“السطر الناقص” في تعريف”الحافة الأمريكية”: هل واشنطن “حليفة حقا” للشعب الأردني؟
تعريف الحافة الأمريكية أصعب بكثير من الجلوس عليها أو عندها

عمان- “القدس العربي”: الجلوس على الحافة الأمريكية هذه الأيام صعب ومعقّد.
وعندما يتعلق الأمر بمصالح بلد مثل الأردن، فإن الأصعب أثناء الجلوس على الحافة الأمريكية هو تعريف ورصد تلك الحافة، حتى يمكن التفاعل معها.
تعريف الحافة الأمريكية أصعب بكثير من الجلوس عليها أو عندها
ثمّة “سطر ناقص” الآن في الاتصالات الأمريكية ـ الأردنية، وينتج عن ذلك وضع استراتيجي معقّد، ليس لأن واشنطن، الحليفة والصديقة والمموِّلة دائمًا، تترك مساحة كاملة لبنيامين نتنياهو اسمها حجب حصة المياه الأردنية المتفق عليها دون تدخل أو تأثير.
وليس لأن الكاتب والقانوني المعروف محمد الصبيحي طرح سؤالًا علنيًا لم يتطوع أي سياسي رسمي للإجابة عليه بعد: هل ينظر الشعب الأردني إلى الولايات المتحدة، الحليفة رسميًا، باعتبارها صديقة وحليفة؟
سؤال الصبيحي أيضًا معقّد، وليس سرًّا أن نخب وصالونات عمّان تسترسل في توجيه الأسئلة عن الحافة الأمريكية.
الرئيس دونالد ترامب، الذي وُصف قبل ولايته الثانية بأنه “صديق للمملكة”، اتخذ قرارًا مبكرًا بتجميد المساعدات للأردن وغيره، في الواقع.
ثمّة سطر ناقص في الاتصالات الأمريكية ـ الأردنية ينتج عنه وضع استراتيجي معقّد
لاحقًا، عبث ترامب بعد ولايته بأخطر وأهم الإعدادات الأردنية، عندما التقطه قادة المعارضة الوطنية، ومن بينهم مراد العضايلة، وهو يتحسر ويتأسف — أي ترامب — على المساحة الصغيرة لإسرائيل التي تحتاج لبعض التوسيع.
لاحقًا أيضًا، وبسرعة، ومنذ أسبوعه الأول في الولاية، سحب ترامب السفيرة الأمريكية في عمّان، يائيل لمبرت، وأبقى سفارة بلاده بلا سفير عدة أشهر، ثم أرسل رجل عمليات واستخبارات يعرف المنطقة جيدًا وعيّنه سفيرًا في الأردن.
بعيدًا عن صولات وجولات السفير الجديد، جيم هولتسنايدر، النشط في تقديم العزاء والتحركات الاجتماعية وإعلان تأييد منتخب النشامى واستقبال لاعبيه علنًا، يعيد أردنيون كثر طرح السؤال عن تعريف الحافة الأمريكية، حيث يقرّ الجميع بأن التأثير الأردني في الولايات المتحدة عمومًا متأخر ويتراجع.
الغموض الذي تحيط به إدارة ترامب علاقاتها الاستراتيجية مع بلد مثل الأردن أصبح مثيرًا للارتياب، والكاتب الصبيحي نشر يقول إن جولات هولتسنايدر مع الناس هدفها بناء تصور شخصي مستقل عن أوضاع الأردنيين.
الحافة هنا وسط مروحة من الألوان والتوقعات والتكهنات.
إدارة ترامب، عندما قررت إعادة برمجة العلاقات التجارية، ضربت الواردات الأردنية بنسبة 20% في معادلة الجمارك، وكانت تلك نسبة قاسية جدًا ومربكة، وغادر رئيس الوزراء شخصيًا الدكتور جعفر حسان إلى واشنطن أملًا في التفاوض على المعادلة، وبصعوبة بالغة دفع ترامب عمّان إلى الابتهاج بتقليص تلك النسبة إلى 10%.
لا أحد يعلم بعد ما الذي حصل مع الرئيس حسان عندما زار واشنطن. لكن الانطباع سياسيًا كان أن الرجل يبحث عن تعزيز مصالح بلاده وسط شخصيات كانت، بالعادة، نافذة في الإدارة الجمهورية.
المرجّح أن المسؤولين الأردنيين الذين زاروا واشنطن — والحديث هنا ليس حصرًا عن رئيس الحكومة — لم يجدوا الأصدقاء القدامى لسبب أو لآخر.
أحد السياسيين المخضرمين زار واشنطن بهدف الاستكشاف. كانت الخلاصة مثيرة، وهمس بها في أذن “القدس العربي”: الأصدقاء القدامى في المؤسسات الأمريكية العريقة تائهون ويبحثون عمّن يساعدهم مع إدارة ترامب.
في تلك الخلاصة تفصيل أهم، صُودق عليه على هامش نقاش مع “القدس العربي” المراقب والخبير السياسي الأمريكي ـ الفلسطيني الدكتور سنان شقديح، والفكرة أن إدارة ترامب ضربت ثلاث مؤسسات عريقة وبقوة، على نحو أو آخر، وهي البنتاغون، والاستخبارات، والطبقة الدبلوماسية القديمة في الخارجية.
لذلك، المشهد يزداد قتامة.
ولا أحد يستطيع الادعاء بأنه يعرف دربًا محددًا لتجنّب البقاء على حافة ترامب الغامضة، فيما نضال الأردنيين للصمود وقضاء حوائجهم ودعم حقوق الشعب الفلسطيني بين الدروب الإلزامية التي لا مجال للمساومة عليها، حتى مع الأمريكيين، خصوصًا وأن بعض المحللين، ومن بينهم شقديح وأنور الخفش، يلفتون الأنظار إلى أن من يدير الملفات في عهد ترامب الثاني ليس المؤسسات، بل طبقة المستشارين والمبعوثين الجديدة.
تُقرّ مستويات عميقة في عمّان بأن التفاهم أو التفاوض على مصالح الأردن في الملف السوري، مثلًا، كان عبر المبعوث توم باراك في لحظة ما، وبأن الشاشات الأمريكية في عهد ترامب الثاني فيها قدر لا يستهان به من التشويش.
والمساحة الأهم التي تجمع الصداقة الأردنية مع بعض الدول الأوروبية في هذه المرحلة عنوانها المعاناة الجماعية من إدارة ترامب، والأمل في تخفيف آثارها السلبية، بل الخطيرة أحيانًا.
متخصصون بعملية السلام من الأمريكيين لم يظهر منهم أي مسؤول في عمّان، بما في ذلك جاريد كوشنر وستيف ويتكوف.
ما يرد في شأن الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي تحديدًا من الإدارة الأمريكية للأردنيين يتخذ شكل رسالة تنصح بـ”ركّزوا على وضعكم الاقتصادي ومصالحكم، واهتموا بشؤونكم أكثر”.
… لعل تلك المقولة هي التي يهمس بها أيضًا السفير الأمريكي الجديد جيم هولتسنايدر في أذن من استفسر منه أو سأله.
لكن في أوساط القرار العميقة يعتبر الأردني أن التركيز الحقيقي على مصالح المملكة يعني الوقوف ضد خطط اليمين الإسرائيلي، وتقمّص حالة وطنية في الاتجاه المعاكس لمشاريع ضم الضفة الغربية والتهجير.
طبعًا، لا يناقش الأمريكيون في ذلك، وفرصة لقاء أي مسؤول أردني مع مستشار أو مبعوث رئاسي أمريكي صعبة ومعقّدة خارج دوائر وزير الخارجية النشط أيمن الصفدي.
ليس سرًّا أن وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، المتأثر برواية اليمين الإسرائيلي، تأخر في لقاء نظيره الأردني لأن الأخير يتبنى خطاب الثوابت الذي لا تتحقق المصالح بدونه، خلافًا لما يراه أو يفترضه روبيو.
وفي الأثناء، يتسلل إسرائيليون بسؤال استنكاري، في ظل قطيعة تامة بين عمّان وتل أبيب، عنوانه: ما الذي تريدونه أو تفعلونه؟
السؤال في جوهره هنا متسلل وخبيث، وينطوي على إيحاء يلوّح بتهديد ما.
المرجّح في التحليل والتشخيص أن غياب الأصدقاء القدامى في واشنطن يشجّع الإسرائيليين على طرح أسئلة من هذا الصنف مع شريك أساسي في المنطقة لا يمكن إنجاز الاستقرار العام بدونه، مثل الأردن.
مجدّدًا، وفي الخلاصة: تعريف الحافة الأمريكية أصعب بكثير من الجلوس عليها أو عندها.
