التيار الإسلامي أصبحت فجأة معادلاً لغياب الصراحة الوطنية عبر مزج الميل الشخصي بالرأي الوطني افتراضياً، ولعل المفارقة أن أصحاب الرأي القائل اليوم بتعطيل المسار الديمقراطي يقترحون بأن الدولة ستستفيد في هذه المرحلة الحرجة، لكنهم لا يقولون كيف ومتى وعلى أي أساس؟
يرغب هؤلاء في التركيز على تفرغ الدولة لإدارة الصراع من دون قوى شعبية أو شعبوية حتى لا يتحول الأردن إلى ساحة صراع مع إسرائيل أو إيران أو كتليهما، فيما الجواب الواقعي يؤشر إلى أن اليمين الإسرائيلي يصنع صراعاً مع الأردن بعملياته في الضفة الغربية يومياً، حسب البرلماني والسياسي محمد حجوج، لا بل يمين تل أبيب – وهذا ما يحاول مناكفو الإخوان تجاهله- برسم وصدد تصدير أزمته في الضفة الغربية إلى الأردن بكل الأصناف.
عملياً، بعض المقترحات المتزاحمة تصدرت على نحو رغائبي وغرائبي بعد العملية الاستشهادية التي رحب بها الشارع الأردني وصنفت بأنها عملية بطولية في منطقة البحر الميت.
ومع أن هذه العملية سبقها طوال عقود عشرات أو مئات العمليات المماثلة ومحاولات التسلل، فإن هذه العملية بالذات لأنها حصلت في ظل العدوان الإسرائيلي المستمر على شكل مذابح تفتك بأهل غزة والضفة الغربية ولبنان، حظيت بحيز نقاش مكثف وإضافي، والسبب على الأرجح أن الاستشهاديين اللذين نفذا العملية التقطا صوراً، وقدما وصية مسجلة على نمط الاستشهاديين في الضفة الغربية، ما أثار الحيرة واللغط وعشرات الأسئلة.
لكن هذه التساؤلات يثيرها الأردنيون حول الأردن، فيما لا يبدو أن الإعلام الإسرائيلي مهتم بإثارتها في عمق إسرائيل اليمينية المتضررة من الحالة الاجتماعية وحالة الاحتقان التي تنتج عن عملية مثل البحر الميت.
ثمة من يرجح أن مثل هذه العمليات تخدم اليمين الإسرائيلي وتبرر له إقامة الجدار في منطقة الأغوار، ما يعني ضمها رسمياً وبداية مسلسل الوطن البديل، وفقاً للوصف الذي استعمله مبكراً وزير البلاط الأسبق الدكتور مروان المعشر.
في كل حال، بعد عملية البحر الميت برزت عناصر جهل شعبوي وتسرع عند بعض ممثلي جماعة الإخوان المسلمين في تعليقات متسرعة على العملية، ثم فجأة ازدحمت الساحة بالأفكار التي لا يمكن وصفها بأنها مستنيرة أو مفيدة.
بعض تلك الأفكار اقترحت العودة للأحكام العرفية، بمعنى تعطيل الحياة البرلمانية.
بعضها الآخر طالب بحل البرلمان وتأجيل الديمقراطية والانتخابات إلى مرحلة أخرى، لكن بعضها الثالث اقترح أيضاً وقف وتجميد مسار تحديث المنظومة السياسية في البلاد لأن المرحلة تتطلب ذلك.
كل تلك الأفكار ازدحمت نكاية بالإخوان المسلمين، وما يجمع بين هذه الآراء ليس عملية البحر الميت الاستشهادية، بل الإصرار على نكران مخاطر مشاريع اليمين الإسرائيلي تجاه الأردن حصراً، وعلى على طرح مثل هذه الأفكار التي يغيب عنها البعد الأعمق في مرحلة حرجة قوامها اشتعال الإقليم خلافاً لأن ما يجمع أصحاب هذا الرأي والاجتهاد هو حصراً كراهيتهم للإخوان المسلمين وخصومتهم السياسية معهم؛ لأن البرلمان الحالي شهد تفوقاً للإخوان المسلمين، ولأن الانتخابات الأخيرة كانت نزيهة.
والمعنى أن ردة فعل نخبوية من بعض الأوساط والصالونات المحسوبة على السلطة وليس من جهة السلطة، هي التي رصدت سلباً ضد الانتخابات النزيهة، وبمعنى أن من وصفوا يوماً بممثلي قوي الأمر الواقع أو قوي الاتجاه المعاكس هم الذين يحاولون الاستثمار في حالة غياب اليقين في الإقليم للهجوم بصورة معاكسة ليس على الإخوان المسلمين فقط ولكن على فكرة ومنهجية الانتخابات النزيهة التي جربت في 10 أيلول الماضي.
في كل حال، تتزاحم مجدداً الأفكار السلبية، بل إن بعض الآراء والمقالات تجرأت على مطالبة صناعة القرار بتجميد مسار تحديث المنظومة السياسية في البلاد، علماً بأن الديمقراطية والانتخابات هي القوة الحقيقية، كما درج على القول البرلماني والسياسي البارز الدكتور ممدوح العبادي.
وعلماً -من جهة أخرى- أن القناعات راسخة بأن احتواء التيار الإسلامي والإخواني في هذه المرحلة الحرجة عبر وضعية ضمن معادلة انتخابات نزيهة وبرلمان يمثل الشعب، هو الأجدى والأنفع في إطار المصالح الوطنية بدلاً من الضغط على التيارات الاسلامية وتركها بعيداً عن الانتخابات وأطر وأنابيب العمل البرلماني؛ لأن القطب البرلماني الإسلامي صالح العرموطي قال أمام “القدس العربي” إن التيار الإسلامي راشد وهو جزء من نسيج المجتمع، ويعلم تماماً ما الذي يعنيه أن يكون هذا التيار جزءاً من السلطة التشريعية.
وفي المقابل، لا تأخذ الآراء التي تقترح تجميد الحياة الديمقراطية في البلاد لا بل حتى عودة الأحكام العرفية الآن بالاعتبار، ما يؤكد أن مواجهة مخاطر اليمين الإسرائيلي وسيناريو التهجير السياسي في الضفة الغربية باتجاه الأردن وضم الأغوار، يتطلب وجود قوة أساسية مفصلية في المجتمع مثل الإخوان المسلمين في صدارة المشهد المؤسساتي.
وبالتالي، “الإخوان المسلمون” وكل التيارات والمكونات التي تدعم المقاومة، عنصر إضافي في خدمة مصالح الدولة في إطار طبيعة وجوهر وعمق الأزمة الحالية مع أطماع اليمين الإسرائيلي، خلافاً لأن الديمقراطية الحقيقية والانتخابات سلاح بيد المملكة في مواجهة اليمين الإسرائيلي واليمين العربي المجاور أيضاً.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading